شروط الاجتهاد وحكم التقليد في الفروع
صفحة 1 من اصل 1
شروط الاجتهاد وحكم التقليد في الفروع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما، أما بعد: فهذا توضيح متواضع لبيتين من أبيات جوهرة التوحيد للإمام ابراهيم اللقاني قال – رحمه الله - :ومالـك وسائـر الأئـمــةِ ... كذا أبو القاسمْ هداة الأمـةِ
فواجب تقليد حَبر منهم ُ ... كذا حكى القوم بلفظ يفهمُ
الاعــــــــــــــــــراب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[و] استئنافية، [مالك] مبتدأ، [وسائر] عاطف ومعطوف وهو مضاف، [الائمة] مضاف إليه، [كذا] جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، [أبو] مبتدأ مؤخر وهو مضاف، [القاسم] مضاف إليه مجرور، وسُكِّن للضرورة، [هداة] خبر وهو مضاف، [الامة] مضاف إليه.اهـ
[ف] فصيحة، [واجب] خبر مقدم، [تقليد] مبتدأ مؤخر وهو مضاف، [حبر] مضاف إليه، [منهم] جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة، [كذا] جار ومجرور متعلق بـ [حكى] فعل ماض، [القوم] فاعل، [بلفظ] جار ومجرور متعلق بحكى، [يفهم] فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل محذوف تقديره هو.اهـ
الشـــــــــــــــــــرح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنى البيت الاول: أن الامام مالك بن أنس الاصبحي أبا عبد الله، المولود: (93هـ) المتوفى: (179هـ) والامام محمد بن إدريس الشافعي أبا عبد الله، المولود: (150هـ) المتوفى: (204هـ) والامام النعمان بن ثابت التيمي أبا حنيفة، المولود: (80هـ) المتوفى: (150هـ) والامام أحمد بن حنبل الشيباني أبا عبد الله، المولود: (164هـ) المتوفى: (241هـ) والامام علي بن إسماعيل الأشعري أبا الحسن، المولود: (260هـ) المتوفى: (324هـ) والامام الجنيد بن محمد بن الجنيد أبا القاسم، المولود: (220هـ) تقريبا المتوفى: (297هـ) هداة الأمة : أي هداة خير أمة بشهادة قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. فهم خيار الخيار.
وقيل: يدخل معهم الإمام الليث بن سعد الفهمي أبو الحارث، المولود: (94هـ) المتوفى: (185هـ) والامام سفيان بن سعيد الثوري أبو عبد الله، المولود: (97هـ) المتوفى: (161هـ) والامام إسحق بن ابراهيم بن راهويه أبو يعقوب، المولود: (166هـ) المتوفى: (238هـ) والامام محمد بن جرير الطبري أبو جعفر، المولود: (224هـ) المتوفى: (310هـ) والامام سفيان بن عيينه الهلالي أبو محمد، المولود: (107هـ) المتوفى: (198هـ) وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو، المولود: (88هـ) المتوفى: (157هـ) والامام داود بن علي الظاهري أبو سليمان، المولود: (201هـ) المتوفى: (270هـ) والامام محمد بن محمود الماتريدي أبو منصور، المتوفى: (333هـ).
والخلاصة: أن الإمام مالك ونحوه هداتها في الفروع، والإمام الأشعري ونحوه في العقائد، والجنيد ونحوه في التصوف. فجزاهم الله عنا خيراً ونفعنا بهم.
فائدة: اعلم أنه لم يصح في الأئمة الأربعة حديث بالخصوص، وإنما ورد عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة».اهـ رواه الحاكم في صحيحه برقم: (307) وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقد كان ابن عيينة ربما يجعله رواية» فحُمل على الإمام مالك، إذ كانوا يزدحمون على بابه لطلب العلم، فلقد أخذ العلم عنه خلق كثير لا يحصون وهم أئمة البلاد. وروي عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما اللهم إنك أذقت أولها عذابا أو وبالا فأذق آخرها نوالا» .اهـ رواه الطيالسي في مسنده برقم: (307) . فحُمل على الشافعي وقيل هو ابن عباس. وورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ - مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ» .اهـ رواه مسلم برقم:(2546) فحمل على أبي حنيفة وأصحابه وكل من هذه الأحاديث ظني، والله أعلم.
معنى البيت الثاني: لما لم يكن كل واحد من الناس قادراً على الاجتهاد المطلق، وكان المذكورون أئمة هذه الأمة، ذكر أنه يجب على كل من لم يكن فيه أهلية الاجتهاد المطلق - ولو كان مجتهد مذهب أو فتوى - تقليد إمام من الأئمة الأربعة في الأحكام الفرعية.
وما جزم به الناظم هنا هو مذهب الأصوليين وجمهور الفقهاء والمحدثين واحتجوا بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فأوجب السؤال على من لا يعلم، ويترتب عليه الأخذ بقول العالم وذلك تقليد له.
تعريف المجتهد المطلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات:
[هو] من يحوي علم الكتاب ووجوه معانيه، وعلم السنة بطرقها ومتونها ووجوه معانيها، ويكون مصيبًا في القياس، عالمًا بعرف الناس.اهـ
شروط المجتهد المطلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يكون بالغا عاقلا ذا ملكة يدرك بها العلوم، فقيه النفس عارفا بالدليل العقلي والتكليف به، ذا الدرجة الوسطى لغة وعربية وأصولا وبلاغة، ومن شرطه أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام وحقيقة ذلك ومجازه وأمره ونهيه ومجمله ومبينه ومحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه ومطلقه ومقيده وناسخه ومنسوخه والمستثنى والمستثنى منه وصحيح السنة من ذلك وسقيمها وتواترها وآحادها ومرسلها ومسندها ومتصلها ومنقطعها ، وأسباب النزول، ويعرف الوفاق والخلاف في مسائل الأحكام الفقهية في كل عصر والأدلة والشبهة والفرق بينهما والقياس وشروطه وما يتعلق بذلك والعربية المتداولة بالحجاز واليمن والشام والعراق ومن حولهم من العرب ولا يضر جهله ببعض ذلك لشبهة أو إشكال لكن يكفيه معرفة وجوه دلالة الأدلة وكيفية أخذ الأحكام من لفظها ومعناها، وهل تشترط معرفة الحساب ونحوه في المسائل المتوقفة عليه ؟ فيه خلاف.
وقد جمع صاحب المراقي هذه الشروط في أبيات فقال:
917- بذلُ الفقيه الوسع أن يحصلا ... ظنا بأنَّ ذاك حتمٌ مثلا
918- وذاك مع مجتهد رديف ... وما له يُحقِّق التكليف
919- وهو شديد الفهم طبعا واختلف ... فيمن بإنكار القياس قد عرف
920- قد عرف التكليفَ بالدليل ... ذي العقل قبل صارف النقول
921- والنحوَ والميزانَ واللغة مع ... علم الأصول وبلاغة جمع
922- وموضع الأحكام دون شرط ... حفظِ المتون عند أهل الضبط
923- ذو رتبة وسطى في كل ما غَبَرْ ... وعلم الاجماعات مما يعتبر
924- كشرط الآحاد وما تواترا ... وما صحيحا أو ضعيفا قد جرى
925- وما عليه أو به النسخ وقع ... وسببُ النزول شرط متبع
926- كحالة الرواة والأصحاب ... وقلدن في ذا على الصواب
فائدة: اعلم أن الجمهور على أن شروط الاجتهاد المطلق المذكورة لم تتحقق في عالم من علماء القرن الرابع فما بعده وأن من ادعى بلوغها منهم لا تسلم له دعواه ضرورة لأن بلوغها لا يثبت بمجرد الدعوى وأن فرض الكفاية لا يجب على المكلفين به تحصيله، وإنما يجب عليهم الاجتهاد في تحصيل شروطه بقدر ما في طاقاتهم البشرية، فإذا تعذر عليهم تحصيلها، كيف يدعي تأثيم جميعهم.
قال ابن أبي الدم عالم الأقطار الشامية بعد سرده شروط الاجتهاد المطلق: هذه الشروط يعز وجودها في زماننا في شخص من العلماء بل لا يوجد في البسيطة اليوم مجتهد مطلق.اهـ وقال حجة الإسلام الغزالي في كتابه الوسيط: وأما شروط الاجتهاد المعتبرة في القاضي فقد تعذرت في وقتنا.اهـ وفي الإنصاف من كتب السادة الحنابلة أنه من زمن طويل عدم المجتهد المطلق.اهـ وقال الفخر الرازي والرافعي والنووي إن الناس كالمجمعين اليوم على أنه لا مجتهد.اهـ
إذا علمت هذا فاعلم أن دعاة الاجتهاد في هذا العصر غاوون، كيف يدعون الاجتهاد مع أن الإمام محمد بن جرير الطبري قد ادعى بلوغه رتبة الاجتهاد المطلق فلم يسلموا له ؟! وهو إمام جليل متضلع في العلوم العقلية والنقلية ومن أهل القرن الرابع، فما بالك بغيره ممن هو في هذه الأعصار البعيدة المتأخرة المليئة بالفتن، نسأل الله العافية، هذا ما ظهر لي في شرح هذين البيتين، وبالله التوفيق، والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى