سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الثاني عشر)
صفحة 1 من اصل 1
سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الثاني عشر)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، أفضل الأنبياء والمرسلين، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الخبير.أما بعد:
في الدرس الماضي شرحنا الحديث الموقوف، والحديث المرسل، والحديث الغريب، وفي هذا الدرس قد قمنا بتوفيق من الله، بشرح الحديث المنقطع، والحديث المعضل، والحديث المدلَّس، قال الناظم (رحمه الله):
وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحَــالِ ... إسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الأوْصَـالِ
وَالْمُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... وَمَا أَتَى مُدَلَّسًا نَوْعَــانِ
الأَوَّلُ الإسْـقَاطُ لِلشَّيْخِ وَأَنْ ... يَنْقُلَ عَمَّنْ فَوْقَهُ بِعَنْ وَأَنْ
وَالثَّانِ لا يُسْقِطُهُ لَكِنْ يَصِفْ ... أَوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لا يَنْعَرِفْ
قوله: (وكل ما) أي وكل حديث (لم يتصل بحال) من الأحوال (إسناده) فاعل يتصل أي سنده (منقطع) وهو لغة اسم فاعل، من انقطع ينقطع انقطاعا، ضد الإتصال، وهو خبر المبتدأ الذي هو كل (الأوصال) هي المفاصل كما في المختار، قال الحموي: ولفظة (الأوصال) حشو ذكره تتميما للبيت اهـ .
وهذا الذي عرف به الناظم الحديث المنقطع تعريف عام كان يستعمله المتقدمون في الغالب، وهو يشمل المعلق، والمعضل، والمرسل، ويشمل المنقطع على تعريف المتأخرين، كالحافظين ابن حجر والعراقي، قالوا: ما حذف من أثناء سنده راوٍ واحد فقط أو أكثر غير متواليين، فخرج بقولهم {من أثناء سنده} ما حذف من أوله وهو المعلق، وما حذف من آخره وهو المرسل، وبقولهم {غير متواليين} المعضل.
ثم انه قد يكون الانقطاع في مكان واحد من الإسناد، وقد يكون في أكثر من مكان واحد، كأن يكون الانقطاع في مكانين أو ثلاثة مثلاً، وقد يَكُون الانقطاع ظاهرًا, وقد يخفَى فلا يُدْركُه إلاَّ أهل المعرفة, وقد يُعرف بِمَجيئه من وجه آخر بزيادة رَجُل أو أكْثر. "
مثاله:" ما روي في المستدرك للحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا أحمد بن سلمة، ومحمد بن شاذان قالا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن رافع، قالا : حدثنا عبد الرزاق، حدثنا النعمان بن أبي شيبة، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا، راغب في الآخرة، وفي جسمه ضعف، وإن وليتموها عمر فقوي أمين، لا يخاف في الله لومة لائم، وإن وليتموها عليا فهاد مهتد، يقيمكم على صراط مستقيم ".
فقد سقط من هذا الإسناد رجل من وسطه وهو " شريك " سقط من بين الثوري
وأبي إسحاق،إذ أن الثوري لم يسمع الحديث من أبي اسحاق مباشرة وإنما سمعه من شريك،وشريك سمعه من أبي اسحاق.
حكمه: المنقطع ضعيف بالإتفاق بين العلماء، وذلك للجهل بحال الراوي المحذوف .
ثم قال: (والمعضل) لغة: اسم مفعول من الإعضال، يقال أعضل الأمر، اشتد واستغلق، و" أعضله " بمعنى أعياه، واصطلاحا: عرفه المؤلف بقوله: (الساقط) أي الحديث الذي سقط (منه) أي من سنده (اثنان) أو أكثر على التوالي، وهذا الشطر موجود في ألفية العراقي بزيادة {فصاعدا}، فلعله أخذه منها، ويقال لمثل هذا في علم البديع: الإيداع والرفو، وهما نوع من التضمين، فيكون ضمن كلامه كلام غيره، والإيداع والرفو هو: تضمين المصراع فما دونه، وأما تضمين البيت فأكثر فاستعانة، والتضمين هو: أن يأخذ الشاعر شيئا من شعر الغير، ويضمنه كلامه، وينسبه إلى قائله إن لم يكن مشهورا .
قال الحافظ في النخبة: وبينه وبين المعلق عموم وخصوص من وجه اهـ بتصرف. فالصورة المشتركة بين المعضل والمعلق، هي حذف اثنين على التوالي من أول السند، والصورة التي يختص بها المعضل، هي حذف اثنين على التوالي من وسط السند، والصورة التي يختص بها المعلق، هي حذف كل السند، أو كله باستثناء الصحابي، أوكله باستثناء الصحابي والتابعي معا.
من المعضل قسم ثان لم يذكره الناظم وإنما ذكره النووي في التقريب حيث قال:وإذاروى تابع التابعي عن التابعي حديثاً وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل، أفاده المحقق ، قال في التدريب نقلًا عن الحافظ أن
شرط ما ذكره أمران :
أحدهما أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فإن لم يكن فمرسل.
الثاني : أن يروي مسنداً من طريق ذلك الذي وقف عليه، فإن لم يكن، فموقوف لا معضل، لاحتمال أنه قاله من طريق عنده فلم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين اهـ ، بتغيير يسير. وهذا الرأي للحاكم رحمه الله نقله عنه ابن الصلاح.
مثاله حديث الأعمش عن الشعبي :
"يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه "
الحديث أعضله الأعمش، وهو عند الشعبي متصل مسند، أخرجه مسلم في
صحيحه، وساقه من حديث فضيل بن عمرو، عن الشعبي، عن أنس، قال كنا
عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث ، قال ابن الصلاح: وهذا جيد حسن، لأن الانقطاع بواحد مضموماً إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين، النبي - صلى الله عليه وسلم – والصحابي، وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى اهـ.
ثم قال: (وما) أي الحديث الذي (أتى) حال كونه (مدلسا) وهو لغة: اسم مفعول من " التدليس " وهو كِتْمان عَيْبِ السلعة عن المشتري، وأصل التدليس مشتق من " الدَّلس " وهو الظلمة أو اختلاط الظلام كما في القاموس، فكأن المدلَّس لتغطيته على الواقف على الحديث أظلم أمره فصار الحديث مُدلَّسا.
واصطلاحا: ما أخفى الراوي فيه عيبا في الإسناد وحسن ظاهره بصغة موهمة اهـ. قوله: (نوعان) خبر ما الموصولة بمعنى الذي، أي قسمان: 1- تدليس الإسناد، 2- تدليس الشيوخ، ومنهم من جعله ثلاثة أقسام بزيادة تدليس التسوية، لكن في الحقيقة هذا نوع من أنواع تدليس الإسناد، لأنه داخل في حده، ثم أشار إلى القسم الأول بقوله: (الأول) وهو تدليس الإسناد، وعرفه اصطلاحا بقوله: (الإسقاط) أي هو إسقاط المدلِّس - بكسر اللام – (للشيخ) الذي حدثه أو سمع منه الحديث لسبب من الأسباب وهي كثيرة، كالضعف أو الصغر ونحوها، (وأن ينقل عمن فوقه) كشيخ شيخه أو من فوقه ممن عرف له منه سماع بصيغة توهم الإتصال، وإلا كان كذاباً إذا كان بصيغة تقتضي الإتصال، كحدثنا وسمعت... وأشار المؤلف بقوله: (بعن وأن) إلى بعض الصيغ المحتملة للإتصال كما تقدم في باب الحديث المعنعن.
هذا هو التحقيق في تعريف تدليس الإسناد، فخرج بقولنا: ممن عرف له منه سماع، المرسل الخفي، وإيضاح ذلك، أن كلا من المدلس – بكسر اللام – والمرسل – بكسر السين – إرسالا خفيا، يروي عن شيخٍ شيئا لم يسمعه منه بصيغة توهم السماع وغيره، غير أن المدلِّس سمع من ذلك الشيخ أحاديث أخرى غير التي دلس فيها، وأما المرسِل إرسالا خفيا، لم يسمع من ذلك الشيخ شيئا، لا الأحاديث التي أرسلها ولا غيرها، لكنه عاصره أو لقيه، ، وأما من أدخل في تعريف تدليس الإسناد المعاصرة واللقي، فيلزمه من ذلك دخول المرسل الخفي في تعريفه.
وتدليس الإسناد قسم تحته أنواع:
منها تدليس التسوية: وهو أن يروي المدلِّس حديثا سمعه من شيخه، ثم يسقط ضعيفا بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، وهو منقطع خاص، لأن الساقط منه ضعيف، بخلاف المنقطع، فلا يشترط كون الساقط منه ضعيفا، ويسمى عند القدماء تجويدا، يقولون جوده فلان، أي ذكر من فيه من الأجواد، وحذف غيرهم، وممن اشتهر بهذا التدليس، الوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد، قال أبو مسهر: أحاديث بقية ليست نقية، فكن منها على تقية.
ومنها تدليس العطف: وهو أن يصرح المدلِّس بالتحديث عن شيخ له ويعطف عليه شيخا آخر له لم يسمع منه ذلك المروي.
مثاله: ما فعلَ هُشَيم, فيما نقلَ الحاكم والخَطِيب: أنَّ أصْحَابه قالُوا له: نُريد أن تُحدِّثنا اليوم شيئًا لا يَكُون فيه تدليس, فقال: خذوا, ثمَّ أملى عليهم مَجْلسًا يقول في كلِّ حديث منه: حدَّثنا فُلان وفلان, ثمَّ يَسُوق السَّند والمتن, فلمَّا فرغ قال: هل دلستُ لكم اليوم شيئا؟ قالوا: لا, قال: بلى, كل ما قلت فيه: وفلان فإنِّي لم أسمعهُ منه.
ومنها تدليس القطع: وهو أن يسقط المدلِّس أداة الرواية مقتصرا على اسم الشيخ، أو يأتي بها ثم يسكت ناويا القطع.
مثاله: ما أخرجه الحاكم، بسنده إلى على بن حَشْرَم قال: " قال لنا ابن عيينة : عن الزهري ـ فقيل له: سمعته من الزهري ؟ فقال : لا، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عن عبد الرزاق عن مَعْمَر عن الزهري " فهذا المثال لمن أسقط أداة الرواية واقتصر على اسم الشيخ، وأما مثال من أتى بأداة الرواية ثم سكت ناويا القطع، فكما روى ابن عدي، عن معمر الطنافسي، أنه كان يقول: حدثنا، ثم يسكت وينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة – رضي الله عنها ... اهـ.
ثم أشار إلى القسم الثاني بقوله: (والثاني) وهو تدليس الشيوخ، وعرفه اصطلاحا بقوله: (لا يسقطه) أي أن المدلس لا يحذف الشيخ الذي حدثه بذلك الحديث (لكن يصف) بسكون الفاء للضرورة (أوصافه) نعوته (بما به لا ينعرف) أي بما لا يعرف به من اسم، أو كنية، أو لقب، أو نسبة، أو صنعة، أو حرفة، ونحو ذلك، كي لا يعرف لسبب من الأسباب كما تقدم.
مثاله: قول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء : حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله ، يريد به : عبد الله بن أبي داود السجستاني، قال شيخ الإسلام: ويدخل أيضا في هذا القسم التسوية، بأن يصف شيخ شيخه بذلك، ولهذا القسم نوع آخر وهو: أن يذكر الراوي شيخه باسم، أو كنية، أو لقب، أو صفة تتفق مع اسم، أو كنية، أو لقب، أو صفة شيخ آخر مشهور، تشبيها له به، ذكره ابن السبكي في «جمع الجوامع» قال: كقولنا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, يعني الذهبي, تشبيها بالبيهقي حيث يقول ذلك, يعني به الحاكم, وكذا إبهام اللقى والرحلة, كحدثنا من وراء النهر, يوهم أنه جيحون, ويريد نهر عيسى ببغداد, أو الجيزة بمصر, وليس ذلك بجرح قطعا, لأن ذلك من المعاريض, لا من الكذب.
حكمه: بعضه أشد من بعض، وأقبحه تدليس الإسناد، ذمه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذماً له، فقال فيه أقوالا منها: "التدليس أخو الكذب " وقال: "لأن أزني أحب إلي من أن أدلس" قال ابن الصلاح: وهذا منه إفراط محمول على المبالغة في الزجر والتنفير اهـ .
وأشده وأقبحه تدليس التسوية بالخصوص، حتى إن العراقي قال:"هو قادحٌ فيمنْ تعمدَ فِعْله"، وأما تدليس الشيوخ : فكراهته أخف من تدليس الإسناد ،لأن المدلس لم يُسقط أحداً،وإنما الكراهة بسبب تضييع المروي عنه،وتوعير طريق معرفته على السامع وتختلف الحال في كراهته بحسب الغرض الحامل عليه .
الأغراض الحاملة على التدليس:
أ) الأغراض الحاملة على تدليس الشيوخ أربعة هي:
1- ضعف الشيخ أو كونه غير ثقة .
2- تأخر وفاته بحيث شاركه في السماع منه جماعة دونه.
3- صغر سنه بحيث يكون أصغر من الراوي عنه .
4- كثرة الرواية عنه، فلا يحب الإكثار من ذكر اسمه على صورة واحدة.
ب) الأغراض الحاملة على تدليس الإسناد خمسة وهي:
1- توهيم علو الإسناد .
2- فوات شيء من الحديث عن شيخ سمع منه الكثير .
3- 4- 5 ـ الأغراض الثلاثة الأولى المذكورة في تدليس الشيوخ.
8- أسباب ذم المدلس ثلاثة وهي:
أ) إيهامه السماع ممن لم يسمع عنه .
ب) عدوله عن الكشف إلى الاحتمال .
ج) علمه بأنه لو ذكر الذي دلس عنه لم يكن مرضيا.
حكم رواية المدلس :
اختلف العلماء في قبول رواية المدلس على أقوال، أشهرها قولان.
1- رد رواية المدلس مطلقا وإن بين السماع، لأن التدليس نفسه جرح. ( وهذا غير معتمد ).
2- التفصيل: ( وهو المعتمد ) إن صرح بالسماع قبلت روايته ، أي إن قال " سمعت" أو نحوها قبل حديثه ، وان لم يصرح بالسماع لم تقبل روايته، أي إن قال " عن " ونحوها لم يقبل حديثه.
بم يعرف التدليس ؟
يعرف التدليس بأحد أمرين :
إخبار المدلس نفسه إذا سئل مثلا ، كما جرى لابن عيينة .
نص إمام من أئمة هذا الشأن، بناء على معرفته ذلك من البحث والتتبع .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه الأمجاد، والحمد لله الذي هدى من شاء من عباده إلى سلوك صراطه المستقيم، واتباع شرعه القويم، والبعد عن أسباب سخطه العظيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، أفضل الأنبياء والمرسلين، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الخبير.أما بعد:
في الدرس الماضي شرحنا الحديث الموقوف، والحديث المرسل، والحديث الغريب، وفي هذا الدرس قد قمنا بتوفيق من الله، بشرح الحديث المنقطع، والحديث المعضل، والحديث المدلَّس، قال الناظم (رحمه الله):
وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحَــالِ ... إسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الأوْصَـالِ
وَالْمُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... وَمَا أَتَى مُدَلَّسًا نَوْعَــانِ
الأَوَّلُ الإسْـقَاطُ لِلشَّيْخِ وَأَنْ ... يَنْقُلَ عَمَّنْ فَوْقَهُ بِعَنْ وَأَنْ
وَالثَّانِ لا يُسْقِطُهُ لَكِنْ يَصِفْ ... أَوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لا يَنْعَرِفْ
قوله: (وكل ما) أي وكل حديث (لم يتصل بحال) من الأحوال (إسناده) فاعل يتصل أي سنده (منقطع) وهو لغة اسم فاعل، من انقطع ينقطع انقطاعا، ضد الإتصال، وهو خبر المبتدأ الذي هو كل (الأوصال) هي المفاصل كما في المختار، قال الحموي: ولفظة (الأوصال) حشو ذكره تتميما للبيت اهـ .
وهذا الذي عرف به الناظم الحديث المنقطع تعريف عام كان يستعمله المتقدمون في الغالب، وهو يشمل المعلق، والمعضل، والمرسل، ويشمل المنقطع على تعريف المتأخرين، كالحافظين ابن حجر والعراقي، قالوا: ما حذف من أثناء سنده راوٍ واحد فقط أو أكثر غير متواليين، فخرج بقولهم {من أثناء سنده} ما حذف من أوله وهو المعلق، وما حذف من آخره وهو المرسل، وبقولهم {غير متواليين} المعضل.
ثم انه قد يكون الانقطاع في مكان واحد من الإسناد، وقد يكون في أكثر من مكان واحد، كأن يكون الانقطاع في مكانين أو ثلاثة مثلاً، وقد يَكُون الانقطاع ظاهرًا, وقد يخفَى فلا يُدْركُه إلاَّ أهل المعرفة, وقد يُعرف بِمَجيئه من وجه آخر بزيادة رَجُل أو أكْثر. "
مثاله:" ما روي في المستدرك للحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا أحمد بن سلمة، ومحمد بن شاذان قالا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن رافع، قالا : حدثنا عبد الرزاق، حدثنا النعمان بن أبي شيبة، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا، راغب في الآخرة، وفي جسمه ضعف، وإن وليتموها عمر فقوي أمين، لا يخاف في الله لومة لائم، وإن وليتموها عليا فهاد مهتد، يقيمكم على صراط مستقيم ".
فقد سقط من هذا الإسناد رجل من وسطه وهو " شريك " سقط من بين الثوري
وأبي إسحاق،إذ أن الثوري لم يسمع الحديث من أبي اسحاق مباشرة وإنما سمعه من شريك،وشريك سمعه من أبي اسحاق.
حكمه: المنقطع ضعيف بالإتفاق بين العلماء، وذلك للجهل بحال الراوي المحذوف .
ثم قال: (والمعضل) لغة: اسم مفعول من الإعضال، يقال أعضل الأمر، اشتد واستغلق، و" أعضله " بمعنى أعياه، واصطلاحا: عرفه المؤلف بقوله: (الساقط) أي الحديث الذي سقط (منه) أي من سنده (اثنان) أو أكثر على التوالي، وهذا الشطر موجود في ألفية العراقي بزيادة {فصاعدا}، فلعله أخذه منها، ويقال لمثل هذا في علم البديع: الإيداع والرفو، وهما نوع من التضمين، فيكون ضمن كلامه كلام غيره، والإيداع والرفو هو: تضمين المصراع فما دونه، وأما تضمين البيت فأكثر فاستعانة، والتضمين هو: أن يأخذ الشاعر شيئا من شعر الغير، ويضمنه كلامه، وينسبه إلى قائله إن لم يكن مشهورا .
قال الحافظ في النخبة: وبينه وبين المعلق عموم وخصوص من وجه اهـ بتصرف. فالصورة المشتركة بين المعضل والمعلق، هي حذف اثنين على التوالي من أول السند، والصورة التي يختص بها المعضل، هي حذف اثنين على التوالي من وسط السند، والصورة التي يختص بها المعلق، هي حذف كل السند، أو كله باستثناء الصحابي، أوكله باستثناء الصحابي والتابعي معا.
من المعضل قسم ثان لم يذكره الناظم وإنما ذكره النووي في التقريب حيث قال:وإذاروى تابع التابعي عن التابعي حديثاً وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل، أفاده المحقق ، قال في التدريب نقلًا عن الحافظ أن
شرط ما ذكره أمران :
أحدهما أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فإن لم يكن فمرسل.
الثاني : أن يروي مسنداً من طريق ذلك الذي وقف عليه، فإن لم يكن، فموقوف لا معضل، لاحتمال أنه قاله من طريق عنده فلم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين اهـ ، بتغيير يسير. وهذا الرأي للحاكم رحمه الله نقله عنه ابن الصلاح.
مثاله حديث الأعمش عن الشعبي :
"يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه "
الحديث أعضله الأعمش، وهو عند الشعبي متصل مسند، أخرجه مسلم في
صحيحه، وساقه من حديث فضيل بن عمرو، عن الشعبي، عن أنس، قال كنا
عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث ، قال ابن الصلاح: وهذا جيد حسن، لأن الانقطاع بواحد مضموماً إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين، النبي - صلى الله عليه وسلم – والصحابي، وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى اهـ.
ثم قال: (وما) أي الحديث الذي (أتى) حال كونه (مدلسا) وهو لغة: اسم مفعول من " التدليس " وهو كِتْمان عَيْبِ السلعة عن المشتري، وأصل التدليس مشتق من " الدَّلس " وهو الظلمة أو اختلاط الظلام كما في القاموس، فكأن المدلَّس لتغطيته على الواقف على الحديث أظلم أمره فصار الحديث مُدلَّسا.
واصطلاحا: ما أخفى الراوي فيه عيبا في الإسناد وحسن ظاهره بصغة موهمة اهـ. قوله: (نوعان) خبر ما الموصولة بمعنى الذي، أي قسمان: 1- تدليس الإسناد، 2- تدليس الشيوخ، ومنهم من جعله ثلاثة أقسام بزيادة تدليس التسوية، لكن في الحقيقة هذا نوع من أنواع تدليس الإسناد، لأنه داخل في حده، ثم أشار إلى القسم الأول بقوله: (الأول) وهو تدليس الإسناد، وعرفه اصطلاحا بقوله: (الإسقاط) أي هو إسقاط المدلِّس - بكسر اللام – (للشيخ) الذي حدثه أو سمع منه الحديث لسبب من الأسباب وهي كثيرة، كالضعف أو الصغر ونحوها، (وأن ينقل عمن فوقه) كشيخ شيخه أو من فوقه ممن عرف له منه سماع بصيغة توهم الإتصال، وإلا كان كذاباً إذا كان بصيغة تقتضي الإتصال، كحدثنا وسمعت... وأشار المؤلف بقوله: (بعن وأن) إلى بعض الصيغ المحتملة للإتصال كما تقدم في باب الحديث المعنعن.
هذا هو التحقيق في تعريف تدليس الإسناد، فخرج بقولنا: ممن عرف له منه سماع، المرسل الخفي، وإيضاح ذلك، أن كلا من المدلس – بكسر اللام – والمرسل – بكسر السين – إرسالا خفيا، يروي عن شيخٍ شيئا لم يسمعه منه بصيغة توهم السماع وغيره، غير أن المدلِّس سمع من ذلك الشيخ أحاديث أخرى غير التي دلس فيها، وأما المرسِل إرسالا خفيا، لم يسمع من ذلك الشيخ شيئا، لا الأحاديث التي أرسلها ولا غيرها، لكنه عاصره أو لقيه، ، وأما من أدخل في تعريف تدليس الإسناد المعاصرة واللقي، فيلزمه من ذلك دخول المرسل الخفي في تعريفه.
وتدليس الإسناد قسم تحته أنواع:
منها تدليس التسوية: وهو أن يروي المدلِّس حديثا سمعه من شيخه، ثم يسقط ضعيفا بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، وهو منقطع خاص، لأن الساقط منه ضعيف، بخلاف المنقطع، فلا يشترط كون الساقط منه ضعيفا، ويسمى عند القدماء تجويدا، يقولون جوده فلان، أي ذكر من فيه من الأجواد، وحذف غيرهم، وممن اشتهر بهذا التدليس، الوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد، قال أبو مسهر: أحاديث بقية ليست نقية، فكن منها على تقية.
ومنها تدليس العطف: وهو أن يصرح المدلِّس بالتحديث عن شيخ له ويعطف عليه شيخا آخر له لم يسمع منه ذلك المروي.
مثاله: ما فعلَ هُشَيم, فيما نقلَ الحاكم والخَطِيب: أنَّ أصْحَابه قالُوا له: نُريد أن تُحدِّثنا اليوم شيئًا لا يَكُون فيه تدليس, فقال: خذوا, ثمَّ أملى عليهم مَجْلسًا يقول في كلِّ حديث منه: حدَّثنا فُلان وفلان, ثمَّ يَسُوق السَّند والمتن, فلمَّا فرغ قال: هل دلستُ لكم اليوم شيئا؟ قالوا: لا, قال: بلى, كل ما قلت فيه: وفلان فإنِّي لم أسمعهُ منه.
ومنها تدليس القطع: وهو أن يسقط المدلِّس أداة الرواية مقتصرا على اسم الشيخ، أو يأتي بها ثم يسكت ناويا القطع.
مثاله: ما أخرجه الحاكم، بسنده إلى على بن حَشْرَم قال: " قال لنا ابن عيينة : عن الزهري ـ فقيل له: سمعته من الزهري ؟ فقال : لا، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عن عبد الرزاق عن مَعْمَر عن الزهري " فهذا المثال لمن أسقط أداة الرواية واقتصر على اسم الشيخ، وأما مثال من أتى بأداة الرواية ثم سكت ناويا القطع، فكما روى ابن عدي، عن معمر الطنافسي، أنه كان يقول: حدثنا، ثم يسكت وينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة – رضي الله عنها ... اهـ.
ثم أشار إلى القسم الثاني بقوله: (والثاني) وهو تدليس الشيوخ، وعرفه اصطلاحا بقوله: (لا يسقطه) أي أن المدلس لا يحذف الشيخ الذي حدثه بذلك الحديث (لكن يصف) بسكون الفاء للضرورة (أوصافه) نعوته (بما به لا ينعرف) أي بما لا يعرف به من اسم، أو كنية، أو لقب، أو نسبة، أو صنعة، أو حرفة، ونحو ذلك، كي لا يعرف لسبب من الأسباب كما تقدم.
مثاله: قول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء : حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله ، يريد به : عبد الله بن أبي داود السجستاني، قال شيخ الإسلام: ويدخل أيضا في هذا القسم التسوية، بأن يصف شيخ شيخه بذلك، ولهذا القسم نوع آخر وهو: أن يذكر الراوي شيخه باسم، أو كنية، أو لقب، أو صفة تتفق مع اسم، أو كنية، أو لقب، أو صفة شيخ آخر مشهور، تشبيها له به، ذكره ابن السبكي في «جمع الجوامع» قال: كقولنا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, يعني الذهبي, تشبيها بالبيهقي حيث يقول ذلك, يعني به الحاكم, وكذا إبهام اللقى والرحلة, كحدثنا من وراء النهر, يوهم أنه جيحون, ويريد نهر عيسى ببغداد, أو الجيزة بمصر, وليس ذلك بجرح قطعا, لأن ذلك من المعاريض, لا من الكذب.
حكمه: بعضه أشد من بعض، وأقبحه تدليس الإسناد، ذمه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذماً له، فقال فيه أقوالا منها: "التدليس أخو الكذب " وقال: "لأن أزني أحب إلي من أن أدلس" قال ابن الصلاح: وهذا منه إفراط محمول على المبالغة في الزجر والتنفير اهـ .
وأشده وأقبحه تدليس التسوية بالخصوص، حتى إن العراقي قال:"هو قادحٌ فيمنْ تعمدَ فِعْله"، وأما تدليس الشيوخ : فكراهته أخف من تدليس الإسناد ،لأن المدلس لم يُسقط أحداً،وإنما الكراهة بسبب تضييع المروي عنه،وتوعير طريق معرفته على السامع وتختلف الحال في كراهته بحسب الغرض الحامل عليه .
الأغراض الحاملة على التدليس:
أ) الأغراض الحاملة على تدليس الشيوخ أربعة هي:
1- ضعف الشيخ أو كونه غير ثقة .
2- تأخر وفاته بحيث شاركه في السماع منه جماعة دونه.
3- صغر سنه بحيث يكون أصغر من الراوي عنه .
4- كثرة الرواية عنه، فلا يحب الإكثار من ذكر اسمه على صورة واحدة.
ب) الأغراض الحاملة على تدليس الإسناد خمسة وهي:
1- توهيم علو الإسناد .
2- فوات شيء من الحديث عن شيخ سمع منه الكثير .
3- 4- 5 ـ الأغراض الثلاثة الأولى المذكورة في تدليس الشيوخ.
8- أسباب ذم المدلس ثلاثة وهي:
أ) إيهامه السماع ممن لم يسمع عنه .
ب) عدوله عن الكشف إلى الاحتمال .
ج) علمه بأنه لو ذكر الذي دلس عنه لم يكن مرضيا.
حكم رواية المدلس :
اختلف العلماء في قبول رواية المدلس على أقوال، أشهرها قولان.
1- رد رواية المدلس مطلقا وإن بين السماع، لأن التدليس نفسه جرح. ( وهذا غير معتمد ).
2- التفصيل: ( وهو المعتمد ) إن صرح بالسماع قبلت روايته ، أي إن قال " سمعت" أو نحوها قبل حديثه ، وان لم يصرح بالسماع لم تقبل روايته، أي إن قال " عن " ونحوها لم يقبل حديثه.
بم يعرف التدليس ؟
يعرف التدليس بأحد أمرين :
إخبار المدلس نفسه إذا سئل مثلا ، كما جرى لابن عيينة .
نص إمام من أئمة هذا الشأن، بناء على معرفته ذلك من البحث والتتبع .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه الأمجاد، والحمد لله الذي هدى من شاء من عباده إلى سلوك صراطه المستقيم، واتباع شرعه القويم، والبعد عن أسباب سخطه العظيم.
مواضيع مماثلة
» سلسلة شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث (الدرس الثاني )
» سلسلة شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث (الدرس الثالث )
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الرابع عشر)
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الخامس عشر)
» سلسلة شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث ( الدرس الرابع )
» سلسلة شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث (الدرس الثالث )
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الرابع عشر)
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الخامس عشر)
» سلسلة شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث ( الدرس الرابع )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى