الشرح المفيد على متن جوهرة التوحيد (2)
صفحة 1 من اصل 1
الشرح المفيد على متن جوهرة التوحيد (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا هو الدرس الثاني، من شرح جوهرة التوحيد للعلامة اللقاني، قال – رحمه الله -:
2 - على نبيٍ جاء بالتوحيد ... وقد خلا الدينُ عن التوحيد.
3 - فَأْرْشَدَ الخَلْقَ لِدِيْنِ الحقِّ ... بِسَيْفِــهِ وَهَــدْيِــهِ لِلْــحّــقِّ.
قوله: [ على نبي ] متعلق بمحذوف خبر، أي: كائنان على نبي، والنبي: - بالهمز وتركه - مشتق من النَّبْوة، أي: الرفعة، فيكون فعيل بمعنى مفعول، أي: الخبر، بمعنى مخبِر عن الله إن كان مع نبوته رسولاً، أو مخبِر عن حال نفسه إن لم يكن رسولاً ليحترمه الناس وفي كلا الحالين ينزل عليه ملك الوحي يخبره عن الله تعالى، فعلى هذا فهو مخبَر، وقيل: مشتق من النبإ، فيكون فعيل بمعنى فاعل ومفعول، أي الارتفاع، بمعنى رافع ومرفوع، لأنه رافع لشأن من اتبعه على غيره ممن لم يتبعه، قال تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 55] ولأنه مرفوع المنزلة.
والنبي لغة : من يخبر عن الغيبيات، واصطلاحا: : إنسان ذكر، حر، من بني آدم، سليم عن منفر طبعاً، أوحي إليه بشرع يعمل به، وإن لم يؤمر بتبليغه، والرسول يعرف بهذا إلا أننا نقول: وأوحي إليه بشرع يعمل به وأمر بتبليغه.
وبناء على التعريف السالف، فالملائكة، والاناث، والعبيد، والجن وبقية الحيوانات، ليسوا بأنبياء، والقول بنبوة مريم وآسية، وامرأة فرعون، وحواء، و"يُوحَانِذ أم موسى" وهاجر، وسارة، قول مرجوح، قال صاحب "بدء الأمالي" :
وما كانت نبياً قط أنثى ... ولا عبد وشخص ذو فعال.
وقال السيوطي في الكوكب الساطع:
واختلفت في خضر أهل النقول ... قيل ولي ونبي ورســـــول
لقمان ذي النورين حوا مريم ...المنع في الجميع رأي المعظم.
وأما من كان فيه منفر طبعا، كبرص وجذام وصمم وبكم، فلا يكون نبياً ولا رسولاً، وقد اختلف في عدد الأنبياء والرسل فقيل: مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، وثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، لكن الأسلم أن نمسك عن ذلك، لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78].
قوله: [ جاء ] أي: أرسل، [ بالتوحيد ] وهو لغة: مصدر وحَّدَ يوحِّد، توحيدًا، فهو مُوحِّد، والمفعول مُوحَّد، أي: جعلك الشيء واحداً. واصطلاحا: هو إفراد الله بالعبادة مع اعتقاد وحدته والتصديق بها ذاتاً وصفاتا وأفعالاً.
وأما علم التوحيد: فهو علم يبحث فيه عن ذات الله تعالى، وصفاته، وأحوال الممكنات في المبدأ والمعاد، على قانون الإسلام، وقيل: علم يبحث فيه عن الأعراض الذاتية للموجود من حيث هو هو على قانون الإسلام، وقيل: علم يقدر معه على إثبات العقائد الدينية، مكتسب من أدلتها اليقينية، بإيراد الحجج ودفع الشبه.
وخص الناظم التوحيد بالذكر - مع أنه صلى الله عليه وسلم أتى بنظام شامل للحياة كلها - لأنه أشرف العبادات.
وموضوعه: ذات الله تعالى من حيث ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقه تعالى، و كذا ذات الرسل، والممكنات من حيث إنه يتوصل بها إلى وجود صانعها، والسمعيات من حيث اعتقادها.
وثمرته وفائدته: معرفة الله تعالى بالبراهين القطعية والفوز بالسعادة الأبدية، والظفر بالدنيا و الاخرة ، والترقي من حضيض التقليد، إلى ذروة الإيقان، وإرشاد المسترشدين، بإيضاح الحجة لهم، وإلزام المعاندين بإقامة الحجة عليهم، وحفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شبهة المبطلين .
وفضله: أنه أشرف العلوم لكونه متعلقاً بذات الله تعالى وذوات رسله فهو أصل لما سواه، ولأن شرف العلم بشرف المعلوم، ولذلك كان علم التوحيد أفضل العلوم على الإطلاق، ومن أجل هذا بعث الله الأنبياء و الرسل، و أنزل الكتب، و شرع الجهاد، و قام سوق الجنة و النار.
وواضع هذا العلم: هو الله تعالى، بواسطه رسله عليهم السلام وهذا يدل على عظمة هذا العلم وعلو قدره، وأما من فصله وأخرجه عن غيره من العلوم، فقد اختلف فيه، فقيل: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي، في كتابه "الفقه الاكبر"، وقيل: أن الإمام مالك ألف فيه رسالة، والإمام أحمد في كتبه "العقيدة، وأصول السنة، والرد على الجهمية" وغيرهم، واشتهر أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، بأنه واضع هذا العلم؛ لأنه جمع مذاهب الفرق المختلفة في مجالات العقيدة في كتاب له سماه (مقالات الإسلاميين)، وهذا الكتاب مطبوع ومتداول ومروي عنه بالأسانيد، ولأنه أول من رد على الشبه التي أوردتها المعتزلة وغيرهم على طريقة أهل الكلام، ولأنه ألف فيه عدة كتب، وحرر أدلته، وإلا فقد سبقه جمع من أهل العلم، كأبي حنيفة، والامام أحمد وغيرهما كما سبق.
واسمه: له عدة أسماء، منها: علم التوحيد وأصول الدين، وعلم الكلام، وأصول السنة، والعقيدة، والفقه الاكبر، والايمان، والشريعة، والالهيات وغيرها.
واستمداده: من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولكن ترتيب حججه يرجع فيه إلى علم الجدل وعلم المنطق إذا احتِيج إليهما لرد شبه الفلاسفة والملحدين، فهم لا يعترفون بالأدلة النقلية، لذا فهما قالب ومعيار يوزن فيه كل شيء، فيمكن أن يستغلا في أي علم من العلوم، فإذا أردنا إثبات أي شيء عن طريق العقل، فإننا لابد أن نرجع إلى القواعد المنطقية.
وحكمه: أنه فرض عين على كل مكلف، من ذكر وأنثى، وذلك بالأدلة الإجمالية، وأما بالأدلة التفصيلية ففرض على الكفاية.
مسائله: قضاياه الكلية الباحثة في أحكام الألوهية، وعصمة الرسل، وقضايا اليوم الآخر ونحو ذلك.
ثم قال: [وقد خلا ] أي: والحال أنه قد خلا [ الدين ] الدين يطلق لغة على عدة معان منها: الطاعة، والعبادة، والجزاء، والحساب، واصطلاحاً : هو ما شرعه الله تعالى على لسان نبيه من الأحكام، وسمي ديناً: لأننا ندين له وننقاد، ويسمى أيضا ملة: لأن الملك يمليه على الرسول وهو يمليه علينا، ويسمى أيضا شرعاً وشريعة: لأن الله قد شرعه لنا أي بينه على لسان نبيه، فالله تعالى هو الشارع حقيقة في كل ما جاءنا به النبي- صلى الله عليه وسلم - "ولما كان القرآن الكريم منزلاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان النبيّ طريقاً في البيان فأسند إليه الشرع بمعنى تبيين الأحكام".
والأحكام الفقهية الاجتهادية: من الدين قطعاً، وهي موضوع إلهي، غاية الأمر أنه يخفى علينا، والمجتهدون يعانون إظهارها والاستدلال عليها بقواعد الشرع، ولا دخل لهم في وضعها البتة.
قوله: [ عن التوحيد ] متعلق بخلا، قال سيدي ابراهيم البيجوري: "والمراد بالنبي المرسل، نبينا - صلى الله عليه وسلم - والجملة المخصصة بأن نبينا هو المراد، قوله: "وقد خلا الدين عن التوحيد" لأنه لم يأت نبي بالتوحيد في حال خلو الدين عنه، إلا هو - صلى الله عليه وسلم - وقد أرسله الله تعالى على رأس الأربعين سنة إلى جميع المكلفين من الإنس والجن، أما الملائكة فقد أرسل إليهم إرسال تشريف، لأن طاعتهم جبلية لا يكلفون بها، هذا ما اعتمده الرملي في شرح المنهاج، وكونه - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً لكافة الإنس والجن مجمع عليه، ومعلوم من الدين بالضرورة، فيكفر منكره.اهـ
وقال أيضا: "وعبارته: "قد خلا الدين عن التوحيد" : تقتضي أن ما عليه عبدة الأصنام [ يسمى ] ديناً، وهو كذلك، لأن الدين ما يتدين به، ولو باطلاً. كما دل له قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ} [آل عمران: 85].
ثم قال: [ فأرشد الخلق ] معطوف على "جاء بالتوحيد" والإرشاد هنا بمعنى الدلالة وتبيين شرع الله، والخلق: أي: جميع الثقلين من الإنس والجن إجماعاً، وكذا الملائكة بناء على أنه مرسل إليهم إرسال تكليف، والراجح أنه مرسل إليهم إرسال تشريف، [ لدين الحق ] متعلق بأرشد، والمراد بالحق: هو الله تعالى، لأن الحق: اسم من أسمائه، ومعناه: المتحقق وجوده دائماً وأبداً بحيث لا يسبقه عدم ولا يلحقه عدم، [ بسيفه ] متعلق بمحذوف حال فاعل أرشد، والسيف: آلة الجهاد التي يباح قتال الحربيين بها، والمراد به: سيف النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد كان له – صلى الله عليه وسلم – تسعة أسياف: المأثور، والعضب، وذوالفقار، والقلعي، والبتار، والحتف، والرسوب، والمخذم، والقضيب، وقد أرشد النبيّ الخلق لدين الله حال كونه متلبساً بسيفه، لأن الإرشاد والدلالة ليسا بالسيف قطعاً بل باللسان، [ وهديه للحق ] معطوف على سيفه، والمراد بالهدي: القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبالحق: الاسلام، وقدم الناظم السيف على الهدي مع أن الهدي سابق على الجهاد - بل لم يتوان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحظة واحدة عن أن يبلغ منذ بعثه الله سبحانه - لأن للجهاد أهمية عظمى، ولأن ما جاء به لا يظهر إلا بالجهاد خصوصاً في مبدأ دعوته.
والفاء من قوله: " فأرشد ... " توهم أنه أرشد بالسيف عقب الإرسال، لأن الفاء تقتضي التعقيب مع أنه لم يشرع الجهاد إلا في السنة الثانية للهجرة، كما في السيرة الحلبية، وأجيب بأن التعقيب في كل شيء بحسبه، تقول: جاء فسلم، وتزوج فولد، أو يجاب بأن الفاء بمعنى ثم أي تفيد الترتيب والتراخي كقوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: 4، 5].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه الكرام.
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا هو الدرس الثاني، من شرح جوهرة التوحيد للعلامة اللقاني، قال – رحمه الله -:
2 - على نبيٍ جاء بالتوحيد ... وقد خلا الدينُ عن التوحيد.
3 - فَأْرْشَدَ الخَلْقَ لِدِيْنِ الحقِّ ... بِسَيْفِــهِ وَهَــدْيِــهِ لِلْــحّــقِّ.
قوله: [ على نبي ] متعلق بمحذوف خبر، أي: كائنان على نبي، والنبي: - بالهمز وتركه - مشتق من النَّبْوة، أي: الرفعة، فيكون فعيل بمعنى مفعول، أي: الخبر، بمعنى مخبِر عن الله إن كان مع نبوته رسولاً، أو مخبِر عن حال نفسه إن لم يكن رسولاً ليحترمه الناس وفي كلا الحالين ينزل عليه ملك الوحي يخبره عن الله تعالى، فعلى هذا فهو مخبَر، وقيل: مشتق من النبإ، فيكون فعيل بمعنى فاعل ومفعول، أي الارتفاع، بمعنى رافع ومرفوع، لأنه رافع لشأن من اتبعه على غيره ممن لم يتبعه، قال تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 55] ولأنه مرفوع المنزلة.
والنبي لغة : من يخبر عن الغيبيات، واصطلاحا: : إنسان ذكر، حر، من بني آدم، سليم عن منفر طبعاً، أوحي إليه بشرع يعمل به، وإن لم يؤمر بتبليغه، والرسول يعرف بهذا إلا أننا نقول: وأوحي إليه بشرع يعمل به وأمر بتبليغه.
وبناء على التعريف السالف، فالملائكة، والاناث، والعبيد، والجن وبقية الحيوانات، ليسوا بأنبياء، والقول بنبوة مريم وآسية، وامرأة فرعون، وحواء، و"يُوحَانِذ أم موسى" وهاجر، وسارة، قول مرجوح، قال صاحب "بدء الأمالي" :
وما كانت نبياً قط أنثى ... ولا عبد وشخص ذو فعال.
وقال السيوطي في الكوكب الساطع:
واختلفت في خضر أهل النقول ... قيل ولي ونبي ورســـــول
لقمان ذي النورين حوا مريم ...المنع في الجميع رأي المعظم.
وأما من كان فيه منفر طبعا، كبرص وجذام وصمم وبكم، فلا يكون نبياً ولا رسولاً، وقد اختلف في عدد الأنبياء والرسل فقيل: مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، وثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، لكن الأسلم أن نمسك عن ذلك، لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78].
قوله: [ جاء ] أي: أرسل، [ بالتوحيد ] وهو لغة: مصدر وحَّدَ يوحِّد، توحيدًا، فهو مُوحِّد، والمفعول مُوحَّد، أي: جعلك الشيء واحداً. واصطلاحا: هو إفراد الله بالعبادة مع اعتقاد وحدته والتصديق بها ذاتاً وصفاتا وأفعالاً.
وأما علم التوحيد: فهو علم يبحث فيه عن ذات الله تعالى، وصفاته، وأحوال الممكنات في المبدأ والمعاد، على قانون الإسلام، وقيل: علم يبحث فيه عن الأعراض الذاتية للموجود من حيث هو هو على قانون الإسلام، وقيل: علم يقدر معه على إثبات العقائد الدينية، مكتسب من أدلتها اليقينية، بإيراد الحجج ودفع الشبه.
وخص الناظم التوحيد بالذكر - مع أنه صلى الله عليه وسلم أتى بنظام شامل للحياة كلها - لأنه أشرف العبادات.
وموضوعه: ذات الله تعالى من حيث ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقه تعالى، و كذا ذات الرسل، والممكنات من حيث إنه يتوصل بها إلى وجود صانعها، والسمعيات من حيث اعتقادها.
وثمرته وفائدته: معرفة الله تعالى بالبراهين القطعية والفوز بالسعادة الأبدية، والظفر بالدنيا و الاخرة ، والترقي من حضيض التقليد، إلى ذروة الإيقان، وإرشاد المسترشدين، بإيضاح الحجة لهم، وإلزام المعاندين بإقامة الحجة عليهم، وحفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شبهة المبطلين .
وفضله: أنه أشرف العلوم لكونه متعلقاً بذات الله تعالى وذوات رسله فهو أصل لما سواه، ولأن شرف العلم بشرف المعلوم، ولذلك كان علم التوحيد أفضل العلوم على الإطلاق، ومن أجل هذا بعث الله الأنبياء و الرسل، و أنزل الكتب، و شرع الجهاد، و قام سوق الجنة و النار.
وواضع هذا العلم: هو الله تعالى، بواسطه رسله عليهم السلام وهذا يدل على عظمة هذا العلم وعلو قدره، وأما من فصله وأخرجه عن غيره من العلوم، فقد اختلف فيه، فقيل: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي، في كتابه "الفقه الاكبر"، وقيل: أن الإمام مالك ألف فيه رسالة، والإمام أحمد في كتبه "العقيدة، وأصول السنة، والرد على الجهمية" وغيرهم، واشتهر أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، بأنه واضع هذا العلم؛ لأنه جمع مذاهب الفرق المختلفة في مجالات العقيدة في كتاب له سماه (مقالات الإسلاميين)، وهذا الكتاب مطبوع ومتداول ومروي عنه بالأسانيد، ولأنه أول من رد على الشبه التي أوردتها المعتزلة وغيرهم على طريقة أهل الكلام، ولأنه ألف فيه عدة كتب، وحرر أدلته، وإلا فقد سبقه جمع من أهل العلم، كأبي حنيفة، والامام أحمد وغيرهما كما سبق.
واسمه: له عدة أسماء، منها: علم التوحيد وأصول الدين، وعلم الكلام، وأصول السنة، والعقيدة، والفقه الاكبر، والايمان، والشريعة، والالهيات وغيرها.
واستمداده: من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولكن ترتيب حججه يرجع فيه إلى علم الجدل وعلم المنطق إذا احتِيج إليهما لرد شبه الفلاسفة والملحدين، فهم لا يعترفون بالأدلة النقلية، لذا فهما قالب ومعيار يوزن فيه كل شيء، فيمكن أن يستغلا في أي علم من العلوم، فإذا أردنا إثبات أي شيء عن طريق العقل، فإننا لابد أن نرجع إلى القواعد المنطقية.
وحكمه: أنه فرض عين على كل مكلف، من ذكر وأنثى، وذلك بالأدلة الإجمالية، وأما بالأدلة التفصيلية ففرض على الكفاية.
مسائله: قضاياه الكلية الباحثة في أحكام الألوهية، وعصمة الرسل، وقضايا اليوم الآخر ونحو ذلك.
ثم قال: [وقد خلا ] أي: والحال أنه قد خلا [ الدين ] الدين يطلق لغة على عدة معان منها: الطاعة، والعبادة، والجزاء، والحساب، واصطلاحاً : هو ما شرعه الله تعالى على لسان نبيه من الأحكام، وسمي ديناً: لأننا ندين له وننقاد، ويسمى أيضا ملة: لأن الملك يمليه على الرسول وهو يمليه علينا، ويسمى أيضا شرعاً وشريعة: لأن الله قد شرعه لنا أي بينه على لسان نبيه، فالله تعالى هو الشارع حقيقة في كل ما جاءنا به النبي- صلى الله عليه وسلم - "ولما كان القرآن الكريم منزلاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان النبيّ طريقاً في البيان فأسند إليه الشرع بمعنى تبيين الأحكام".
والأحكام الفقهية الاجتهادية: من الدين قطعاً، وهي موضوع إلهي، غاية الأمر أنه يخفى علينا، والمجتهدون يعانون إظهارها والاستدلال عليها بقواعد الشرع، ولا دخل لهم في وضعها البتة.
قوله: [ عن التوحيد ] متعلق بخلا، قال سيدي ابراهيم البيجوري: "والمراد بالنبي المرسل، نبينا - صلى الله عليه وسلم - والجملة المخصصة بأن نبينا هو المراد، قوله: "وقد خلا الدين عن التوحيد" لأنه لم يأت نبي بالتوحيد في حال خلو الدين عنه، إلا هو - صلى الله عليه وسلم - وقد أرسله الله تعالى على رأس الأربعين سنة إلى جميع المكلفين من الإنس والجن، أما الملائكة فقد أرسل إليهم إرسال تشريف، لأن طاعتهم جبلية لا يكلفون بها، هذا ما اعتمده الرملي في شرح المنهاج، وكونه - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً لكافة الإنس والجن مجمع عليه، ومعلوم من الدين بالضرورة، فيكفر منكره.اهـ
وقال أيضا: "وعبارته: "قد خلا الدين عن التوحيد" : تقتضي أن ما عليه عبدة الأصنام [ يسمى ] ديناً، وهو كذلك، لأن الدين ما يتدين به، ولو باطلاً. كما دل له قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ} [آل عمران: 85].
ثم قال: [ فأرشد الخلق ] معطوف على "جاء بالتوحيد" والإرشاد هنا بمعنى الدلالة وتبيين شرع الله، والخلق: أي: جميع الثقلين من الإنس والجن إجماعاً، وكذا الملائكة بناء على أنه مرسل إليهم إرسال تكليف، والراجح أنه مرسل إليهم إرسال تشريف، [ لدين الحق ] متعلق بأرشد، والمراد بالحق: هو الله تعالى، لأن الحق: اسم من أسمائه، ومعناه: المتحقق وجوده دائماً وأبداً بحيث لا يسبقه عدم ولا يلحقه عدم، [ بسيفه ] متعلق بمحذوف حال فاعل أرشد، والسيف: آلة الجهاد التي يباح قتال الحربيين بها، والمراد به: سيف النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد كان له – صلى الله عليه وسلم – تسعة أسياف: المأثور، والعضب، وذوالفقار، والقلعي، والبتار، والحتف، والرسوب، والمخذم، والقضيب، وقد أرشد النبيّ الخلق لدين الله حال كونه متلبساً بسيفه، لأن الإرشاد والدلالة ليسا بالسيف قطعاً بل باللسان، [ وهديه للحق ] معطوف على سيفه، والمراد بالهدي: القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبالحق: الاسلام، وقدم الناظم السيف على الهدي مع أن الهدي سابق على الجهاد - بل لم يتوان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحظة واحدة عن أن يبلغ منذ بعثه الله سبحانه - لأن للجهاد أهمية عظمى، ولأن ما جاء به لا يظهر إلا بالجهاد خصوصاً في مبدأ دعوته.
والفاء من قوله: " فأرشد ... " توهم أنه أرشد بالسيف عقب الإرسال، لأن الفاء تقتضي التعقيب مع أنه لم يشرع الجهاد إلا في السنة الثانية للهجرة، كما في السيرة الحلبية، وأجيب بأن التعقيب في كل شيء بحسبه، تقول: جاء فسلم، وتزوج فولد، أو يجاب بأن الفاء بمعنى ثم أي تفيد الترتيب والتراخي كقوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: 4، 5].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه الكرام.
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
مواضيع مماثلة
» الشرح المفيد على متن جوهرة التوحيد (1)
» الشرح المفيد على متن جوهرة التوحيد (3)
» شرح جوهرة التوحيد
» رابط الشرح الصوتي للسلم المنورق في علم المنطق
» الشرح الصوتي لألفية(ابن مالك) في علمي النحو والصرف
» الشرح المفيد على متن جوهرة التوحيد (3)
» شرح جوهرة التوحيد
» رابط الشرح الصوتي للسلم المنورق في علم المنطق
» الشرح الصوتي لألفية(ابن مالك) في علمي النحو والصرف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى