منتدى المدرسة العتيقة توبكال هلالة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تنزيه الله العديم المثال عما نسبه إليه الأنذال من صفتي السآمة والملال

اذهب الى الأسفل

تنزيه الله العديم المثال عما نسبه إليه الأنذال من صفتي السآمة والملال Empty تنزيه الله العديم المثال عما نسبه إليه الأنذال من صفتي السآمة والملال

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد الأربعاء أكتوبر 31, 2012 10:02 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا إله إلا هو، له الأسماء الحسنى، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي صاحب الخلق العظيم والمنزل الأسنى، على آله وأصحابه الغرر الكرام، ومن تبعهم بإحسان على الدوام، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت السنون والأعوام، أما بعد:

ففي الصحيحين والسنن وغيرهما:
عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ... فواللهِ لا يمَلُّ اللهُ حتى تمَلُّوا»
وفي رواية لمسلم : «... فَوَاللهِ لَا يَسْأَمُ اللهُ حَتَّى تَسْأَمُوا» .اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالحديث مُخَرَّج في صحيح مسلم (1/ 542) وصحيح البخاري (1/ 17) وموطأ مالك ت الأعظمي (2/ 162) وصحيح ابن حبان (2/ 67) وصحيح ابن خزيمة (2/ 264) وسنن النسائي (3/ 218) و سنن ابن ماجه (2/ 1416) وسنن أبي داود (2/ 48) والشمائل للترمذي (ص: 255) ومسند البزار (15/ 134) والفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر البزاز الشافعي (1/ 589) والمعجم الأوسط (4/ 107) و(4/ 325) وبحر الفوائد للكلاباذي (ص: 199)، ومسند الحميدي (183) و جامع معمر (11/ 290) و مسند إسحاق بن راهويه (2/ 139) و مسند الامام أحمد (40/ 290) و السنن الكبرى للنسائي (2/ 118) ومسند أبي يعلى (8/ 221) و مستخرج أبي عوانة (2/ 243) و شرح مشكل الآثار (2/ 116) و الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 431) وأخرجه خلق كثير غير هؤلاء في كتبهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذا الحديث صحيح لا شك فيه، ولكن قد غلط بعض المشبهة والمجسمة والمتسترين بالبلكفة في هذا الحديث، وقالوا: بأنه من أحاديث الصفات فأثبتوا لله مللا – تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا – ، وكما هي عادتهم في التلبيس والتدليس على أتباعهم، وكذا خوفهم من كشف وفضح مذهبهم، قالوا:
" من المعلوم أن القاعدة عند أهل السنة والجماعة أننا نصف الله تبارك وتعالى بما وصف به نفسه من غير تمثيل، ولا تكييف.
فإذا كان هذا الحديث يدل على أن لله مللا فإن ملل الله ليس كمثل مللنا نحن، بل هو ملل ليس فيه شيء من النقص، أما ملل الإنسان فإن فيه أشياء من النقص؛ لأنه يتعب نفسيا وجسميا مما نزل بعد لعدم قوة تحمله، وأما ملل الله إن كان هذا الحديث يدل عليه فإنه ملل يليق به عز وجل، ولا يتضمن نقصا بوجه من الوجه".اهـ

فانظر –رحمك الله- إلى عباراتهم كقولهم : [ إذا كان هذا الحديث يدل على أن لله مللا] كيف يضطربون ويترددون دون الجزم بالنفي أو الإثبات؟؟ وذلك ليروجوا على الناس بضاعة التشبيه والتجسيم الباطلة، ومن المعلوم أن مسائل العقيدة لا يجوز فيها التشكيك ولا الريب، بل يجب فيها الجزم دون تردد ولا تقلب، ثم بعد ذلك يقولون: وإذا قلنا أن لله مللا فهو ليس كمللنا، وكثيرا ما يوهمون الناس بمثل هذه العبارات، أشياء باطلة، أقول:

بما أنكم أثبتتم لله صفة الملل أو جوزتموها عليه وهي صفة نقص لما تدل عليه من استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته، فما معنى قولكم ليس كمللنا ؟ فما كان يدل على النقص في كلام العرب، فلا يجوز إطلاقه على الله السميع القريب ، حتى مع القول بأنه ليس كمللنا، لأن الله لا يخاطبنا إلا بما نفهم، والمفهوم من كلام العرب أن الملل: استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته ، وهذا منتف عن الله عز وجل، فكما لا يقال: إن الله مخادعٌ أو ماكرٌ أو كائدٌ أو مستهزئٌ ونحوها مما يطلق على الله على سبيل المجازاة أو المشاكلة والمقابلة، لما تدل عليه من قبح وخبث فاعلها، وإنما وردت في القرآن على سبيل المجازاة والاستدراج، فكذلك لا يقال: إن الله ملٌّ أو سئمٌ لما تدل عليه من الفتور والضجر الذي يعرض للنفس من كثرة مزاولة الشيء، والله تعالى منزه ومقدس عن ذلك، وجميع الأئمة من السلف والخلف على تنزيه الله من هذه الصفة المذمومة وتأويلها بما يليق به – عز وجل- وعدم إثباتها في حق الله تعالى عما يقول الملحدون علوا كبيرا، وهذه بعض أقوالهم التي تهدم ما يسعى إليه المجسمة المتسترون بالبلكفة من إثبات عقيدة التشبيه والتجسيم:

قال ابن بطال المالكي المتوفى عام (449 هـ) في شرح صحيح البخارى(3/ 145):
والمعنى أن الله لا يقطع الثواب عنكم حتى تقطعوا أنتم العمل به بالملل الذى هو من شأنكم، لأن الملل لا يجوز على الله ولا هو من صفاته، وإنما أخبر بالملل عنه تعالى للمساواة بين قسمى الكلام، كما قال تعالى: (ومكروا ومكر الله) [آل عمران: 54] .اهـ

وقال الامام العلامة الحافظ أبو جعفر الطحاوي الحنفي المولود عام (239) في شرح مشكل الآثار (2/ 116):

بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ: " فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا "

قال قائل: وكيف يجوز لكم أن تقبلوا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه إضافة الملل إلى الله تعالى في حال ما وذلك منتف عن الله وليس من صفاته؟.

فكان جوابنا له في ذلك:
"أن الملل منتف عن الله كما ذكر وليس ما توهمه، مما حمل عليه تأويل هذا الحديث كما توهم، وإنما هو عند أهل العلم في اللغة على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يمل الله إذا مللتم " إذ كان الملل موهوما منكم وغير موهوم منه عز وجل، وكان مثل ذلك الكلام الجاري على ألسن الناس عند وصفهم من يصفونه بالقوة على الكلام والبلاغة منه والبراعة به لا ينقطع فلان عن خصومة خصمه حتى ينقطع خصمه ليس يريدون بذلك أنه ينقطع بعد انقطاع خصمه؛ لأنهم لو كانوا يريدون ذلك لم يثبتوا للذي وصفوه فضيلة إذ كان ينقطع بعقب انقطاع خصمه كما انقطع خصمه ولكنهم يريدون أنه لا ينقطع بعد انقطاع خصمه كما انقطع خصمه عنه، وأنه يكون من القوة والاضطلاع بخصومته بعد انقطاع خصمه عنها كمثل ما كان عليه منها قبل انقطاع خصمه عنها فمثل ذلك، والله أعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يمل الله حتى تملوا " وإن الله لا يمل حتى تملوا " أي إنكم قد تملون فتنقطعون، والله بعد مللكم وانقطاعكم على الحال التي كان عليها قبل ذلك من انتفاء الملل والانقطاع عنه، وبالله التوفيق".اهـ

وفي تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (المولود: 213 – المتوفى 276) هـ (ص: 486)
قالوا: رويتم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا" 1.
فجعلتم الله تعالى يمل إذا ملوا، والله تعالى لا يمل على كل حال، ولا يكل.
قال أبو محمد: ونحن نقول: إن التأويل لو كان على ما ذهبوا إليه، كان عظيما من الخطأ فاحشا.
ولكنه أراد، فإن الله سبحانه لا يمل إذا مللتم، ومثال هذا قولك في الكلام:
هذا الفرس لا يفتر، حتى تفتر الخيل.
لا تريد بذلك أنه يفتر، إذا فترت ولو كان هذا هو المراد، ما كان له فضل عليها؛ لأنه يفتر معها، فأية فضيلة له؟ وإنما تريد، أنه لا يفتر إذا فترت.اهـ

قَالَ الشَّيْخُ العلامة الامام الكلاباذي المتوفى عام (380هـ) رَحِمَهُ اللَّهُ في بحر الفوائد (1/200):
"الملال تكرره يعرض للإنسان من عمل يعمله، وأذى يلحقه منه، وتعب يصيبه، فيصبر عليه، ويتحمل التعب فيه، حتى يضجر ويسأم، فيترك ذلك العمل استثقالا له، ويرفضه تضجرا منه وسأمة، وهو شيء يعرض للطبع بعد إيثاره للشيء ورغبته فيه، وهذه صفة الإنسان المطبوع على طبائع مختلفة وأوصاف، ويتعالى عنها علوا كبيرا، فالملال ليس بصفة له، ولا يجوز معناه المفهوم عندنا من أوصاف يلحقه الملال من المحدثين عليه، وهو صفة الإنسان المطبوع الذي يضعف من تحمل ما يعرض له، ويثقل عليه، ويؤوده شيء، ويؤذيه. فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يمل حتى تملوا» ، ليس على الغاية، والتوقيت، ويوصف هو تعالى بهذه الصفة في وقت، أو عند تغير، بل هو على النفي عنه، والتبرئة له منه، فيجوز أن يكون معنى قوله: «حتى تملوا» ، وتملوا بل تملوا، أي: لا يملون، ولا يمل، بل تملون، كأنه يقول: الملال لكم صفة، وهذه الصفة لاحقة بكم إذا تكلفتم الأعمال، وأكرهتم عليها نفوسكم، وتحملتم ما يلحقكم من التعب فيه، وصبرتم عليه، فيوشك إن يضعف عنها قواكم تستثقلوها، وتضجروا منها، فترفضوا استثقالا لها، واستعراضا منها، وزهدا فيها، ورغبة عنها، وبغضا لها فلا تعودوا إليه، والله تعالى جده لا يصيبه هذه الآفات، ولا يعترض له هذه العوارض، فلا يصرفكم عما تكلفون، ولا ينهاكم عما تعملون، ولا يحول بينكم، وبينها كراهة لها، واستثقالا منه إياها، وبغضا لها، بل يصيبكم ذلك، فتتركون، فتتركون عبادة ربكم، وتستثقلون خدمة مولاكم، وتبغضون طاعة ربكم كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين متين، فادخل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى»" .اهـ

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ابن حبان (المتوفى عام: 354هـ) في صحيحه (2/ 67):
"قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:» إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا «مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَارُفِ الَّتِي لَا يَتَهَيَّأُ لِلْمُخَاطَبِ أَنْ يَعْرِفَ صِحَّةَ مَا خُوطِبَ بِهِ، فِي الْقَصْدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إِلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ". اهـ

قال ابن رجب الحنبلي في شرحه فتح الباري (1/ 166):
"وسمي هذا المنع من الله مللا وسآمة مقابلة للعبد على ملله وسآمته، كما قال تعالى {نسوا الله فنسيهم} [التوبة: 67] فسمى إهمالهم وتركهم نسيانا مقابلة لنسيانهم له. هذا أظهر ماقيل في هذا. ويشهد له: أنه قد روي من حديث عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل ". خرجه بقي بن مخلد؛ وفي إسناده: موسى بن عبيدة... ثم قال:
وقد دلت الأدلة عل انتفاء النقائص والعيوب عن الله تعالى، ومن جملة ذلك: لحوق السآمة والملل له".اهـ

وقال الحافظ ابن حجرفي شرحه فتح الباري (10/ 314):
الملال كناية عن القبول أو الترك أو أطلق على سبيل المشاكلة.اهـ

وقال النووي في شرحه على مسلم (6/ 71):
"قوله صلى الله عليه وسلم فإن الله لا يمل حتى تملوا هو بفتح الميم فيهما وفي الرواية الأخرى لا يسأم حتى تسأموا وهما بمعنى قال العلماء الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث قال المحققون معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم وقيل معناه لا يمل إذا مللتم وقاله بن قتيبة وغيره وحكاه الخطابي وغيره وأنشدوا فيه شعرا قالوا ومثاله قولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره".اهـ

قال السندي في حاشيته على سنن النسائي (3/ 218):
"لَا يمل بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد اللَّام أَي يقطع اللَّيْل بِالْإِحْسَانِ عَنْكُم حَتَّى تقطعوا مَا تعتادوا من الْعِبَادَة".اهـ

قال محمد فؤاد عبد الباقي في شرح ابن ماجه:
[ (لا يمل الله) أي لا يقطع الإقبال بالإحسان عنكم. (حتى تملوا) في عبادته.]
وقال البيهقي المتوفى عام (458هـ) في الأسماء والصفات (2/ 431):
"قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " الْمَلَالُ لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِحَالٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي صِفَاتِهِ بِوَجْهٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الثَّوَابَ وَالْجَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ مَا لَمْ تَتْرُكُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَلَّ شَيْئًا تَرَكَهُ، فَكُنِّيَ عَنِ التَّرْكِ بِالْمَلَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّرْكِ. وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّهُ لَا يَمَلُّ إِذَا مَلَلْتُمْ، كَقَوْلِ الشَّنْفَرَى: [البحر المديد]

صَلِيَتْ مِنِّي هُذَيْلٌ بِخِرْقٍ ... لَا يَمَلُّ الشَّرَّ حَتَّى يَمَلُّوا

أَيْ: لَا يَمَلُّهُ إِذَا مَلُّوهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى إِذَا مَلُّوا مَلَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مَزِيَّةٌ وَفَضْلٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَنَاهَى حَقُّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطَّاعَةِ حَتَّى يَتَنَاهَى جُهْدُكُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا تَكَلَّفُوا مَا لَا تُطِيقُونَهُ مِنَ الْعَمَلِ، كُنِّيَ بِالْمَلَالِ عَنْهُ لِأَنَّ مِنْ تَنَاهَتْ قُوَّتُهُ فِي أَمَرٍ وَعَجَزَ عَنْ فِعْلِهِ مَلَّهُ وَتَرَكَهُ.اهـ

وقال الخطابي المتوفى عام (388 هـ) في شرح الحديث في معالم السنن (1/ 280)
معناه أن الله سبحانه لا يمل أبدا وإن مللتم، وهذا كقول الشاعر الشنفرى:
صَلِيتْ مني هُذيل بحرق…… لا يمل الشرَّ حتى تملوا
يريد أنه لا يمل إذا ملوا ولوكان يمل عند ملالهم لم يكن له عليهم فضل، وقيل معناه أن الله لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل، ومعنى يمل يترك لأن من مل شيئا تركه وأعرض عنه.اهـ

وقال ابن عبد البر المالكي المولود عام: (368) في الاستذكار (2/ 87)
معناه عند أهل العلم إن الله لا يمل من الثواب والعطاء على العمل حتى تملوا أنتم العمل وتقطعونه فينقطع عنكم ثوابه ولا يسأم من أفضاله عليكم إلا بسآمتكم عن العمل
وأنتم متى تكلفتم من العمل والعبادة ما لا تطيقون وأسرفتم لحقكم الملل وضعفتم عن العمل فانقطع عنكم الثواب بانقطاع العمل.
وقال أيضا (2/88): وأما لفظه في قوله إن الله لا يمل حتى تملوا فهو لفظ خرج على مثال لفظ ومعلوم أن الله عز وجل لا يمل سواء مل الناس أو لم يملوا ولا يدخله ملال في شيء من الأشياء جل عن ذلك وتعالى علوا كبيرا
وإنما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب فإنهم إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له أو جزءا ذكروه بمثل لفظه وإن كان مخالفا له معناه
ألا ترى إلى قوله عز وجل (وجزؤا سيئة سيئة مثلها) الشورى 40
وقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة 194
والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق وجب
ومثل ذلك قول الله عز وجل (ومكروا ومكر الله والله خير المكرين) آل عمران 54
وقوله تعالى (إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم) القرة 14
وقوله تعالى (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا) الطارق 15 16
وليس من الله مكر ولا هزو ولا كيد إنما هو جزاء مكرهم واستهزائهم وكيدهم فذكر الجزاء بمثل لفظ الابتداء لما وضع بحذائه وقبالته
فكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يمل حتى تملوا أي من مل فقطع عمله انقطع عنه الجزاء.اهـ

قال ابن فورك في مشكل الحديث وبيانه (ص: 272)
أعلم أَن وصف الله تَعَالَى بالجلالة على معنى السَّآمَة والإستثقال للشَّيْء على معنى نفور نَفسه عَنهُ محَال لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي تغيره وحلول الْحَوَادِث فِيهِ وَذَلِكَ غير جَائِز فِي وَصفه وَلِهَذَا الْخَبَر طَرِيقَانِ من التَّأْوِيل
أَحدهمَا أَن يكون مَعْنَاهُ أَن الله سُبْحَانَهُ لَا يغْضب عَلَيْكُم وَلَا يقطع عَنْكُم ثَوَابه حَتَّى تتركوا الْعَمَل وتزهدوا فِي سُؤَاله وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ فَسمى الفعلان مللا تَشْبِيها بالملل وليس بملل على الْحَقِيقَة .
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون مَعْنَاهُ أَن الله لَا يمل إِذا مللتم وَمثل هَذَا قَوْلك فِي الْكَلَام أَن هَذَا الْفرس لَا يفتر حَتَّى تفتر الْخَيل وَلَيْسَ المُرَاد بذلك أَنه يفتر إِذا فترت الْخَيل وَلَو كَانَ المُرَاد هَذَا مَا كَانَ لَهُ فضل عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يفتر مَعهَا وَأي فَضِيلَة لَهُ وَإِنَّمَا المُرَاد بِهَذَا الْمثل أَنه لَا يفتر وَإِن فتر الْخَيل.
ثم قال: إِن الله عز وَجل لَا يُوصف بالملال على الْحَقِيقَة وَإِن تركُوا هم طَاعَته وَقصرُوا فِيهَا لِأَن الله عز وَجل لَا يُوصف بالملال على الْحَقِيقَة.اهـ

وقال الباجي المالكي في المنتقى شرح الموطإ (1/ 213)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - إن الله لا يمل حتى تملوا قال ابن وضاح معناه لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل ومعنى ذلك والله أعلم أن الملل من الباري إنما هو ترك الإثابة والإعطاء والملل منا هو السآمة والعجز عن الفعل إلا أنه لما كان معنى الأمرين الترك وصف تركه بالملل على معنى المقابلة وبه قال القاضي أبو بكر وذكر الداودي أن أحمد بن أبي سليمان قال معناه لا يمل وأنتم تملون.اهـ

وقال ابن الجوزي المولود:(510هـ) في كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 277)
الْمَعْنى: لَا يمل أبدا، مللتم أَو لم تملوا، وَجرى هَذَا مجْرى قَوْلهم: حَتَّى يشيب الْغُرَاب، ويبيض القار، وأنشدوا:
(صليت مني هُذَيْل بخرق ... لَا يمل الشَّرّ حَتَّى يملوا)
الْمَعْنى: لَا يمل وَإِن ملوا، إِذا لَو مل عِنْد ملالهم لم يكن لَهُ عَلَيْهِم فضل.اهـ

وفي فتح الباري لابن حجر (1/ 102)
الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق قال الإسماعيلي وجماعة من المحققين إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وأنظاره قال القرطبي وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه وقال الهروي معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه وقال غيره معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار أو حتى يشيب الغراب ومنه قولهم في البليغ لاينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنا عادة بخلاف الملل من العابد وقال المازري قيل إن حتى هنا بمعنى الواو فيكون التقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم قال وقيل حتى بمعنى حين والأول أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية.اهـ

وقال مصطفى البغا في تعليقه على البخاري:
"(لا يمل الله حتى تملوا) لا يقطع عنكم ثوابه إلا إذا انقطعتم عن العمل بسبب إفراطكم فيه".اهـ

وقال شعيب الأرنؤوط من المعاصرين في تعليقه على مسد الامام أحمد:
"لا يمل": لا يقطع التوجه إلى العبد بالإحسان والإنعام".اهـ

وفي الختام أقول: كن على حذر أيها الطالب المريد للحق من طائفة شذت عن منهج أهل السنة والجماعة، وتدعي أنها على منهج السلف وهم ليسوا منهم في شيء، فيثبتون لله صفات الأجسام والأعراض المحدثة، ويتسترون بالبلكفة خوفا من أن يفتضح أمرهم، ويأتون بأقوال لم يقل بها أحد من السلف، ويدعون أنهم وصلوا إلى درجة الاجتهاد، وساعدتهم وسائل الاعلام الممولة من طرف أمرائهم على تشهير مذهبهم، والطعن في مذهب أهل السنة والجماعة المعتمدين في أمور الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإليه المشتكى والمنتهى،
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 43
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى