سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الثالث عشر)
صفحة 1 من اصل 1
سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الثالث عشر)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، أفضل الأنبياء والمرسلين، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الخبير.أما بعد:
في الدرس الماضي شرحنا الحديث المنقطع، والحديث المعضل، والحديث المدلَّس، وفي هذا الدرس قد قمنا بفضل الله، بشرح الحديث الشاذ، والحديث المحفوظ، والحديث المقلوب، والحديث الفرد، قال الناظم (رحمه الله):
وَمَا يُخَالِفْ ثِقَةٌ فِيْهِ الْمَلا ... فَالشَّاذُ وَالْمَقْلُوْبُ قِسْمَانِ تَـلا
إبْدَالُ رَاوٍ مـَا بِرَاوٍ قِسْمُ ... وَقَلْبُ إسْنَادٍ لِمَتْنٍ قِـسْــمُ
وَالْفَرْدُ مـَا قَيَدْتَه بِثـِقَةِ ... أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايَةِ
قوله: (وما) اسم شرط جازم، والمعنى أيّ إسناد أو متن (يخالف) فعل الشرط (ثقة) أي المقبول، وهو العدل الذي تم ضبطه أو خف (فيه) متعلق بيخالف، أي ذلك الإسناد أو المتن بزيادة أو نقص (الملا) بالإسكان للوزن أو لنية الوقف، والملأ: هم علية القوم والرؤساء والأشراف، والمراد هنا الحفاظ من أهل الحديث (فالشاذ) أي فهو الحديث الشاذ في الإصطلاح، لكن هذا إن تعذر الجمع بين ما رواه المقبول مخالفا، وبين ما رواه من هو أولى منه، إما بزيادة ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، هذا التعريف قال به الشافعي و اختاره الحافظ ابن حجر وقال: أنه المعتمد ، وإلا فهناك أقوال أخرى مرجوحة .
واعلم أن هذا التعريف بحسب الإصطلاح، أما الشاذ في اللغة فهو: اسم "فاعل" من "شذ" "يشُذ" و"يشِذ" بضم الشين المعجمة وكسرها "شذوذا"ً إذا انفرد.
ويقع الشذوذ في السند كما يقع في المتن أيضا.
- مثال وقوعه في السند: ما رواه أبو داود، والسنن الكبرى للبيهقي، والترمذى، كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس : أن رجلا توفى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - :« انظروا هل له وارث ». فقالوا : لا، إلا غلاما كان له فأعتقه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :« ادفعوا إليه ميراثه ». " وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره،وخالفهما حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار مرسلا، قال شيخ الإسلام ( الحافظ ابن حجر ): فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط, ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه.
- مثال وقوعه في المتن: زيادة يوم عرفة في حديث :"أيام التشريق أيام أكل وشرب" فإن الحديث من جميع طرقه بدونها، وإنما جاء بها موسى بن عُلَيّ بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، كما أشار إليه ابن عبد البر، قال الأثرم : والأحاديث إذا كثرت كانت أثبت من الواحد الشَّاذ، وقد يهم الحافظ أحياناً على أنه قد صحح حديثَ موسى هذا ابنُ خزيمة، وابنُ حبان، والحاكمُ، وقال : إنه على شرط مسلم ، وقال الترمذي : إنه حسن صحيح، وكان ذلك لأنها زيادة ثقة غير منافية لإمكان حملها على حاضري عرفة. من كلام السخاوي.
هذا ويقابل الشاذ " المحفوظ " وهولغة: اسم مفعول، من الحِفظ، قال ابن سيده: الحِفْظ نقيض النِّسْيان وهو التعاهُد وقلَّة الغفلة.
واصطلاحا: ما رواه الأوثق مخالفا لرواية الثقة .
ومثاله : هو المثالان المذكوران في نوع الشاذ .
وأما حكم الشاذ والمحفوظ: فالشاذ مردود لا يحتج به، وقد تقدم أن من الشرط الصحيح عدم الشذوذ في قول الناظم: (ولم يُشذ)، وأما المحفوظ الذي يقابله، فإنه يحتج به، ولكن إذا أمكن الجمع بينهما فلا شذوذ حينئذ ويحتج بهما، وإذا تفرد العدل الضابط بالحديث بدون مخالفة من هو أرجح منه فهذا مقبول.
ثم قال: (والمقلوب) و هو لغة: اسم مفعول من " القلب " وهو تحويل الشيء عن وجهه.
واصطلاحا: إبدال لفظ بآخر في سند الحديث أو متنه،بتقديم أو تأخير ونحوذلك.
وهو ثلاثة أقسام، ذكر المؤلف قسمين منه فقال: (قسمان) أحدهما: مقلوب السند فقط، ثانيهما: مقلوب السند والمتن معا، قوله (تلا) أي تبع الحديث المقلوب، الحديث الشاذ في الذكر بهذا النظم، ثم أشار إلى القسم الأول بقوله: (إبدال) أي تعويض (راو) مشهور به الحديث (ما) نكرة موصوف بها أو زائدة للتوكيد، وعلى الأول فالمعنى: بأيّ راو كان، وذلك كإبدال سالم الذي اشتهر به الحديث (براو) آخر نظيره في الطبقة لم يشتهر به ذلك الحديث، كنافع مثلا، فيُجعل نافع مكان سالم ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه، وممن كان يفعل ذلك من الرواة " حماد بن عمرو النصيبي " و مثاله هذا : حديث حماد بن عمرو النصيبي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدءوهم بالسلام، واضطروهم إلى أضيقها". فهذا حديث مقلوب ، قلبه حماد ، فجعله عن الأعمش ، وإنما هو معروف عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم – "الحديث ..." وهذا النوع من القلب هو الذي يطلق على راويه أنه يسرق الحديث . وقوله (قسم) أي أول، وهناك صورة أخرى لهذا القسم لم يذكرها المؤلف وهي: أن يقدم الراوي ويؤخر اسم أحد الرواة واسم أبيه، كحديث مروي عن كعب بن مرة، فيرويه الراوي عن مرة بن كعب، فهذه صورتان لمقلوب السند، ثم أشار إلى القسم الثاني بقوله: (وقلب) أي تحويل (إسناد) أي سند متن (لمتن) اللام بمعنى إلى، أي إلى متن آخر غير متن الأول، والمعنى: أن الراوي يؤخذ سند حديث بكامله فيركبه لحديث آخر، ويؤخذ سند هذا الآخر فيركبه للأول، وهذا يكون بقصد الإمتحان وغيره كما في القصة المشهورة عن البخاري لما دخل بغداد فقلبوا له امتحانا سند ومتن مئة حديث، فرد كل سند إلى متنه وكل متن إلى سنده، فأقروا له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل .
وأما القسم الثالث الذي لم يذكره المؤلف، فهوالمقلوب المتن، وهو: ما وقع الإبدال في متنه، وذلك بأن يقدم الراوي ويؤخر في بعض متن الحديث،
مثاله: حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه ففيه: "ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله". فإنه مما انقلب على أحد الرواة ، وإنما هو: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" كما في الصَّحِيحين، قاله الحافظ، وله أمثله كثيرة.
وجملة الأسباب الحاملة على القلب في الحديث ثلاثة:
1- قصد الإغراب، ليرغب الناس في رواية حديثه والأخذ عنه .
2- قصد الإمتحان والتأكد من حفظ المحدث وتمام ضبطه .
3- الوقوع في خطأ أوسهو أوغلط أو وهم ونحو ذلك من غير قصد .
فإن كان القلب بقصد الإغراب، فلا شك في أنه لا يجوز، لأن فيه تغييرا للحديث، وهذا من عمل الوضاعين، وإن كان بقصد الإمتحان، فهو جائز للتثبت من حفظ المحدث وأهليته، وهذا بشرط أن يبين الصحيح قبل انفضاض المجلس، وإن كان عن خطأ أوسهو ونحو ذلك، فلا شك أن فاعله معذور في خطئه، لكن إذا كثر منه ذلك، فإنه يخل بضبطه ويجعله ضعيفا .
وحكم الحديث المقلوب: أنه غالبا ما يكون مردودا، وهو من أنواع الضعيف، ولكن إذا رد إلى أصل ثابت فالعمل على ذلك الأصل.
ثم قال: (والفرد) جمع أفراد، وهو لغة ما لا نظير له ولا ثاني له، واصطلاحا: كالحديث الغريب، وقد تقدم أنهما مترادفان، وأنهما ينقسمان إلى قسمين: مطلق ونسبي، وكذلك مر تعريف الغريب أوالفرد المطلق والنسبي، والذي بقي هو الكلام على أنواع الغريب أوالفرد النسبي، وإلى هذا أشار الناظم بقوله: (ما) أي الحديث الذي (قيدته بثقة) كقولهم لم يرو هذا الحديث من الثقات إلا ضمرة، وأما الضعفاء فلا تعتبر روايتهم وإن كانوا رووه من طريق آخر، (أو) قيدته (بجمع) والمراد: أهل بلد، أو قرية، أو قبيلة، وما أشبه ذلك، كقولهم: تفرد بهذا الحديث أهل البصرة، أي محدثوها جميعهم، فإن قالوا: تفرد به أهل البصرة وأرادوا واحدا منهم تجوزا بإطلاق الكل وإرادة الجزء، فهو من القسم الأول، وهو الفرد المطلق، (أوقصر) أي حصر (على رواية) كقولهم: لم يروه عن فلان إلا فلان، أي بهذا المعنى، وإلا فهو مشهور من طرق أخرى، فالإنفراد واقع بالنسبة إلى تلك الرواية فقط، أما غيرها فهي مشهورة، وأما حكمه: فكذلك سبق في مبحث الحديث الغريب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه الأمجاد، والحمد لله الذي هدى من شاء من عباده إلى سلوك صراطه المستقيم، واتباع شرعه القويم، والبعد عن أسباب سخطه العظيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، أفضل الأنبياء والمرسلين، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الخبير.أما بعد:
في الدرس الماضي شرحنا الحديث المنقطع، والحديث المعضل، والحديث المدلَّس، وفي هذا الدرس قد قمنا بفضل الله، بشرح الحديث الشاذ، والحديث المحفوظ، والحديث المقلوب، والحديث الفرد، قال الناظم (رحمه الله):
وَمَا يُخَالِفْ ثِقَةٌ فِيْهِ الْمَلا ... فَالشَّاذُ وَالْمَقْلُوْبُ قِسْمَانِ تَـلا
إبْدَالُ رَاوٍ مـَا بِرَاوٍ قِسْمُ ... وَقَلْبُ إسْنَادٍ لِمَتْنٍ قِـسْــمُ
وَالْفَرْدُ مـَا قَيَدْتَه بِثـِقَةِ ... أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايَةِ
قوله: (وما) اسم شرط جازم، والمعنى أيّ إسناد أو متن (يخالف) فعل الشرط (ثقة) أي المقبول، وهو العدل الذي تم ضبطه أو خف (فيه) متعلق بيخالف، أي ذلك الإسناد أو المتن بزيادة أو نقص (الملا) بالإسكان للوزن أو لنية الوقف، والملأ: هم علية القوم والرؤساء والأشراف، والمراد هنا الحفاظ من أهل الحديث (فالشاذ) أي فهو الحديث الشاذ في الإصطلاح، لكن هذا إن تعذر الجمع بين ما رواه المقبول مخالفا، وبين ما رواه من هو أولى منه، إما بزيادة ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، هذا التعريف قال به الشافعي و اختاره الحافظ ابن حجر وقال: أنه المعتمد ، وإلا فهناك أقوال أخرى مرجوحة .
واعلم أن هذا التعريف بحسب الإصطلاح، أما الشاذ في اللغة فهو: اسم "فاعل" من "شذ" "يشُذ" و"يشِذ" بضم الشين المعجمة وكسرها "شذوذا"ً إذا انفرد.
ويقع الشذوذ في السند كما يقع في المتن أيضا.
- مثال وقوعه في السند: ما رواه أبو داود، والسنن الكبرى للبيهقي، والترمذى، كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس : أن رجلا توفى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - :« انظروا هل له وارث ». فقالوا : لا، إلا غلاما كان له فأعتقه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :« ادفعوا إليه ميراثه ». " وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره،وخالفهما حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار مرسلا، قال شيخ الإسلام ( الحافظ ابن حجر ): فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط, ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه.
- مثال وقوعه في المتن: زيادة يوم عرفة في حديث :"أيام التشريق أيام أكل وشرب" فإن الحديث من جميع طرقه بدونها، وإنما جاء بها موسى بن عُلَيّ بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، كما أشار إليه ابن عبد البر، قال الأثرم : والأحاديث إذا كثرت كانت أثبت من الواحد الشَّاذ، وقد يهم الحافظ أحياناً على أنه قد صحح حديثَ موسى هذا ابنُ خزيمة، وابنُ حبان، والحاكمُ، وقال : إنه على شرط مسلم ، وقال الترمذي : إنه حسن صحيح، وكان ذلك لأنها زيادة ثقة غير منافية لإمكان حملها على حاضري عرفة. من كلام السخاوي.
هذا ويقابل الشاذ " المحفوظ " وهولغة: اسم مفعول، من الحِفظ، قال ابن سيده: الحِفْظ نقيض النِّسْيان وهو التعاهُد وقلَّة الغفلة.
واصطلاحا: ما رواه الأوثق مخالفا لرواية الثقة .
ومثاله : هو المثالان المذكوران في نوع الشاذ .
وأما حكم الشاذ والمحفوظ: فالشاذ مردود لا يحتج به، وقد تقدم أن من الشرط الصحيح عدم الشذوذ في قول الناظم: (ولم يُشذ)، وأما المحفوظ الذي يقابله، فإنه يحتج به، ولكن إذا أمكن الجمع بينهما فلا شذوذ حينئذ ويحتج بهما، وإذا تفرد العدل الضابط بالحديث بدون مخالفة من هو أرجح منه فهذا مقبول.
ثم قال: (والمقلوب) و هو لغة: اسم مفعول من " القلب " وهو تحويل الشيء عن وجهه.
واصطلاحا: إبدال لفظ بآخر في سند الحديث أو متنه،بتقديم أو تأخير ونحوذلك.
وهو ثلاثة أقسام، ذكر المؤلف قسمين منه فقال: (قسمان) أحدهما: مقلوب السند فقط، ثانيهما: مقلوب السند والمتن معا، قوله (تلا) أي تبع الحديث المقلوب، الحديث الشاذ في الذكر بهذا النظم، ثم أشار إلى القسم الأول بقوله: (إبدال) أي تعويض (راو) مشهور به الحديث (ما) نكرة موصوف بها أو زائدة للتوكيد، وعلى الأول فالمعنى: بأيّ راو كان، وذلك كإبدال سالم الذي اشتهر به الحديث (براو) آخر نظيره في الطبقة لم يشتهر به ذلك الحديث، كنافع مثلا، فيُجعل نافع مكان سالم ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه، وممن كان يفعل ذلك من الرواة " حماد بن عمرو النصيبي " و مثاله هذا : حديث حماد بن عمرو النصيبي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدءوهم بالسلام، واضطروهم إلى أضيقها". فهذا حديث مقلوب ، قلبه حماد ، فجعله عن الأعمش ، وإنما هو معروف عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم – "الحديث ..." وهذا النوع من القلب هو الذي يطلق على راويه أنه يسرق الحديث . وقوله (قسم) أي أول، وهناك صورة أخرى لهذا القسم لم يذكرها المؤلف وهي: أن يقدم الراوي ويؤخر اسم أحد الرواة واسم أبيه، كحديث مروي عن كعب بن مرة، فيرويه الراوي عن مرة بن كعب، فهذه صورتان لمقلوب السند، ثم أشار إلى القسم الثاني بقوله: (وقلب) أي تحويل (إسناد) أي سند متن (لمتن) اللام بمعنى إلى، أي إلى متن آخر غير متن الأول، والمعنى: أن الراوي يؤخذ سند حديث بكامله فيركبه لحديث آخر، ويؤخذ سند هذا الآخر فيركبه للأول، وهذا يكون بقصد الإمتحان وغيره كما في القصة المشهورة عن البخاري لما دخل بغداد فقلبوا له امتحانا سند ومتن مئة حديث، فرد كل سند إلى متنه وكل متن إلى سنده، فأقروا له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل .
وأما القسم الثالث الذي لم يذكره المؤلف، فهوالمقلوب المتن، وهو: ما وقع الإبدال في متنه، وذلك بأن يقدم الراوي ويؤخر في بعض متن الحديث،
مثاله: حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه ففيه: "ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله". فإنه مما انقلب على أحد الرواة ، وإنما هو: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" كما في الصَّحِيحين، قاله الحافظ، وله أمثله كثيرة.
وجملة الأسباب الحاملة على القلب في الحديث ثلاثة:
1- قصد الإغراب، ليرغب الناس في رواية حديثه والأخذ عنه .
2- قصد الإمتحان والتأكد من حفظ المحدث وتمام ضبطه .
3- الوقوع في خطأ أوسهو أوغلط أو وهم ونحو ذلك من غير قصد .
فإن كان القلب بقصد الإغراب، فلا شك في أنه لا يجوز، لأن فيه تغييرا للحديث، وهذا من عمل الوضاعين، وإن كان بقصد الإمتحان، فهو جائز للتثبت من حفظ المحدث وأهليته، وهذا بشرط أن يبين الصحيح قبل انفضاض المجلس، وإن كان عن خطأ أوسهو ونحو ذلك، فلا شك أن فاعله معذور في خطئه، لكن إذا كثر منه ذلك، فإنه يخل بضبطه ويجعله ضعيفا .
وحكم الحديث المقلوب: أنه غالبا ما يكون مردودا، وهو من أنواع الضعيف، ولكن إذا رد إلى أصل ثابت فالعمل على ذلك الأصل.
ثم قال: (والفرد) جمع أفراد، وهو لغة ما لا نظير له ولا ثاني له، واصطلاحا: كالحديث الغريب، وقد تقدم أنهما مترادفان، وأنهما ينقسمان إلى قسمين: مطلق ونسبي، وكذلك مر تعريف الغريب أوالفرد المطلق والنسبي، والذي بقي هو الكلام على أنواع الغريب أوالفرد النسبي، وإلى هذا أشار الناظم بقوله: (ما) أي الحديث الذي (قيدته بثقة) كقولهم لم يرو هذا الحديث من الثقات إلا ضمرة، وأما الضعفاء فلا تعتبر روايتهم وإن كانوا رووه من طريق آخر، (أو) قيدته (بجمع) والمراد: أهل بلد، أو قرية، أو قبيلة، وما أشبه ذلك، كقولهم: تفرد بهذا الحديث أهل البصرة، أي محدثوها جميعهم، فإن قالوا: تفرد به أهل البصرة وأرادوا واحدا منهم تجوزا بإطلاق الكل وإرادة الجزء، فهو من القسم الأول، وهو الفرد المطلق، (أوقصر) أي حصر (على رواية) كقولهم: لم يروه عن فلان إلا فلان، أي بهذا المعنى، وإلا فهو مشهور من طرق أخرى، فالإنفراد واقع بالنسبة إلى تلك الرواية فقط، أما غيرها فهي مشهورة، وأما حكمه: فكذلك سبق في مبحث الحديث الغريب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه الأمجاد، والحمد لله الذي هدى من شاء من عباده إلى سلوك صراطه المستقيم، واتباع شرعه القويم، والبعد عن أسباب سخطه العظيم.
مواضيع مماثلة
» سلسلة شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث (الدرس الثالث )
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس التاسع )
» سلسلة شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث ( الدرس السادس )
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس العاشر )
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الحادي عشر)
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس التاسع )
» سلسلة شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث ( الدرس السادس )
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس العاشر )
» سلسلة شرح (المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث ( الدرس الحادي عشر)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى