بيان ضعف أحاديث جلوس الله على العرش
صفحة 1 من اصل 1
بيان ضعف أحاديث جلوس الله على العرش
سم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين، أما بعد:
فقد أخرج ابن بطة في الابانة (7/ 178) برقم (135) قال:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ، وَعُثْمَانُ، قَالَا: ثنا يَحْيَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، [ص:180] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَقَالَتِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَعَظَّمَ الرَّبَّ، فَقَالَ: «إِنَّ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَمَا يَفْضُلُ عَنْهُ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ يَجْمَعُهَا، وَإِنَّ لُهَ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ إِذَا رُكِبَ».اهـ
فهذا الحديث (منكر)، فإن مداره على إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق تفرد به عن جده عمرو بن عبد الله بن عبيد أبو إسحاق السبيعى الكوفى، وتفرد به هو كذلك عن عبد الله بن خليفة الهمداني الكوفي، أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (5796،5798) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة مرسلا ، وأخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (ص 71) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة مرسلا أيضا، لكنه زاد في متنه أداة الاستثناء فقال:" ... إلا قيد أربع أصابع"، فاختلف المعنى. وأخرجه الدارمي عثمان بن سعيد في "الرد على بشر المريسي" (ص74) مرسلا، ثم أخرجه ابن جرير الطبري في موضع آخر (5797) عن إسرائيل نفسه به، مرفوعا، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/84) و رواه أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني في فتياله حول الصفات (100 / 1) من طريق الطبراني عن عبيد الله بن أبي زياد القطواني: حدثنا يحيى بن أبي بكير: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب عز وجل، ثم قال: فذكره، ورواه الضياء المقدسي في " المختارة " (1 / 59) من طريق الطبراني به، ومن طرق أخرى عن ابن أبي بكير به. وكذلك رواه أبو محمد الدشتي في " كتاب إثبات الحد " (134 - 135) من طريق الطبراني وغيره عن ابن أبي بكير به ، وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(8/52) وقال: حدّثنا أبو إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ مرسلا، و قوله: "أبو إسرائيل" لعله وهم من أبي حمزة الأسلمي، أو من فوقه، ويؤكد هذا أن ابن الجوزي أخرجه في "العلل" (1/4) من نفس الطريق عن الحسين بن شبيب الآجري قال نا أبو حمزة الأسلمي قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبي وإسرائيل، فاضطرب الاسناد بهذا. وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد [ص:245] بدون ذكر القعود، وقال: قد رواه وكيع بن الجراح، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، مرسلا ليس فيه ذكر عمر، لا بيقين، ولا ظن، وليس هذا الخبر من شرطنا، لأنه غير متصل الإسناد، لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات.اهـ
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/251-252، برقم574) وأبو بكر البزار في مسنده (1/457) برقم (325) وأبو الشيخ في العظمة (2/548) والدارقطني في الصفات (ص: 29) برقم (35) كلهم بغير لفظ القعود.
قلت: عبد الله بن خليفة الهمداني الكوفي، لم يوثقه غير ابن حبان، وتوثيقه لا يعتد به كما هو معروف، خصوصا وأن الذهبي قال في ابن خليفة هذا: " لا يكاد يعرف "، وقول الحافظ في "التقريب": "مقبول"؛ أي: عند المتابعة، وإلا؛ فلين الحديث؛ كما ذكر في المقدمة.
وأما عمرو بن عبد الله بن عبيد أبو إسحاق السبيعى الكوفى، فهو ثقة لكنه مدلس وليس يوجد له حديث واحد في هذا صرح فيه بالسماع، ومع ذلك فقد اختلط بآخره، ولم يسمع منه إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق إلا بعد اختلاطه قال: صالح بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : إسرائيل عن أبى إسحاق فيه لين ، سمع منه بأخرة ، و قال محمد بن موسى بن مشيش : سئل أحمد بن حنبل ، فقيل : أيما أحب إليك شريك ، أو إسرائيل ؟ فقال : إسرائيل هو أصح حديثا من شريك إلافى أبى إسحاق ، فإن شريكا أضبط عن أبى إسحاق ، و ما روى يحيى عن إسرائيل شيئا . فقيل : لم ؟ فقال : لا أدرى ، أخبرك ، إلا أنهم يقولون من قبل أبى إسحاق لأنه خلط .
وزيادة على هذه العلل، فهو مضطرب إسنادا ومتنا.
ا،
قال ابن الجوزي في العلل (1/ 5):
"هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده مضطرب جدا وعبد الله بن خليفة ليس من الصحابة فيكون الحديث الأول مرسلا، وابن الحكم وعثمان لا يعرفان وتارة يرويه ابن خليفة عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة يقفه على عمر وتارة يوقف على بن خليفة وتارة يأتي فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع وتارة يأتي فما يفضل منه مقدار أربعة أصابع وكل هذا تخليط من الرواة فلا يعول عليه".اهـ
و قال
الذهبي في كتابه "العلو" (ص 123 - 124 - مختصرة) :
"وليس للأطيط مدخل في الصفات أبداً، بل هو كاهتزاز العرش لموت سعد،
وكتفطر السماء يوم القيامة ونحو ذلك، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عَزَّ وَجَلَّ. ثم
لفظ الأطيط لم يأت في لفظ ثابت ".
و قال ابن كثير عندما روى هذا الحديث: "من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن خليفة وليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر، ثم منهم من يرويه عن عمر موقوفاً، ومنهم من يرويه عن عمر مرسلاً، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة ومنهم من يحذفها" اهـ.
قلت: إن وجود علة واحدة من هذه العلل تبطل الحديث، فكيف اذا اجتمعت ؟؟؟ ثم الذين يثبتون ما في هذه الرواية من المحال، لا يقبلون الحديث الضعيف في الاحكام بل حتى في الفضائل عند بعضهم الا اذا كان صحيحا ، فما بالهم يستدلون به في الاصول التي يجب أخذ الحيطة فيها ؟!
ثم لو فرضنا أن الحديث صحيح، فهو مخالف للنصوص الثابتة والآيات المحكمة، فليس كل اسناد صح فهو صحيح المتن، فليُتنبه لهذا، وليس في أحاديث العرش حديث يصح، وهذا ابن خزيمة مع إفراطه في إثبات الصفات التي توهم التشبيه، حتى قال بإجرائها على ظاهرها، قال: لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات، وقد أنصف -رحمه الله-.اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه(4/ 232) برقم (4726) قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ أَحْمَدُ: كَتَبْنَاهُ مِنْ نُسْخَتِهِ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتْ الْأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا» وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ»اهـ
ـــــــــــــــــــــ
وأخرجه أيضا: ابْن خُزَيْمَة فِي التَّوْحِيد، ص"103-104"، وَابْن أبي عَاصِم فِي السّنة بتخريج الألباني 1/ 252 وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الصِّفَات ص31، والآجري فِي الشَّرِيعَة ص"293"، واللالكائي فِي شرح السّنة جـ3 394-395، وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ص"417"، وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة، مخطوط، لوحة 34 وَالْبَغوِيّ فِي شرح السّنة تَحْقِيق شُعَيْب الأرناؤوط وَزُهَيْر الشاويش (1/175) وغيرهم .اهـ
ــــــــــــــــــــ
قلت: هذا الحديث أيضا ضعيف منكر سندا ومتنا، وعلة إسناده عنعنة محمد بن إسحاق، وهو مدلس ومثله لا يحتج به إلا صرح بالتحديث، وتفرد يعقوب بن عتبة به عن جبير بن محمد، وفيه أيضا جبير بن محمد وفيه ضعف، وعلة متنه لفظ "الأطيط" وقد أعله المنذري ونقل إعلاله سندا ومتنا في مختصر السنن 7/ 94، وأعله ابن كثير في تفسيره الآية الكرسي 1/ 310 في كلامه على حديث عبد الله بن خليفة المتقدم، وأعله أيضا الذهبي في كتاب العلو، تصحيح ومراجعة عبد الرحمن محمد عثمان، ص"39" فقال: "هذا حديث غريب جدا وابن إسحاق حجة في المغازي وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟، وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره، والأطيط الواقع بذات العرش، من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذا الله أن نعده صفة الله عز وجل. ثم لفظ الأطيط لم يرد به نص ثابت" اهـ
فانظر إلى قوله: "لفظ الاطيط لم يرد به نص ثابت"
وضعفه الألباني أيضا في تخريجه على السنة لابن أبي عاصم 1/ 252 وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 257، و ابن عساكر في رسالة سماها "بيان وجوه التغليط في حديث الأطيط" وغيرهم كثير.
قال البيهقي: هذا حديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار، عن يعقوب بن عتبة، وصاحبا الصحيح لم يحتجا به، إنما استشهد مسلم بن الحجاج بمحمد بن إسحاق في أحاديث معدودة، أظنهن خمسة قد رواهن غيره، وذكره البخاري في الشواهد ذكرا من غير رواية، وكان مالك بن أنس لا يرضاه، ويحيى بن سعيد القطان لا يروي عنه، ويحيى بن معين يقول: ليس هو بحجة، وأحمد بن حنبل يقول: يكتب عنه هذه الأحاديث ـ يعني المغازي ونحوها ـ فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا ـ يريد أقوى منه ـ فإذا كان لا يحتج به في الحلال والحرام فأولى أن لا يحتج به في صفات الله سبحانه وتعالى، وإنما نقموا عليه في روايته عن أهل الكتاب، ثم عن ضعفاء الناس وتدليسه أساميهم، فإذا روى عن ثقة وبين سماعه منهم فجماعة من الأئمة لم يروا به بأسا، وهو إنما روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة، وبعضهم يقول عنه وعن جبير بن محمد بن جبير، ولم يبين سماعه منهما، واختلف عليه في لفظه كما ترى"اهـ (الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 319). اهـ
يتبع - إن شاء الله - .....
فقد أخرج ابن بطة في الابانة (7/ 178) برقم (135) قال:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ، وَعُثْمَانُ، قَالَا: ثنا يَحْيَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، [ص:180] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَقَالَتِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَعَظَّمَ الرَّبَّ، فَقَالَ: «إِنَّ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَمَا يَفْضُلُ عَنْهُ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ يَجْمَعُهَا، وَإِنَّ لُهَ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ إِذَا رُكِبَ».اهـ
فهذا الحديث (منكر)، فإن مداره على إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق تفرد به عن جده عمرو بن عبد الله بن عبيد أبو إسحاق السبيعى الكوفى، وتفرد به هو كذلك عن عبد الله بن خليفة الهمداني الكوفي، أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (5796،5798) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة مرسلا ، وأخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (ص 71) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة مرسلا أيضا، لكنه زاد في متنه أداة الاستثناء فقال:" ... إلا قيد أربع أصابع"، فاختلف المعنى. وأخرجه الدارمي عثمان بن سعيد في "الرد على بشر المريسي" (ص74) مرسلا، ثم أخرجه ابن جرير الطبري في موضع آخر (5797) عن إسرائيل نفسه به، مرفوعا، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/84) و رواه أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني في فتياله حول الصفات (100 / 1) من طريق الطبراني عن عبيد الله بن أبي زياد القطواني: حدثنا يحيى بن أبي بكير: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب عز وجل، ثم قال: فذكره، ورواه الضياء المقدسي في " المختارة " (1 / 59) من طريق الطبراني به، ومن طرق أخرى عن ابن أبي بكير به. وكذلك رواه أبو محمد الدشتي في " كتاب إثبات الحد " (134 - 135) من طريق الطبراني وغيره عن ابن أبي بكير به ، وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(8/52) وقال: حدّثنا أبو إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ مرسلا، و قوله: "أبو إسرائيل" لعله وهم من أبي حمزة الأسلمي، أو من فوقه، ويؤكد هذا أن ابن الجوزي أخرجه في "العلل" (1/4) من نفس الطريق عن الحسين بن شبيب الآجري قال نا أبو حمزة الأسلمي قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبي وإسرائيل، فاضطرب الاسناد بهذا. وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد [ص:245] بدون ذكر القعود، وقال: قد رواه وكيع بن الجراح، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، مرسلا ليس فيه ذكر عمر، لا بيقين، ولا ظن، وليس هذا الخبر من شرطنا، لأنه غير متصل الإسناد، لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات.اهـ
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/251-252، برقم574) وأبو بكر البزار في مسنده (1/457) برقم (325) وأبو الشيخ في العظمة (2/548) والدارقطني في الصفات (ص: 29) برقم (35) كلهم بغير لفظ القعود.
قلت: عبد الله بن خليفة الهمداني الكوفي، لم يوثقه غير ابن حبان، وتوثيقه لا يعتد به كما هو معروف، خصوصا وأن الذهبي قال في ابن خليفة هذا: " لا يكاد يعرف "، وقول الحافظ في "التقريب": "مقبول"؛ أي: عند المتابعة، وإلا؛ فلين الحديث؛ كما ذكر في المقدمة.
وأما عمرو بن عبد الله بن عبيد أبو إسحاق السبيعى الكوفى، فهو ثقة لكنه مدلس وليس يوجد له حديث واحد في هذا صرح فيه بالسماع، ومع ذلك فقد اختلط بآخره، ولم يسمع منه إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق إلا بعد اختلاطه قال: صالح بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : إسرائيل عن أبى إسحاق فيه لين ، سمع منه بأخرة ، و قال محمد بن موسى بن مشيش : سئل أحمد بن حنبل ، فقيل : أيما أحب إليك شريك ، أو إسرائيل ؟ فقال : إسرائيل هو أصح حديثا من شريك إلافى أبى إسحاق ، فإن شريكا أضبط عن أبى إسحاق ، و ما روى يحيى عن إسرائيل شيئا . فقيل : لم ؟ فقال : لا أدرى ، أخبرك ، إلا أنهم يقولون من قبل أبى إسحاق لأنه خلط .
وزيادة على هذه العلل، فهو مضطرب إسنادا ومتنا.
ا،
قال ابن الجوزي في العلل (1/ 5):
"هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده مضطرب جدا وعبد الله بن خليفة ليس من الصحابة فيكون الحديث الأول مرسلا، وابن الحكم وعثمان لا يعرفان وتارة يرويه ابن خليفة عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة يقفه على عمر وتارة يوقف على بن خليفة وتارة يأتي فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع وتارة يأتي فما يفضل منه مقدار أربعة أصابع وكل هذا تخليط من الرواة فلا يعول عليه".اهـ
و قال
الذهبي في كتابه "العلو" (ص 123 - 124 - مختصرة) :
"وليس للأطيط مدخل في الصفات أبداً، بل هو كاهتزاز العرش لموت سعد،
وكتفطر السماء يوم القيامة ونحو ذلك، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عَزَّ وَجَلَّ. ثم
لفظ الأطيط لم يأت في لفظ ثابت ".
و قال ابن كثير عندما روى هذا الحديث: "من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن خليفة وليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر، ثم منهم من يرويه عن عمر موقوفاً، ومنهم من يرويه عن عمر مرسلاً، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة ومنهم من يحذفها" اهـ.
قلت: إن وجود علة واحدة من هذه العلل تبطل الحديث، فكيف اذا اجتمعت ؟؟؟ ثم الذين يثبتون ما في هذه الرواية من المحال، لا يقبلون الحديث الضعيف في الاحكام بل حتى في الفضائل عند بعضهم الا اذا كان صحيحا ، فما بالهم يستدلون به في الاصول التي يجب أخذ الحيطة فيها ؟!
ثم لو فرضنا أن الحديث صحيح، فهو مخالف للنصوص الثابتة والآيات المحكمة، فليس كل اسناد صح فهو صحيح المتن، فليُتنبه لهذا، وليس في أحاديث العرش حديث يصح، وهذا ابن خزيمة مع إفراطه في إثبات الصفات التي توهم التشبيه، حتى قال بإجرائها على ظاهرها، قال: لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات، وقد أنصف -رحمه الله-.اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه(4/ 232) برقم (4726) قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ أَحْمَدُ: كَتَبْنَاهُ مِنْ نُسْخَتِهِ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتْ الْأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا» وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ»اهـ
ـــــــــــــــــــــ
وأخرجه أيضا: ابْن خُزَيْمَة فِي التَّوْحِيد، ص"103-104"، وَابْن أبي عَاصِم فِي السّنة بتخريج الألباني 1/ 252 وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الصِّفَات ص31، والآجري فِي الشَّرِيعَة ص"293"، واللالكائي فِي شرح السّنة جـ3 394-395، وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ص"417"، وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة، مخطوط، لوحة 34 وَالْبَغوِيّ فِي شرح السّنة تَحْقِيق شُعَيْب الأرناؤوط وَزُهَيْر الشاويش (1/175) وغيرهم .اهـ
ــــــــــــــــــــ
قلت: هذا الحديث أيضا ضعيف منكر سندا ومتنا، وعلة إسناده عنعنة محمد بن إسحاق، وهو مدلس ومثله لا يحتج به إلا صرح بالتحديث، وتفرد يعقوب بن عتبة به عن جبير بن محمد، وفيه أيضا جبير بن محمد وفيه ضعف، وعلة متنه لفظ "الأطيط" وقد أعله المنذري ونقل إعلاله سندا ومتنا في مختصر السنن 7/ 94، وأعله ابن كثير في تفسيره الآية الكرسي 1/ 310 في كلامه على حديث عبد الله بن خليفة المتقدم، وأعله أيضا الذهبي في كتاب العلو، تصحيح ومراجعة عبد الرحمن محمد عثمان، ص"39" فقال: "هذا حديث غريب جدا وابن إسحاق حجة في المغازي وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟، وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره، والأطيط الواقع بذات العرش، من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذا الله أن نعده صفة الله عز وجل. ثم لفظ الأطيط لم يرد به نص ثابت" اهـ
فانظر إلى قوله: "لفظ الاطيط لم يرد به نص ثابت"
وضعفه الألباني أيضا في تخريجه على السنة لابن أبي عاصم 1/ 252 وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 257، و ابن عساكر في رسالة سماها "بيان وجوه التغليط في حديث الأطيط" وغيرهم كثير.
قال البيهقي: هذا حديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار، عن يعقوب بن عتبة، وصاحبا الصحيح لم يحتجا به، إنما استشهد مسلم بن الحجاج بمحمد بن إسحاق في أحاديث معدودة، أظنهن خمسة قد رواهن غيره، وذكره البخاري في الشواهد ذكرا من غير رواية، وكان مالك بن أنس لا يرضاه، ويحيى بن سعيد القطان لا يروي عنه، ويحيى بن معين يقول: ليس هو بحجة، وأحمد بن حنبل يقول: يكتب عنه هذه الأحاديث ـ يعني المغازي ونحوها ـ فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا ـ يريد أقوى منه ـ فإذا كان لا يحتج به في الحلال والحرام فأولى أن لا يحتج به في صفات الله سبحانه وتعالى، وإنما نقموا عليه في روايته عن أهل الكتاب، ثم عن ضعفاء الناس وتدليسه أساميهم، فإذا روى عن ثقة وبين سماعه منهم فجماعة من الأئمة لم يروا به بأسا، وهو إنما روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة، وبعضهم يقول عنه وعن جبير بن محمد بن جبير، ولم يبين سماعه منهما، واختلف عليه في لفظه كما ترى"اهـ (الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 319). اهـ
يتبع - إن شاء الله - .....
مواضيع مماثلة
» سلسلة الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الدرس الأول)
» نبذة عن ذرية سيدنا عبد الله بن جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه
» حرمة آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
» شرح حديث جرير (رضي الله عنه)
» الرد على من يصف الله عز وجل بالجسمية
» نبذة عن ذرية سيدنا عبد الله بن جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه
» حرمة آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
» شرح حديث جرير (رضي الله عنه)
» الرد على من يصف الله عز وجل بالجسمية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى