سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس السادس عشر)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، أفضل الأنبياء والمرسلين، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الخبير.أما بعد:
في الدرس الماضي شرحنا بمعونة الله الحديث المدرج ، وفي هذا الدرس قمنا بفضل الله وحسن توفيقه بشرح الحديث المدبج، قال الناظم (رحمه الله):


قوله: (وما) أي والحديث الذي (روى كل قرين) ج، أقران أي النظير والصاحب هذا في اللغة، أما في الإصطلاح: فالأقران هم المتقاربون في السن والإسناد، سواء كانوا من الصحابة أو التابعين أو من بعدهم، قوله: (عن أخِه) مجرور بالكسرة، وهي لغة نادرة وغير مشهورة يقال لها: لغة النقص ويليها القصر في الندرة ثم الإتمام وهو المشهور، وقد جمع بعضهم هذا فقال:
والمراد بالأخ هنا: المقارن أي المساوي لقرينه في الأخذ عن الشيوخ وكذا في السن في الغالب، وقد يُكتفى بالتساوي في السند وإن تفاوتوا في السن، (مدبج) لغة: اسم مفعول من " التَّدْبِيج " بمعنى التزيين والتدبيج مشتق من دِيباجَتي الوجه أي الخدين ، وكأن المُدَبَّج سُميَ بذلك لتساوي الراوي والمروي عنه ، كما يتساوي الخُدّان، وأول من سماه بذلك هو الإمام الدارقطني ، ولم يقيده بكونهما قرينين، واصطلاحا: أن يروي كل واحد من القرينين عن الآخر، سواء كان ذلك بواسطة أو بدونها.
مثاله بدونها في الصحابة: رواية أبي هريرة عن عائشة، ورواية عائشة عنه، كما في صحيح مسلم برقم (1118 )، وفي التابعين: رواية الزهري عن أبي الزبير ، ورواية أبي الزبير عنه ، كما في مسند البزار(230)، وفي أتباع التابعين : رواية مالك عن الأوزاعي ، ورواية الأوزاعي عنه كما في صحيح ابن حبان( 547) .
مثاله بواسطة: أن يجتمع جماعة من الأقران في حديث واحد، كرواية أحمد بن حنبل عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن يحيى بن معين ، عن علي بن المديني ، عن عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن شعبة ، عن أبي بكر بن حفص ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : (( كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعورهن حتى يكون كالوفرة )) . وأحمد والأربعة فوقه خمستهم أقران ، كما قال الخطيب.
وهناك نوع مقلوب في تدبيجه عجيب مستطرف، وهو رواية مالك عن سفيان عن عبد الملك، وروى عبد الملك أيضا عن سفيان عن مالك، فهو مدبج مقلوب، وهذا ليس من النوع الذي مضى من أقسام الضعيف.
وأما إن شارك الراوي من روى عنه في أمر من الأمور المتعلقة بالرواية كالسن والأخذ عن الشيوخ بأن روى أحد القرينين عن الآخر ولم يروي الآخر عنه فيما يعلم، فهو من باب رواية الأقران، والمدبج أخص منه، إذ كل مدبج أقران ولا عكس.
مثال رواية الأقران: رواية الأعمش عن التيمي، فهما قرينان ومع ذلك لا تعلم رواية للتيمي عن الأعمش.
وفي الصحابة وجد أربعة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، كما في حديث السائب عن حويطب عن عبد الله بن السعدي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- مرفوعا: [ما جاء من هذا المال من غير إشراف ولا سؤال فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك].
ووجد فيهم أيضا خمسة في إسناد واحد، كحديث عبد الله بن عمرو عن عثمان عن عمر عن أبي بكر عن بلال مرفوعا: [الموت كفارة لكل مسلم].
وينبغي معرفة هذا النوع لئلا يشتبه على الناظر حين يرى الإسناد فيظن أن أحدهما زائد في السند خطأ، أو يظن أن كلمة عن بين الروايتين مبدلة من واو العطف غلطا.
وأما إن روى الراوي عمن هو دونه سنا، أو عمن في مرتبة تلاميذه الآخذين عنه فرواية الأكابر عن الأصاغر، كرواية الزهري عن مالك، والأصل فيه رواية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الداري حديث الجساسة, وهو في مسلم برقم (7573 ) ، ومنه رواية الصحابة عن التابعين : كرواية العَبَادِلة وغيرهم عن كعب الأحبار، ورواية الآباء عن الأبناء: وهي أن يوجد في سند الحديث أَبٌ يروي الحديث عن ابنه، ثم قال: (فاعرفه) أي أعلمه علما (حقا) أي ثابتا (وانتخه) معطوف على فاعرفه، أي افتخر بمعرفته، وانتخى من النخوة وهي الإفتخار والعظمة كما في المختار

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه الأمجاد، والحمد لله الذي هدى من شاء من عباده إلى سلوك صراطه المستقيم، واتباع شرعه القويم، والبعد عن أسباب سخطه العظيم.