شرح المنظومة (الرسموكية) في علم الفرائض (الدرس الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ، أما بعد :
فهذا شرح مختصر في علم الفرائض، على المنظومة (الرسموكية )المشهورة عند غالب الطلبة في سوس،للشيخ أحمد بن سليمان الرسموكي رحمه الله،وقد اعتنى بها جل فقهاء المدارس العتيقة السوسية ،حتى إنه يندر أو ينعدم خلو مدرسة في سوس من تدريسها في شهر رمضان،وقد تضلع علماء أهل سوس في هذا العلم تضلعا بينا ،ومما يدل على ذلك أنك تجد العامي منهم يجادل الطالب ويناقشه.
وعلم الفرائض علم جليل في مغزاه محكم في مسائله ،وكفى به شرفا أن الله تولى تفصيله في كتابه تفصيلا، في ثلاث آيات بينات ،ولم يفصل غيره من الفرائض كالصلاة والزكاة وغيرهما مع أنها من أهم الفرائض بعد التوحيد ،
و الفرائض في اللغة: جمع فريضة بمعنى مفروضة، ولحقتها الهاء للنقل من المصدر إلى الاسم من الفرض بمعنى التوقيت، ومنه فمن فرض فيهن الحج ، والجزء من الشيء كالتفريض، ومن القوس موضع الوتر، وما أوجبه الله كالمفروض والقراءة والسنة يقال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سن ونوع من التمر، والجند يفترضون، والترس وعود من أعواد البيت، والعطية الموسومة وما فرضته على نفسك فوهبته، ومن الزند حيث يقدح منه، والحز الذي فيه، وقوله تعالى  سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا  جعلنا فيها فرائض الأحكام وبالتشديد أي جعلنا فيها فريضة بعد فريضة، أو فصلناها وبيناها و بمعنى التقدير ومنه فنصف ما فرضتم ويقال فرض القاضي النفقة، أي قدرها ويقال فرضت الفأرة الثوب إذا قطعته.
والفرض عند أهل الأصول :ما طلب الشارع فعله طلبا جازما
وقبل أن نبدأ في شرح المتن ،فلا بد من ذكر مبادئه العشرة المجموعة في قول أبي العرفان محمد الصبان بقوله:
إنّ مبـادِيْ كـل فـنٍ عشـره ××× الحدّ والموضـوع ثم الثمـره**
ونسبـة وفضلـه والواضــعْ ××× والْإِسم الِاستمداد حكم الشـارعْ **
مسائلٌ و البعض بالبعض اكتفى ××× و من درى الجميع حاز الشرفـا**
وبعد هذا كله ترجمة مختصرة لمؤلف المنظومة ،وذكربعض مؤلفاته.
فأما تعريفه قال العلامة الدردير :علم يعرف به من يرث ومن لا يرث ومقدار ما لكل وارث ،وهذا التعريف حسن ،لأنه يعم الفقه والحساب .
وموضوعه :التركات .
وثمرته : إيصال ذوي الحقوق حقوقهم من تركة الميت .
ونسبته إلى غيره من العلوم: أنه من العلوم الشرعية
وفضله : ما ورد من الحث والترغيب في تعلمه وتعليمه ،فمن ذلك ،
ما روى أبو داود بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ يُنْسَى وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي] أخرجه ابن ماجه .
ويُروى عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا الناسَ فإنِّي أمرؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ العِلمَ سَيُقْبضُ حتى يَخْتَلِفَ الرجلانِ في الفَريضةِ فلا يَجِدانِ مَن يَفْصِلُ بينهما] .
وروي عن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن إبراهيم قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلموا الفرائض فإنها من دينكم .
وواضعه : الله سبحانه وتعالى
واسمه : علم الفرائض ، وإنما خص بتسميته بالفرائض لوجهين:
أحدهما أن الله سماه به فقال بعد القسمة فريضة من الله والنبي صلى الله عليه وسلم سماه به، فقال [تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ] .
والثاني: أن الله تعالى ذكر الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات مجملاً، ولم يبين مقاديرها، وذكر الفرائض وبين سهامها وقدرها تقديرًا لا يحتمل الزيادة والنقصان، فخص هذا النوع بهذا الاسم لهذا المعنى .
واستمداده : من الكتاب والسنة والإجماع.
وحكمه : فرض كفاية، إذا قام به من يكفي، سقط الإثم عن الباقين.
ومسائله : ما يذكر في كل باب من أبوابه .

وأما ترجمة المؤلف ،فهو أبو العباس أحمد بن سليمان بن يعزى بن إِبراهيم بن يونس بن داود بن أبي القاسم بن الحاج محمد بن يحيي .
ولد حوالي سنة 1050 هـ ببلدة (تاغاتين) من قبيلة رسموكة ،الواقعة شرقي مدينة تزنيت ،فترعرع في بيئة ثقافية ،ووسط ديني محافظ ،أبوه عالم ،وأعمامه وبنو أعمامه كلهم علماء،يملكون خزانة غنية بالمخطوطات.
وأما حياته فقد ذاق قساوة الحياة ومرارتها،فتعرض للإِعتداء والظلم وبطش الباطشين،فبينما كان والده سليمان يلقي درسا في المسجد لطلبته ،إِذ دخل عليه رجل بغتة ،وصوب إِليه بندقيته ،وأطلق عليه رصاصة ،فسقط شهيدا (رحمه الله)
وهذا بسبب إِحنة كانت بين أسرة الفقيه ،وأسرة القاتل،ولم تقتصر عليه تلك المؤامرة ،بل تعدته إِلى داره وأفراد أسرته ،فنهبت داره وهدمت ،وما تزال أنقاضها إِلى الآن ،وتسمى خربة أيت سليمان ،وأما المترجم له ،فقد لاذ بالفرار،ولم يرجع إِلى ذلك البلد ،حتى لقي الله (عز وجل) أمازوجته ،فقد غابت عن الدار أثناء ذلك الهجوم ،فسلمها الله كما سلم أحد أبنائه (منار السعود) بتصرف يسير .
وأما شيوخه :فمنهم والده العلامة سيدي سليمان ،والحسن بن علي الأنامري السملالي،محمد بن يوسف التملي ،أبوعلي اليوسي ،أحمد بن ناصر الدرعي،عبد القادر الفاسي ،محمد بن محمد (بفتح الميم) بن عبد الله بن يعقوب السملالي،الحسن بن مسعود الهشتوكي ،قاضي ردانة ،وغيرهم من الشيوخ .
وأما تلاميذه فكثر،منهم محمد بن علي المنابهيثم المراكشي ،وأحمد العباسي السملالي ،وإِبراهيم بن محمد بن عبد الله بن يعقوب السملالي ،ومحمد بن عبد الله الأريزي ،وأبو حفص عمر بن عبد العزيز بن عبد المنعم الكرسيفي،وغيرهم .
ومن آثاره العلمية : منظومة (الجواهر المكنونة في صدف الفرائض المسنونة) في علم الفرائض ،وهي التي بين أيدينا.
إِيضاح الأسرار المصونة ،وهو شرح كبير لهذه المنظومة التي بين أيدينا.
حلية الجواهر المكنونة في صدف الفرائض المسنونة ،وهو شرح صغير لهذه المنظومة التي بين أيدينا
أرجوزة في الحساب ،ذيل بها رجز الشيخ أبي سالم إبراهيم السملالي ،عدد أبياتها مائة وعشرون بيت .
شرحه الكبير عليها المسمى :(كشف الحجاب) ،شرحه المتوسط عليها سماه:(معونة الأحباب ،على فتح أجنحة الرغائب ) ،شرحه الصغير عليها سماه : (مفتاح أجنحة الرغائب) طبع طبعة حجرية .
كفاية ذوي الألباب ،في فهم معونة الطلاب ،وهو شرح حافل ،حلى به منظومة الشيخ أبي الحسن علي بن محمد الدادسي ،المسماة : (معونة الطلاب) وهي في علم التوقيت ،وشرحه الصغير عليها سماه :(عدة الرغائب ،في حل ألفاظ معونة الطلاب) .
الفوائد المرضية في استخراج المنازل والبروج المتوهمة (بفتح الهاء المشددة)والصورية .
معونة الإخوان، على مسئلة (أولاد الأعيان)
لامية في العروض ،وشرحها المسمى (إيضاح مهمات العروض،لمن اهتم إليه بالنهوض)
رسالة تكلم فيها عن المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ،ورسالة أجاب بها عن سبب حذف النون في آيات قرءانية،وعن الفرق بين جمع عيسى وموسى ومصطفى ونظائرها ،ومجموعة أمل الإخوان ، في أجوبة أبي العباس أحمد بن سليمان،في فقه العبادات والمعاملات وغيرها ،مختارات من (مختصرطب الشيشاوي سيدي الحسين أوسيدي علي،وهناك مؤلفات أخرى قد أشار إليها المختار السوسي في سوس العالمة .
توفي (رحمه الله) يوم الإثنين فاتح رجب سنة 1133 هـ عن عمر يناهزثمانين سنة ،ودفن بباب أغمات ،وقد أشار إد إبراهيم التامري، إلى رمز وفاته بقوله :
أجاب مولاه الفتى الرسموكي *** في(الغرب)وهو مرتضى السلوك *
أفادنــا بنظمــه والشرح *** مــع تناهـي دقـة والنصـح *
وقد أثنى بعض العلماء على هذه المنظومة فقال :
يـا طالب الميراث بالتحقيـق *** وسالكا نهج ذوي التوفيــق *
عليك بالجواهـر المكنـونـة *** تبد لك الفرائض المسنونــة *
أبـدع نظمها الهمـام الأمجد *** نجل سليمان اللبيب أحمـــد *
فمبتد يرقى بهـا إلـى انتهـا *** ومنته يسمو بها إلى السهــا *
فصل مـا أجملـه الأوائــل*** بيـن مـا أبهمـه الأماثــل *
أغنى بشرحه عن الشيخ وعن *** نظم التلمساني وحوفي وحسـن *
هـذا فمـا الخبـر كالعيـان *** ولا وراء الشمـس من بيــان *
والكتب المؤلفة في هذا الموضوع كثيرة ،قديما وحديثا،غير أن الله (عز وجل) أودع سرا خاصا في عمل هذا الرجل المخلص، ولله در القائل فيه :
مات بغير ولد يدعو له *** بل علمه يرجى له قبوله *
من علمه يلفى بكل بلد *** قام له نفعا مقـام الولـد *