التصوف في الاسلام
صفحة 1 من اصل 1
التصوف في الاسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
فإن الأمة الإسلامية في هذا الوقت تعيش في صراع مؤلم بين مؤيد ومنكر، وبين من يقول هذه سنة وهذه بدعة، وبهذا الصراع تركنا المهمة الأساسية ألا وهي أن يكون المسلمون صفا واحدا كما قال المصطفى {صلى الله عليه وآله وسلم} «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
لذلك رايت ان أكتب هنا مقدمة توضح امر التصوف لعل الله ينفع بها من قرأها، وأطلب من الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا على كلمة التقوى وأن لا نكون ألعوبة في يد أعداء الإسلام فهناك أمور كثيرة يجب محاربتها فلماذا نترك هذه الأمور الواضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار ونحارب الذاكرين المحبين لله والرسول {صلى الله عليه وآله وسلم}؟؟!!.
علم التصوف:
علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال، من النوع الإنساني في مدارج سعادتهم، والأمور العارضة لهم في درجاتهم، بقدر الطاقة البشرية.
وأما التعبير عن هذه الدرجات والمقامات، كما هو حقه، فغير ممكن لأن العبارات إنما وضعت للمعاني التي وصل إليها، فهم أهل اللغات.
وأما المعاني التي لا يصل إليها إلا غائب، عن ذاته، فضلا عن قوى بدنه، فليس بممكن أن يوضع لها ألفاظ، فضلا عن أن يعبر عنها بالألفاظ.
فكما أن المعقولات لا تدرك بالأوهام، والموهومات لا تدرك بالخياليات، والتخيلات لا تدرك بالحواس، كذلك ما من شانه أن يعاين بعين اليقين، لا يمكن أن يدرك بعلم اليقين، فالواجب على من يرد ذلك، أن يجتهد في الوصول إليه بالعين، دون أن يطلبه بالبيان، فإنه طور وراء طور العقل.
ولله در القائل:
علم التصوف علم ليس يعرفه * إلا أخو فطنة بالحق معروف
وليس يعرفه من ليس يشهده * وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف.
وروي عن النبي - عليه الصلاة والسلام -: (إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعرفها إلا العلماء بالله - تعالى -، فإذا نطقوا ينكره أهل الغرة) . اخرجه أبو منصور الديلمي في المسند.
قال الإمام القشيري: اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم، سوى صحبة الرسول - عليه الصلاة والسلام -، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم: الصحابة.
ولما أدركهم أهل العصر الثاني، سمي من صحب الصحابة: (بالتابعين) .
ثم اختلف الناس، وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس، ممن لهم شدة عناية بأمر الدين: الزهاد، والعباد.
ثم ظهرت البدعة، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا: أن فيهم زهادا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله - سبحانه وتعالى -، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة، باسم: (التصوف) .
واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر: قبل المائتين من الهجرة. انتهى.
وأول من سمي بالصوفي:
أبو هاشم الصوفي.
المتوفى: سنة 150، خمسين ومائة.
وعليه فالتصوف كان في القرون المفضلة وتسمى به الزهاد والعباد من السلف الصالح الذين امرنا باتباعهم.
قال ابن خلدون في المقدمة:
الفصل السابع عشر في علم التصوّف
هذا العلم من العلوم الشّرعيّة الحادثة في الملّة وأصله أنّ طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمّة وكبارها من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم طريقة الحقّ والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدّنيا وزينتها، والزّهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذّة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عامّا في الصّحابة والسّلف. فلمّا فشا الإقبال على الدّنيا في القرن الثّاني وما بعده وجنح النّاس إلى مخالطة الدّنيا اختصّ المقبلون على العبادة باسم الصّوفيّة والمتصوّفة. ..
ثم قال:
فلمّا اختصّ هؤلاء بمذهب الزّهد والانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة اختصّوا بمآخذ مدركة لهم وذلك أنّ الإنسان بما هو إنسان إنّما يتميّز عن سائر الحيوان بالإدراك وإدراكه نوعان: إدراك للعلوم والمعارف من اليقين والظّنّ والشّكّ والوهم وإدراك للأحوال القائمة من الفرح والحزن والقبض والبسط والرّضى والغضب والصّبر والشّكر وأمثال ذلك. فالرّوح العاقل والمتصرّف في البدن تنشأ [1] من إدراكات وإرادات وأحوال وهي الّتي يميّز بها الإنسان. وبعضها ينشأ من بعض كما ينشأ العلم من الأدلّة والفرح والحزن عن إدراك المؤلم أو المتلذّذ به والنشاط عن الحمّام والكسل عن الإعياء. وكذلك المريد في مجاهدته وعبادته لا بدّ وأن ينشأ له عن كلّ مجاهدة حال نتيجة تلك المجاهدة. وتلك الحال إمّا أن تكون نوع عبادة فترسخ وتصير مقاما للمريد وإمّا أن لا تكون عبادة وإنّما تكون صفة حاصلة للنّفس من حزن أو سرور أو نشاط أو كسل أو غير ذلك من المقامات. ولا يزال المريد يترقّى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التّوحيد والمعرفة الّتي هي الغاية المطلوبة للسّعادة. قال صلّى الله عليه وسلّم «من مات يشهد أنّ لا إله إلّا الله دخل الجنّة» فالمريد لا بدّ له من التّرقّي في هذه الأطوار وأصلها كلّها الطّاعة والإخلاص ويتقدّمها الإيمان ويصاحبها، وتنشأ عنها الأحوال والصّفات نتائج وثمرات. ثمّ تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التّوحيد والعرفان. وإذا وقع تقصير في النّتيجة أو خلل فنعلم أنّه إنّما أتى من قبل التّقصير في الّذي قبله. وكذلك في الخواطر النّفسانيّة والواردات القلبيّة. فلهذا يحتاج المريد إلى محاسبة نفسه في سائر أعماله وينظر في حقائقها لأنّ حصول النّتائج عن الأعمال ضروريّ وقصورها من الخلل فيها كذلك. والمريد يجد ذلك بذوقه ويحاسب نفسه على أسبابه. ولا يشاركهم في ذلك إلّا القليل من النّاس لأنّ الغفلة عن هذا كأنّها شاملة. وغاية أهل العبادات إذا لم ينتهوا إلى هذا النّوع أنّهم يأتون بالطّاعات مخلصة من نظر الفقه في الأجزاء والامتثال. وهؤلاء يبحثون عن نتائجها بالأذواق والمواجد ليطّلعوا على أنّها خالصة من التّقصير أو لا، فظهر أنّ أصل طريقتهم كلّها محاسبة النّفس على الأفعال والتّروك والكلام في هذه الأذواق والمواجد الّتي تحصل عن المجاهدات ثمّ تستقرّ للمريد مقاما يترقّى منها إلى غيرها .
ثمّ لهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم إذ الأوضاع اللّغويّة إنّما هي للمعاني المتعارفة. فإذا عرض من المعاني ما هو غير متعارف اصطلحنا عن التّعبير عنه بلفظ يتيسّر فهمه منه. فلهذا اختصّ هؤلاء بهذا النّوع من العلم الّذي ليس لواحد غيرهم من أهل الشّريعة الكلام فيه. وصار علم الشّريعة على صنفين: صنف مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا وهي الأحكام العامّة في العبادات والعادات والمعاملات، وصنف مخصوص بالقوم في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النّفس عليها والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها وكيفيّة التّرقّي منها من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات الّتي تدور بينهم في ذلك. فلمّا كتبت العلوم ودوّنت وألّف الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والتّفسير وغير ذلك. كتب رجال من أهل هذه الطّرقة في طريقهم فمنهم من كتب في الورع ومحاسبة النّفس على الاقتداء في الأخذ والتّرك كما فعله القشيريّ في كتاب الرّسالة والسّهرورديّ في كتاب عوارف المعارف وأمثالهم. وجمع الغزاليّ رحمه الله بين الأمرين في كتاب الإحياء فدوّن فيه أحكام الورع والاقتداء ثمّ بيّن آداب القوم وسننهم وشرح اصطلاحاتهم في عباراتهم وصار علم التّصوّف في الملّة علما مدوّنا بعد أن كانت الطّريقة عبادة فقط وكانت أحكامها إنّما تتلقّى من صدور الرّجال كما وقع في سائر العلوم الّتي دوّنت بالكتاب من التّفسير والحديث والفقه والأصول وغير ذلك. ثمّ إنّ هذه المجاهدة والخلوة والذّكر يتبعها غالبا كشف حجاب الحسّ والاطّلاع على عوالم من أمر الله ليس لصاحب الحسّ إدراك شيء منها. والرّوح من تلك العوالم. وسبب هذا الكشف أنّ الرّوح إذا رجع عن الحسّ الظّاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحسّ وقويت أحوال الرّوح وغلب سلطانه وتجدّد نشؤه وأعان على ذلك الذّكر فإنّه كالغذاء لتنمية الرّوح ولا يزال في نموّ وتزيّد إلى أن يصير شهودا بعد أن كان علما، ويكشف حجاب الحسّ، ويتمّ وجود النّفس الّذي لها من ذاتها، وهو عين الإدراك. فيتعرّض حينئذ للمواهب الرّبّانيّة والعلوم اللّدنّيّة والفتح الإلهيّ وتقرب ذاته في تحقيق حقيقتها من الأفق الأعلى أفق الملائكة. وهذا الكشف كثيرا ما يعرض لأهل المجاهدة فيدركون من حقائق الوجود ما لا يدرك سواهم وكذلك يدركون كثيرا من الواقعات قبل وقوعها ويتصرّفون بهممهم وقوى نفوسهم في الموجودات السّفليّة وتصير طوع إرادتهم.
ثمّ إنّ قوما من المتأخّرين انصرفت عنايتهم إلى كشف الحجاب والكلام في المدارك الّتي وراءه واختلفت طرق الرّياضة عنهم في ذلك باختلاف تعليمهم في إماتة القوى الحسّيّة وتغذية الرّوح العاقل بالذّكر حتّى يحصل للنّفس إدراكها الّذي لها من ذاتها بتمام نشوتها وتغذيتها فإذا حصل ذلك زعموا أنّ الوجود قد انحصر في مداركها حينئذ وأنّهم كشفوا ذوات الوجود وتصوّروا حقائقها كلّها من العرش إلى الطّشّ. هكذا قال الغزاليّ رحمه الله في كتاب الإحياء بعد أن ذكر صورة الرّياضة. ثمّ إنّ هذا الكشف لا يكون صحيحا كاملا عندهم إلّا إذا كان ناشئا عن الاستقامة لأنّ الكشف قد يحصل لصاحب الجوع والخلوة وإن لم يكن هناك استقامة كالسّحرة وغيرهم من المرتاضين. وليس مرادنا إلّا الكشف النّاشئ عن الاستقامة ومثاله أنّ المرآة الصّقيلة إذا كانت محدّبة أو مقعّرة وحوذي بها جهة المرئي فإنّه يتشكّل فيه معوجّا على غير صورته. وإن كانت مسطّحة تشكّل فيها المرئيّ صحيحا. فالاستقامة للنّفس كالانبساط للمرآة فيما ينطبع فيها من الأحوال.اهـ مقدمة ابن خلدون (356/1).اهـ
إن الإسلام الحقيقي هو اتباع لما جاء به سيدنا محمد{ صلى الله عليه وآله وسلم }عن الله سبحانه وتعالى والإيمان به مع الإذعان وقد نقلت إلينا تعاليم الإسلام من النبي { صلى الله عليه وآله وسلم } عن طريق صحابته الذين أخذوا عنه الشريعة وكذلك أخذها عنهم الذين تبعوهم وسموا باسم التابعين وهم الذين صحبوا من صحب رسول الله { صلى الله عليه وآله وسلم } وقد نقلت عنهم الوراثة النبوية العلمية فأخذ عنهم أتباع التابعين ودونوا الشريعة وتفرد بعض العلماء بالتضلع في بعض العلوم، فمنهم من تخصص بالحديث النبوي الشريف وأصبح من الحفاظ، وكذلك تفرد أناس بعلوم الآلة (النحو والصرف والبلاغة).
وتفرد بعضهم بعلم التفسير وتفرد بعضهم بعلم الفقه ، وتفرد بعضهم بعلم التربية والسلوك والعمل، وقد دونت العلوم المنقولة وسميت بأسماء ومصطلحات: فسمي من اشتغل بالحديث الشريف (محدثا) ومن اشتغل بالنحو (نحويا)، ومن اشتغل بالتفسير (مفسرا)، ومن اشتغل بالفقه (فقيها)، ومن اشتغل بالتربية والسلوك في طريق الله (صوفيا).
كل هذه الأسماء لم تكن على عهد رسول الله { صلى الله عليه وآله وسلم } وما هي إلا مصطلحات لأسماء العلوم الشرعية التي أتى بها سيدنا محمد { صلى الله عليه وآله وسلم } وكل من تسمى بواحد من هذه الأسماء وغيرها لا يخرج عن تسميته مسلما، وليس كل اسم أو وصف لم يأت في القرآن الكريم أو السنة الشريفة يحرم التسمي به بل جائز شرعا فقد سمى الله سبحانه وتعالى المسلمين بأسماء عديدة (السابقين ، المقربين ، الصادقين ، الشهداء ، الصالحين ، الأولين ، الآخرين ، المخبتين.. ) فكل اسم ذكر له اشتقاق.
فالشهداء (من الاستشهاد في سبيل الله ) والمخبتين (من التواضع) والصادقين (من الصدق في أعمالهم وأقوالهم وسرائرهم مع الله ) وكذلك في مجال المهن في جميع الأزمنة والعصور (كالمهندس والطبيب والحداد والنجار.. الخ) وكل واحد منهم سمي بذلك نسبة لعمله وكذلك نسبة إلى القبائل والأوطان مثل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (القرشي المكي) وسيدنا أبي ذرك (الغفاري المكي) وسيدنا بلال (الحبشي) وسيدنا سلمان (الفارسي) وسيدنا صهيب (الرومي) وكذلك فإن اسم التصوف قد كثرت فيه الأقاويل فمنهم من قال: (من الصفاء) حتى قال أبو الفتح البستي رحمه الله تعالى :
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا ... وظنه البعض مشتقا من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى ... صفا فصوفي حتى سمي الصوفي.
ومنهم من قال: إن التصوف نسبة إلى لبس الصوف الخشن، لأن الصوفية كانوا يؤثرون لبسه للتقشف والاخشيشان، وهو شعارهم.
وقيل (من الصف): لأنهم في الصف الأول بين يدي الله عز وجل بارتفاع همهم إليه وإقبالهم عليه ووقوفهم بسرائرهم بين يديه.
ومنهم من قال (من الصفة) لأن صاحبه تابع لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف حيث قال تعالى "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم" الكهف، وهذا يستقيم معنى لا اشتقاقا وأهل الصفة هم الرعيل الأول من رجال التصوف فقد كانت حياتهم التعبدية الخالصة المثل الأعلى الذي استهدفه رجال التصوف في العصور الإسلامية المتتابعة.
ومنهم من قال: من الصوفة لأن الصوفي مع الله تعالى كالصوفة المطروحة لاستسلامه لله تعالى . وقيل غير ذلك .....
أول من حدد نظريات التصوف وشرحها هو ذو النون المصري المتوفى (245هـ) تلميذ الإمام مالك .
قال الذهبي: كان ممن امتحن وأوذى لكونه أتاهم بعلم لم يعهدوه.كان أول من تكلم بمصر في ترتيب الاحوال، وفي مقامات الأولياء، فقال الجهلة: هو زنديق.قال السلمي: لما مات أظلت الطير جنازته.وكان قد سعوا به إلى المتوكل فاستحضره من مصر، فلما دخل عليه وعظه، فبكى المتوكل ورده مكرماً؛ وكان المتوكل إذا ذكر أهل الورع بين يديه يبكي ويقول: إذا ذكر أهل الورع فحي هلا بذي النون. وكان رجلاً نحيفاً تعلوه حمرة، ليس بأبيض اللحية، وشيخه في الطريقة شقران العابد.
وقال إسحاق بن إبراهيم السرخسي بمكة: سمعت ذا النون وفي يده الغل وفي رجليه القيد وهو يساق إلى المطبق والناس يبكون حوله وهو يقول: هذا من مواهب الله تعالى ومن عطاياه، وكل فعاله عذب حسن طيب، ثم أنشد:
لك من قلبي المكان المصون ... كل لوم علي فيك يهون
لك عزم بأن أكون قتيلاً ... فيك والصبر عنك ما لا يكون.اهـ
وقال السلمي: كان أهل مصر يسمونه الزنديق، فلما أظلت الطير الخضر جنازته ترفرف عليه إلى أن وصل إلى قبره، فلما دفن غابت، فاحترم أهل مصر بعد ذلك قبره.
ثم أتى تلميذه سيدنا ومولانا الجنيد البغدادي رضي الله عنه المتوفى سنة (334هـ) شيخ الصوفية. فمهد وشرح وهذب الطريق، قال أبو نعيم: حدثنا علي بن هارون، وآخر، قالا:
سمعنا الجنيد غير مرة يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه، لا يقتدى به.
قال عبد الواحد بن علوان: سمعت الجنيد يقول: علمنا - يعني: التصوف - مشبك بحديث رسول الله.
وعن أبي العباس بن سريج: أنه تكلم يوما، فعجبوا! فقال: ببركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد.
وعن أبي القاسم الكعبي، أنه قال مرة: رأيت لكم شيخا ببغداد، يقال له: الجنيد، ما رأت عيناي مثله! كان الكتبة - يعني: البلغاء - يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه، والمتكلمون يحضرونه لزمام علمه، وكلامه بائن عن فهمهم وعلمهم.
قال الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير الجنيد.
كانت له حال خطيرة، وعلم غزير، إذا رأيت حاله، رجحته على علمه، وإذا تكلم، رجحت علمه على حاله.
أبو سهل الصعلوكي: سمعت أبا محمد المرتعش يقول:
قال الجنيد: كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين، فتكلموا في الشكر؟
فقال: يا غلام! ما الشكر؟
قلت: أن لا يعصى الله بنعمه.
فقال: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك.
قال الجنيد: فلا أزال أبكي على قوله.
وفي الاخير اقول لمن ينكر امر التصوف بعد هذا، ليس لنا معك الا ان نتمثل بقوله تعالى :
{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس: 39]
قال الامام ابن الجوزى فى زاد المسير
قيل لسفيان بن عيينة: يقول الناس: كل إِنسان عدوُّ ما جهل، فقال: هذا في كتاب الله. قيل: أين؟ فقال: { بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه }.
وقيل للحسين بن الفضل: هل تجد في القرآن: من جهل شيئاً عاداه؟ فقال: نعم، في موضعين. قوله: { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } وقوله:
{ إِذْ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إِفك قديم }.
ولله در القائل:
أتانا أن سهلا ذم جهلا ... علوما ليس يدريهن سهل
علوما لو دراها ما قلاها ... ولكن الرضا بالجهل سهل
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى