منتدى المدرسة العتيقة توبكال هلالة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شرح حديث جرير (رضي الله عنه)

اذهب الى الأسفل

شرح حديث جرير (رضي الله عنه) Empty شرح حديث جرير (رضي الله عنه)

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد السبت أغسطس 11, 2012 6:07 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا شرح متواضع لبعض ألفاظ الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه(2/ 704)
عن جرير رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} [النساء: 1] إلى آخر الآية، {إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1] والآية التي في الحشر: {اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله} [الحشر: 18] «تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره - حتى قال - ولو بشق تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل، كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».اهـ

قلت: الجزء الذي سنتعرض له بالشرح هو قوله عليه الصلاة والسلام:

{ { { من سن في الإسلام سنة حسنة } } }

قال ابن فارس:
(سن) السين والنون أصل واحد مطرد، وهو جريان الشيء وإطراده في سهولة.
( مقاييس اللغة (3/ 60).

قلت: إذا أسند هذا الفعل إلى شخص، فهو حقيقة في أنه هو الذي أنشأ وابتدأ هذا الفعل من غير أن يسبقه إليه سابق، كما هو ظاهر الحديث.

والنبي صلى الله أوتي جوامع الكلم، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولهذا نقول :

لو كان مراد النبي –صلى الله عليه وسلم- (سنته) فقط دون غيرها من الخيرات التي لم يفعلها عليه الصلاة والسلام لقال كما في حديث بلال بن الحارث:

«من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا » اهـ

فقيد هنا السنة بسنته عليه الصلاة والسلام، وقد يقول: قائل هذا رد عليكم، لأن هذا الحديث يبين مراد الحديث الاول.

فالجواب عليه: أن هذا يكون مسلما لو لم يكن في آخر هذا الحديث ما يدل على التخصيص من قوله صلى الله عليه وسلم:
« ومن ابتدع بدعة { ضلالة لا ترضي الله ورسوله } كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا»
سنن الترمذي(5/ 45).

فقوله صلى الله عليه وسلم: " { ضلالة لا ترضي الله ورسوله } صفة للبدعة، خرج بهذه الصفة : "بدعة هداية ترضي الله ورسوله" وهذا مفهوم من لفظ الحديث بدليل الخطاب، وهو ما يسمى مفهوم المخالفة ، وهو دليل شرعي عند إمامنا مالك –رحمه الله- قال سيدي عبد الله العلوي –رحمه الله- في مراقي السعود:

كذا دليل للخطاب انضــــــــافا ... ودع إذا الساكت عنه خــــــافا

أو جهل الحكم أو النطق انجلب ... للسؤل أو جرى على الذي غلب

أو امتنان أو وفاق الواقـــــــــــع ... والجهلِ والتأكيد عند السامع

ومُقتضىِ التخصيص ليس يحظُل ... قيسا وما عُرض ليس يشمل

وهُو ظرف علةٌ وعـــــــــــــــدد ... ومنه شرط غاية تُعتمــــد

والحصر والصفة مثل ما عُلــــم ... من غنم سامت وسائم الغنم

فقد توفرت جميع الشروط وانتفت جميع الموانع، لصحة الاحتجاج بدليل المخالفة، فالصفة هنا مقصودة بذاتها ، فتكون مقيدة للبدعة ، كما قيدها العلماء الربانيون رضي الله عنهم ، خلافا لمن قصر فهمه على الظواهر من النصوص ولم يتمكن من بناء الفروع على الاصول، فيقول: ما يوافق هواه، ويعزز مذهبه، نسأل السلامة والعافية، فصلى الله على أفضل نبيٍ أتاه الله جوامع الكلم، {وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} اهـ

ثم إذا رجعنا إلى أهل اللسان ، نجدهم متفقين على أن لفظة [ ســـنَّ ] تدل على الإنشاء والابتدا كما قررنا سابقا وهذه أقوالهم لمن يريد الحق والصواب:

قال إمام أهل اللغة ابن منظور:
من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة
يريد من عملها ليقتدى به فيها، وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده قيل: هو الذي سنه؛ قال نصيب:
كأني سننت الحب، أول عاشق ... من الناس، إذ أحببت من بينهم وحدي.اهـ
(لسان العرب (13/ 225)

وقَالَ شَمر: "سَنَّ فلانٌ طَرِيقا من الْخَيْر يَسُنّه: إِذا ابْتَدَأَ أمرا من البِرّ لم يَعرِفه قَومُه، فاستَنُّوا بِهِ وسلَكُوه وَهُوَ يَسْتنُّ الطَّريقَ سَنّاً وسنَناً؛ فالسَّنُّ المصدَر، والسَنَنُ: الِاسْم بِمَعْنى المسنُون".اهـ (تهذيب اللغة (12/ 210)

وقال أبو حبيب صاحب المعجم الفقهي:
وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم من بعده فهو الذي سنه. (القاموس الفقهي (ص: 183)

وكذلك مثله في المعجم الوسيط:
وكل من ابْتَدَأَ أمرا عمل بِهِ قوم من بعده فَهُوَ الَّذِي سنه. (المعجم الوسيط (1/ 455).

شبهة والرد عليها :

وقد لَبّس بها كثير من المتمشيخين على أتباعهم ومقلديهم، وهي أن الحديث له سبب ورود فيقتصر به على ما ورد به السبب وهذا مخالف للقواعد و لما في الاصول، فنقول لهم:

- القاعدة تقول: {{{ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب }}}

فمفهوم هذه القاعدة هو: أن العام يبقى على عمومه وإن كان وروده بسبب خاص كسؤال أو واقعة معينة فالعبرة بالألفاظ والنصوص وما اشتملت عليه من دلالات على الأحكام وليست العبرة بالأسباب التي دعت إلى مجيء هذه النصوص
ولذلك فورود السبب لا يعني عدم الاخذ بما دل عليه الحديث من عموم وإطلاق .

قال في جمع الجوامع:

(والعام) الوارد على (سبب خاص) في سؤال أو غيره (معتبر عمومه عند الأكثر) نظرا لظاهر اللفظ، وقيل: هو مقصور على السبب لوروده فيه، مثاله حديث الترمذي وغيره عن أبي سعيد الخدري «قيل يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء» أي مما ذكر وغيره، وقيل: مما ذكر، وهو ساكت عن غيره (فإن كانت) أي وجدت (قرينة التعميم فأجدر) أي أولى باعتبار العموم مما لو لم تكن مثاله قوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] وسبب نزوله على ما قيل رجل سرق رداء صفوان فذكر السارقة قرينة على أنه لم يرد بالسارق ذلك الرجل فقط وقوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58] نزل كما قال المفسرون في شأن مفتاح الكعبة لما أخذه علي - رضي الله عنه - من عثمان بن طلحة قهرا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ليصلي فيها فصلى ركعتين، وخرج فسأله العباس المفتاح ليضم السدانة إلى السقاية فنزلت الآية فرده على عثمان بلطف بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له بذلك فتعجب عثمان من ذلك فقرأ له علي الآية فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم فذكر الأمانات بالجمع قرينة على إرادة العموم.اهـ انظر (حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/ 73).

وقال مفتي المالكية بمكة محمد ابن الحسين في حاشيته على الفروق:
العبرة عند الفقهاء والأصوليين بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد سببه. ( أنوار البروق في أنواء الفروق (1/ 114)

وقال العلامة الشوكاني:
ورود العام على سبب خاص: وقد أطلق جماعة من أهل الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وحكوا ذلك إجماعا كما رواه الزركشي في "البحر". اهـ وانظر تفصيل هذه المسألة في .(إرشاد الفحول (1/ 332) .


إذا علمت ما تقدم، فتفسير قوله ضلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو:

(من) مبتدأ إسم شرط وهي من صيغ العموم، و (سن) أي أنشأ أو ابتدأ (في الاسلام) متعلق بسن، وأخرج به ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه ، وقوله: (سنةً) بالتنوين لفظ مطلق قيده بقوله: (حسنة) ليخرج به السنة السيئة، والسر في قوله: "سنة حسنة" ولم يقل: "سنة من سنتي" ليشمل ذلك كلما شهد له الشرع بالحسن، وإن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فهذه فائدة مهمة قل أن تجدها، والله أعلم

ويدل على ما قلته قول النووي في شرحه:
"(من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها) إلى آخره فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها فتتابع الناس وكان الفضل العظيم للبادي بهذا الخير والفاتح لباب هذا الإحسان وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة وقد سبق بيان هذا في كتاب صلاة الجمعة وذكرنا هناك أن البدع خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة" .اهـ (شرح النووي على مسلم (7/ 105)

كتبته عن عجلة وضيق وقت ، والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات فإن كان من صواب فمن الله وحده وإن كان من خطأ أو نسيان فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 43
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى