منتدى المدرسة العتيقة توبكال هلالة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ...} الآية (64) من سورة النساء

اذهب الى الأسفل

تفسير قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ...} الآية (64) من سورة النساء Empty تفسير قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ...} الآية (64) من سورة النساء

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد الأربعاء سبتمبر 05, 2012 1:14 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، منزل الكتاب ، واهب العطاء ، اختص من شاء بما شاء ، فهو السميع، العليم، الحكيم، الكريم، المبدئ، المعيد، الوهاب .
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المخصوص بالكمالات ، السراج المنير، والبشير النذير، الفارق بين الحق والباطل، والهدى والضلال ، والرشاد والغى ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وزاده فضلاً وشرفاً لديه ، وعلى آله الأطهار ، ورضى الله عن صحابته الأبرار ، ومن تبعه بإحسان أمابعد:

فهذا تفسير متواضع للآية (64) من سورة النساء، نسأل الله أن يجعله لوجه الكريم، بمنه وفضله العميم، قال سبحانه وتعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } [النساء: 64].

إعراب الكلمات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الواو) استئنافية (ما) نافية (أرسلنا) فعل ماض وفاعله (من) حرف جر زائد للتوكيد (رسول) مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه مفعول به لأرسلنا (إلّا) أداة حصر (اللام) للتعليل (يطاع) فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره [هو]. والمصدر المؤوّل من (أن يطاع) في محل جر باللام متعلق بـ (أرسلنا) .وهذا استثناءٌ مفرغ من المفعول له، والتقدير: وما أرسلنا من رسولٍ لشيءٍ من الأشياء إلا للطاعة. (بإذن) فيه ثلاثة أوجه، أحدهما: أنه متعلقٌ بـ «يُطاع» ، والباء للسببية ،الثاني: أن يتعلق ب «أرسلنا» أي: وما أَرْسلنا بأمر الله أي: بشريعته. الثالث: أن يتعلق بمحذوف على أنه حالٌ من الضمير في «يطاعَ». (الله) اسم الجلالة مضاف إليه مجرور (الواو)استئنافية وقيل عاطفة (لو) شرطية غير جازمة (أنّ) حرف مشبه بالفعل و (هم) ضمير في محل نصب اسم أنّ (إذ) ظرف بمعنى الحين، مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل جاؤوك، (ظلموا) فعل ماض مبني على الضم ... والواو فاعل (أنفس) مفعول به منصوب و (هم) ضمير مضاف إليه (جاؤوا) مثل ظلموا و (الكاف) ضمير مفعول به.
والمصدر المؤوّل (أنّهم ... جاؤوك) في محل رفع فاعل لفعل محذوف تقديره وقع أي: لو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم أنفسهم مع استغفارهم (لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) .
(الفاء) عاطفة (استغفروا) مثل ظلموا (الله) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (استغفر) فعل ماض (اللام) حرف جر و (هم) ضمير متصل في محل جر متعلق ب (استغفر) ، (الرسول) فاعل مرفوع (اللام) واقعة في جواب لو (وجدوا) مثل ظلموا (الله) لفظ الجلالة مفعول به أول منصوب (توابا) مفعول به ثان منصوب (رحيما) حال من الضمير في (توّابا) منصوب أو نعت أو بدل.
قلت: وقد يجوز أن يكون (توابًا رحيمًا) مفعولا (وَجَدَ) إن كانت علمية

إعراب الجمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جملة «ما أرسلنا ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «يطاع ... » لا محل لها صلة الموصول الحرفي (أن) .
وجملة « (ثبت) مجيئهم» لا محل لها معطوفة على الاستئنافية.
وجملة «ظلموا ... » في محل جر بإضافة (إذ) إليها.
وجملة «جاؤوك» في محل رفع خبر أنّ.
وجملة «استغفروا الله» في محل رفع معطوفة على جملة جاؤوك.
وجملة «استغفر لهم الرسول» في محل رفع معطوفة على جملة جاؤوك.
وجملة «وجدوا ... » لا محل لها جواب شرط غير جازم.

البــــــــلاغـــــــــــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الالتفات: في قوله تعالى وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-.
حيث التفت من الخطاب الى الغيبة تفخيما لشأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعته في حيز القبول. وسياق الكلام يقتضي أن يقول: واستغفرت لهم.

المناسبــــــــــة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت الآيات السابقة تنديدا بموقف المنافقين الذين أعرضوا عن التحاكم إلى الرسول وآثروا عليه التحاكم إلى الطاغوت، وهنا أراد الله تعالى تقرير مبدأ عام وهو فرضية طاعة الرسول بل وكل رسول مرسل.

سبب نزول الآية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في سَببِ النُّزُول وَجْهَان:
الأول: أن مَنْ تقَدَّم ذِكْرُه مع المُنَافِقِين، عندما ظَلَمُوا أنْفُسَهُم بالتَّحَاكُمِ إلى الطَّاغُوت، والفِرَار من التَّحَاكُمِ إلى رسُولِ الله -[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ] ، [لو جَاءُوا] للرَّسُول، وأظْهَرُوا النَّدَم على ما فَعَلُوهُ، وتَابُوا عَنْهُ واسْتَغْفَرُوا عنه، واسْتَغْفَر لهم الرَّسُول بأن يَسْألَ اللَّه أن يَغْفر لَهُم، وجَدُوا اللَّه تَوَّاباً رَحِيماً.
الثاني: قال الأصم: «إن قَوْماً من المُنَافِقِين اتَّفَقُوا على كَيْد الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، ثمَّ دَخَلُوا عليه لأجْل [ذلك الغَرَضِ، فأتَاهُ جِبْرِيل - عليه السلام - فأخبرهُ بِه، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إن قوماً] دَخَلُوا عليه لأجْل يُريدُون أمْراً لا ينَالُونَه، فليقُومُوا وليَسْتَغْفِرُوا اللَّه حَتَّى أسْتَغْفِر لهم، فلَمْ يَقُومُوا، فقال: ألا تَقُومُون؛ فلم يَفْعَلُوا، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: قُمْ يا فُلانُ، قُمْ يا فُلاَنُ، حَتَّى عدَّ اثْنَيْ عَشَر رَجُلاً منهم، فقاموا وقَالُوا: كُنَّا عَزَمْنَا على ما قُلْتَ، ونَحْنُ نَتُوب إلى اللَّهِ من ظُلْمِنَا أنْفُسِنَا، فاسْتَغْفِرْ لَنَا.
فقال: الآن اخْرُجُوا، أنا كُنْتُ في بَدْءِ الأمْرِ أقْرَبُ إلى الاسْتِغْفَارِ، وكان اللَّهُ أقْرَبُ إلى الإجَابَةِ، اخْرُجُوا عَنِّي» .


التفسيـــــــــــــر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما أرسلنا من رسول من لدن آدم إلى زمانك، إلا وقد فرضنا طاعته على من أرسله إليهم، وتلك الطاعة مفروضة بأمر الله وإذنه، وعليهم أن يتبعوه لأنه مؤدٍّ عن الله، فطاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن يعص الرسول فقد عصى الله، فمن لم يطعه ولم يرض بأحكامه فهو كافر به.

والمراد بقوله: بِإِذْنِ اللَّهِ أي بسبب إذن الله في طاعته، ويجوز أن يراد: بتيسير الله وتوفيقه في طاعته، قال مجاهد: أي لا يطيعُ أحد إلا بإذني، والمراد لا يطيعه إلا من وفقته لذلك، كقوله: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آل عمران 3/ 152] أي عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم.

ثم يرشد الله تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إن فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم، ولهذا قال: لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً أي لعلموه توابا، أي لتاب عليهم.

وفي هذا إيماء إلى أن من يبادر إلى التوبة الصحيحة تقبل توبته بشروطها المقررة شرعا، بأن تكون عقب الذنب مباشرة، والعزم على اجتناب الذنب، وعدم العودة إليه مع الصدق والإخلاص لله في ذلك. أما مجرد الاستغفار باللسان دون شعور صادق من القلب بألم المعصية فلا يفيد، وقد سمى الله سبحانه ترك طاعة الرسول ظلما للأنفس، أي إفسادا لها.اهـ بتصرف (التفسير المنير للزحيلي (5/ 139).

فــــــــــوائــــــــــــد الآيـــــــــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا - هذه الآية عامة تشمل حالتيْ الحياة وبعد الإنتقال إلى البرزخ ، ومن أراد تخصيصها بحال الحياة ، فقد أخطأ خطأ لم يسبق إليه لأن الفعل في سياق الشرط يفيد العموم ، وأعلى صيغ العموم ما وقع في سياق الشرط، كما في ارشاد الفحول (ص122) وغيره .

قال شيخنا العلاّمة المحقق السيد عبد الله بن الصديق الغُماري رحمه الله تعالى :فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة وتخصيصها بأحدهما يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود هنا ، فإن قيل : من أين أتى العموم حتى يكون تخصيصها بحالة الحياة دعوى تحتاج إلى دليل ؟ قلنا : من وقوع الفعل في سياق الشرط، والقاعدة المقررة في الأصول أن الفعل إذا وقع في
سياق الشرط كان عاماً، لأن الفعل في معنى النكرة لتضمنه مصدراً منكراً ، والنكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط تكون للعموم وضعاً . انتهى من الردِّ المحكم المتين ( ص44 ) .

فالآية الشريفة طالبة للمجئ إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع الحالات لوقوع "جاءوك" فيها حيز الشرط الذي يدل على العموم،
وقد فهم المفسرون وغيرهم من الفقهاء والمحدثين من الآية هذا العموم ، ولذلك تراهم يذكرون معها حكاية العتبي الذي جاء للقبر الشريف مستشفعاً بالنبي (صلى الله عليه وسلم ) مستحسنين لها ومستأنسين بها .اهـ

ثانيا- ومع عموم الآية المتقدمة الذي لا يررتاب فيه مرتابُ ، أغرب ابن عبد الهادي فقال: (( ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجئ إليه في حياته ليستغفر لهم )) . اهـ ( ص425 من الصارم المنكي ) .

ثم العجب العجاب من ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى، فهو يشهد شهادة نفي على السلف والخلف، فلم يكفه السلف بل تعدى إلى الخلف ، ولا أدري هل كل هذا غفلة، أم ماذا ؟
ولو نظر في كتب التفاسير والمناسك والفقه التي بين أيدينا لما تجرأ بالقول بدون علم ، ولو استحضر ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى كتب مذهبه واستدلال فقهاء السادة الحنابلة بالآية على استحباب الزيارة لما صرح بقوله المذكور ، ولكن حبك للشئ يعمي ويصم .

ثالثا- قدأجاد العلامة أبو بكر المراغي فقال رحمه الله تعالى في عموم هذه الآية : (( وينبغي لكل مسلم اعتقاد كون زيارته ( ص ) قربة للأحاديث الواردة في ذلك ولقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءوك فاستغفَرُوا الله واسْتَغْفرَ لهُمُ الرسولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّاباً رَحِيماً} .
لأن تعظيمه ( صلى الله عليه وسلم ) لا ينقطع بموته ولا يقال : إن استغفار الرسول (صلى الله عليه وسلم)إنما هو في حال حياته فقط، وليست الزيارة كذلك لما أجاب بعض العلماء المحققين أن الآية دلت على تعليق وجدان الله تواباً رحيماً بثلاثة أمور : المجئ واستغفارهم واستغفار الرسول لهم .
وقد حصل استغفار الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لجميع المؤمنين لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) قد استغفر للجميع . قال الله تعالى : {{ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات }} ( آية 19 سورة سيدنا محمد( ص )) فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله ورحمته ، وقد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور كما حكاه النووي ، وأوجبها الظاهرية .
فزيارته (صلى الله عليه وسلم) مطلوبة بالعموم والخصوص لما سبق. اهـ (ص102 _ 203 ) . من ذوأصل الكلام في " شفاء السِّقام في زيارة خير الأنام " للتقي السُّبكي.

رابعا - اعترض ( محمد بن صالح العثيمين ) على الاستدلال بالآية المذكورة فقال في فتاويه ( 1 / 89 ) ما نصُّه :
"فإذا قال قائل: لو جئت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله هل يجوز ذلك أو لا؟ قلنا: لا يجوز. فإذا قال: أليس الله يقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) ؟ قلنا: بلى إن الله يقول ذلك، ولكنه يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك، وإذ هذه ظرف لما مضى وليس ظرفا للمستقبل، لم يقل الله تعالى: ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، بل قال: إذ ظلموا، فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحصل من بعض القوم مخالفة وظلم لأنفسهم، فقال الله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول) ، واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له) . فلا يمكن للإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد، بل ولا يستغفر لنفسه أيضا؛ لأن العمل انقطع". اهـ

قلت: الجواب عليه من وجهين:

أحدها- ما ذكره أن (إذ) تكون بمعنى الماضي فقط، وهذا غير مسلم كما سنبينه:
قال ابن هشام في المغني (94/1): "إذ على أربعة أوجه":

1 - أحدها أن تكون اسما للزمن الماضي ولها أربعة استعمالات:
- أحدها أن تكون ظرفا وهو الغالب نحو {فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا}
- والثاني أن تكون مفعولا به نحو {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم}
- والثالث أن تكون بدلا من المفعول نحو {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت ...} فإذ بدل اشتمال من مريم.
- والرابع أن يكون مضافا إليها اسم زمان صالح للاستغناء عنه نحو يومئذ وحينئذ أو غير صالح له نحو قوله تعالى {بعد إذ هديتنا}.

2 - والوجه الثاني أن تكون اسما للزمن المستقبل نحو {يومئذ تحدث أخبارها} والجمهور لا يثبتون هذا القسم ويجعلون الآية من باب {ونفخ في الصور} أعني من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد وقع وقد يحتج لغيرهم بقوله تعالى {فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم} فإن {يعلمون} مستقبل لفظا ومعنى لدخول حرف التنفيس عليه وقد أعمل في إذ فيلزم أن يكون بمنزلة إذا.اهـ

إذ في الأصل تكون بمعنى الماضي، وقد تأتي بمعنى المستقبل كما سبق في الامثلة، والدليل القاطع على ذلك قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ } [مريم: 39]فلا يقول عاقل أنها هنا بعنى الماضي، بل معناها: إذ يقضى، والآيات كثيرة في هذا ظاهرة

وكما أن الاصل في (إذا) أن تأتي بمعنى المستقبل، فكذلك هي الأخرى قد تأتي بمعنى الماضي كما في قوله عز وجل:

{وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الْجُمُعَة: 11] فَإِن الْآيَة نزلت بعد انفضاضهم
وَكَذَا {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم قلت لَا أجد} [التَّوْبَة: 92] الْآيَة فهذه الآيتان نزلتا بعد وقوع الفعل، وفي هذا يقول الزواوي:

إذ ظرف ما مضى وتلقى الجملتين ... كساد إذ شب وإذ هو دوين
وقد تلي الآتي كما تلي المُضي ... إذا وكلها بمنزل المُضي
وحرف تعليل به القرآن قد ... جاء وحرف فجأة نظما ورد.

قال السيوطي في همع الهوامع (2/ 171)
"(إِذْ) للْوَقْت الْمَاضِي وللمستقبل فِي الْأَصَح"

وفي تهذيب اللغة للأزهري (15/ 37)
"الْعَرَب تَضع (إِذْ) للمُستقبل، و (إِذا) للماضي.
قَالَ الله عَزّ وجَلّ: {سَمِيعٌ قَرِيبٌ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} (سبأ: 51) ،

مَعْنَاهُ: وَلَو تَرَى إِذْ يَفْزعون يومَ الْقِيَامَة.

وَقَالَ الفَرّاء: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لأنّه كالواجب، إِذْ كَانَ لَا يُشك فِي مَجيئه، وَالْوَجْه فِيهِ (إِذا) ، كَمَا قَالَ عَزّ وَجل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] و قوله:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1].

إذا تبين هذا، فإنها تكون مفسرة على حسب الحال والمقام، ويُعلم بالقرائن هل هي دالة على الماضي أو المستقبل ؟! وقد أجمع المتقدمون على أنها عامة وأن إذ بمعنى إذا المستقبلية، واستدلوا بقصة الأعرابي كما سيأتي.

ثانيها- أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في علم الاصو ل ومن ادعى التخصيص فعليه بالدليل وهو ما لا سبيل إليه، ولو كان موجودا لسبقنا إليه السلف وبينوه لنا، فإنه لم يترك الاول للآخر مقال.


خامسا : يذكر جمهور العلماء من المحدثين والمفسرين والفقهاء وغيرهم قصة الأعرابي عند تفسير هذه الآية ويستأنسون بها في باب التوسل والزيارة، وتلقتها الامة عنهم بالقبول ونصوا عليها واستحسنوها وعملوا بها، وهذا يعتبر تصحيحا وتقوية لها، لان الأثر يتقوى بعمل الائمة بالحديث وتلقي الأمة له بالقبول، ولم ينكر العمل بهذا الأثر إلا شرذمة عرفت بعداوتها للمسلمين عامة، ولأهل البيت والاولياء والصالحين خاصة، ومرادها بذلك هدم كل ما بنوه وأسسوه من قديم الزمان، ولكن هيهات هيهات أن يبلغوا مرادهم.

وهم أجدر بقول الناظم:
هذا الاثر ومن يقل بضعفه ... فهو الضعيف عن الحقيقه عاري.

وهذا الاثر أخرجه البيهقي في (شعب الإيمان (6/ 60) قال:
أخبرنا أبو علي الروذباري، حدثنا عمرو بن محمد بن عمرو بن الحسين بن بقية، إملاء، حدثنا شكر الهروي، حدثنا يزيد الرقاشي، عن محمد بن روح بن يزيد البصري، حدثني أبو حرب الهلالي، قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"" بأبي أنت وأمي يا رسول الله جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا مستشفعا بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} ، وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلا بالذنوب والخطايا أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي وأن تشفع في ثم أقبل في عرض الناس، وهو يقول:
[البحر البسيط]
يا خير من دفنت في الترب أعظمه ... فطاب من طيبه الأبقاع، والأكم
نفس الفداء بقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وفي غير هذه الرواية فطاب من طيبه القيعان، والأكم .اهـ

وأخرجه أيضا أبو الفرج ابن الجوزي في (مثير الغرام الساكن (ص: 490) قال:
أخبرنا عبد الخالق بن يوسف، أنبأنا أحمد بن أبي نصر، أنبأنا محمد بن القاسم الفارسي، قال: سمعت غالب بن علي الصوفي، يقول: سمعت إبراهيم المزكي، يقول: سمعت أبا الحسن بن بقية، يحكي عن الحسن بن محمد، عن ابن فضيل النحوي، عن محمد بن روح، عن محمد بن حرب الهلالي، قال: دخلت المدينة، فأتيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فزاره، ثم قال: يا خير الرسل، إن الله عز وجل أنزل عليك كتابا صادقا، وقال فيه: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} [النساء: 64] ، وإني جئتك مستغفرا ربي من ذنوبي، مستشفعا بك، وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم استغفر الله وانصرف.
فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول: الحق الرجل فبشره أن الله تعالى قد غفر له بشفاعتي. اهـ

ورغم ضعف إسناد هذا الأثر فقد تقدم أن العمل عليه، ثم ان الأبيات التي انشدها العتبي وهي:

يا خير من دفنت بالقاع اعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم.

مكتوبة على الواجهة النبوية الشريفة في العمود الذي بين شباك الحجرة النبوية يراها القاصي والداني منذ مئات السنين، ولم يعترض احد على ذلك الى الآن، وهذا أيضا يقوي صحتها.

وهذه بعض أقوال العلماء توضح صحتها والعمل بها:
يقول الشيخ أبو الفرج بن قدامة إمام الحنابلة صاحب الشرح الكبير وهو
الشيخ شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة الحنبلي :
[ مسألة ] : فإذا فرغ من الحج استحب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه رضي الله عنهما.
ثم ذكر الشيخ ابن قدامة صيغة تقال عند السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها أن يقول : (اللهم إنك قلت وقولك الحق : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } وقد أتيتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهم اجعله أول الشافعين اهـ . (الشرح الكبير ج3 ص495)

2- قال الشرنبلالي الحنفي في مراقي الفلاح ص152:
اللهم انك قلت وقولك الحق: (ولو انهم اذ ظلموا انفسهم
جاؤوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توابا رحيما) وقد جئناك
سامعين قولك، طائعين امرك، مستشفعين بنبيك، ربنا اغفر لنا
ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين
آمنوا، ربنا انك رؤوف رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الاخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربنا رب العزة عما
يصفون،وسلام على المرسلين، والحمد للّه رب العالمين.
ويدعو بما يحضره من الدعاء. اهـ

3- قال الزرقاني في شرح المواهب (8/317):
(ونحو هذا في منسك العلا مة خليل، وزاد: وليتوسل به صلى الله عليه وسلم ،ويسال اللّه تعالى بجاهه في التوسل به، اذ هو محط جبال الاوزار واثقال الذنوب، لان بركة شفاعته وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب،ومن اعتقد خلاف ذلك فهو المحروم الذي طمس اللّه بصيرته، وأضل سريرته، الم يسمع قوله تعالى: (ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤوك فاستغفروا اللّه) الاية )اهـ

4- قال القرطبي في تفسيره (٥/٢٦٥،٢٦٦)
" روى أبو صادق عن على قال : قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال : قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ووعيت عن الله فوعينا عنك وكان فيما أنزل الله عليك { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } الآية وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر أنه قد غفر لك " اهـ

5- وقال الثعــالــبي في تفسيره (١/٣٨٦)
" وعن العتبى قال كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله تعالى يقول ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما وقد جئتك مستعفيا من ذنوبي مستغفرا إلى ربي ثم أنشأ يقول
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قال ثم انصرف فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله تعالى قد غفر له انتهى من حلية النووي وسنن الصالحين للباجي وفيه مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي " اهـ

6- وقال ابن كثير في تفسيره(١/٥٢٠-٥٢١)
" وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبى قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول { ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم
جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال يا عتبي اِلحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له " آهـ

قلت: من الواضح أن الحافظ ابن كثير، يستحسن هذه القصة ويصححها، وذلك أنه قال: " وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبى"اهـ فحرف (قد) للتحقيق، واختياره النقل من كتاب (الشامل) لابن الصباغ لأنه من أجود كتب السادة الشافعية وأصحها نقلا، وأثبتها أدلة، وكذلك وصْفُهُ نقلة هذه القصة بأنهم جماعة ووصف القصة بالشهرة.اهـ

قال قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان في ترجمة أبي نصر الصباغ:
"أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر، المعروف بابن الصباغ، الفقيه الشافعي؛ كان فقيه العراقين في وقته، وكان يضاهي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، وتقدم عليه في معرفة المذهب. وكانت الرحلة إليه من البلاد، وكان تقياً حجة صالحاً، ومن مصنفاته كتاب " الشامل " في الفقه، وهو من أجود كتب أصحابنا، وأصحها نقلاً وأثبتها أدلةً".اهـ (وفيات الأعيان (3/ 217).

7- ونحو قول ابن كثير للنسفي في تفسيره (١/٢٣٠،٢٣١).
8-قال الإمام النووي في المجموع (8 / 274) مبينا ما يستحب أن يقوله من يزور النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا وقف أمام القبر الشريف مخاطبا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ما نصه :
ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا - يعني سائر الشافعية - عن العتبي مستحسنين له قال : (كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله وأستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي . . . . .) اه‍ كلام النووي .

قلت: هذا إجماع صريح حكاه الامام النووي عن سائر أصحابه الشافعية، أنهم استحسنوا قصة الاعرابي والعمل بها، فأين هي افتراءات المتعالمين على السلف والخلف من عدم فهمهم العموم في الآية والعمل بها ؟!

9- قال السيوطي في الدر المنثور (١/٥٧٠-٢٣)
" وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال : حج أعرابي إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا مستشفعا بك على ربك لأنه قال في محكم تنزيله ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما

10- قال العدوي الحمزاوي في كنز المطالب ( ص ٢١٦ ) :
ومن أحسن ما يقول بعد تجديد التوبة في ذلك الموقف الشريف، وتلاوة ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرسول ) الآية: نحن وفدك يا رسول اللّه وزوارك، جئناك لقضاء حقك وللتبرك بزيارتك والاستشفاع بك مما أثقل ظهورنا وأظلم قلوب.
وانظر المصادر التالية:
11- الإمام النووي كتاب الإيضاح الباب السادس ص ٤٩٨
12- وابن كثير في البداية والنهاية (١٢/١٥٠-١٥١)
13- الكمال بن الهمام في فتح القدير (٣/١٧٩-١٨٠-١٨١)
14- والشرنبلالي في نور الإيضاح (١/١٥٥)
15- وعبد القادر الجيلاني (٥٦١ هـ) في كتاب الغنية
16- وابن الجوزي في المنتظم (من ٢٥٧ هـ) (٩/٩٣)
17- وابن قدامة المقدسي في المغني (٣/٢٩٧-٢٩٩)
18- وابو عبد الله محمد بن عبد الله السمري في المستوعب
19- وابن مفلح في المبدع (٣/٢٥٩)
20- والبهوتي في كشف القناع (٢/٥١٦)
21- شيخ الشافعية في زمنه أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل
22- والبيهقي في شعب الإيمان (٣/٤٩٥)
23- ونقله عن القاضي الماوردي والقاضي أبو الطيب-
24- والسبكي في شفاء السقام
25- وابن الملقن في غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم (١٨٣)
26- وابن حجر الهيتمي في الجوهر المنظم
27- والحصني في دفع شبه (ص ١٥)
28- والجاوي في نهاية الزين (١/٢٢٠-٢٢١)
29- القاضي عياض في الشفاء
30- والشهاب القرافي في الذخيرة (٣/٣٧٥-٣٧٦)
31-ابن الأثير في الكامل (٨/٥٠٦)
32- وابن خلكان في وفيات الأعيان (٥/١٣٦)
33- أبو محمد ابن قدامة في المغني ج٣ ص ٥٥٦
34 – أبو حيان الاندلسي في البحر المحيط (3/ 694)
35 – المتقي الهندي في كنز العمال (2/386)و(4/259).
36 - المدخل لابن الحاج (3/ 228).
37 – أبو الحسن الماوردي في الحاوي الكبير (4/ 214)
38 – أبو الحسن اليمني في البيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 379)

وغيرها كثير
قال الشوكاني:-
(ووجه الاستدلال بها [أي الآية] أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث : الأنبياء أحياء في قبورهم , وقد صححه البيهقي وألف في ذلك جزءا ) اهـ (نيل الأوطار ٣/١٠٥).

وفي الفتاوى الهندية في مذهب الامام الاعظم ابي حنيفه النعمان (1/ 266) والتي قال في مقدمتها العلامة نظام الدين البلخي: أن أمير المؤمنين أبا المظفر محيي الدين كيربادشاه غازي حشد الحذاق في هذا الفن [أي الفقه] من العلماء الغائصين على فرائده وكلد الكتب المدونة الجامعة لفوائده فأوعز إليهم بالكدش في مخايل هذا الفن ودلائله واللمش عن تفاصيله وتنقير وجوه مسائله ب أن يؤلفوا كتابا حامشا لظاهر الروايات التي اتفق عليها وأفتى بها الفحول ويجمعوا فيه من النوادر ما تلقتها العلماء بالقبول كي لا يفوت الاحتياط في العمل والاجتناب عن الخطل والزلل.اهـ
فيها:
"ثم يقف عند رأسه - صلى الله عليه وسلم - كالأول ويقول: اللهم إنك قلت وقولك الحق {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك} [النساء: 64] الآية. وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك إليك .اهـ

قلت: هذا إجماع من الحنفية على أن الآية تفيد العموم، وأنها صالحة في الحياة وبعد الممات، لالتزامهم أن لا يورد في الكتاب إلا الروايات المتفق عليها، وأفتى بها الائمة، وما تلقوه بالقبول، وفيه إشارة أيضا إلى استحسان قصة الأعرابي والعمل بها، وقد نقل الاجماع على هذا غير واحد من الحفاظ، وذلك قبل أن يأتي ابن تيمية وأتباعه فخرقوا هذا الاجماع، ومن المعلوم أن خرق الاجماع حرام لا يجوز، لأنه كالنص، والله الموفق.اهـ

وفي الختام فهذا قول الامام الاعظم إمامنا مالك -رحمه الله- بسند في غاية الصحة، يشير الى أن الآية عامة في الحياة وبعد الممات. والله يخرج من يشاء من الظلمات إلى النور.

قال العلامة القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي 544 هـ -رحمه الله-:
حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم وغير واحد فيما أجازونيه قالوا:
أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث قال حدثنا أبو الحسن علي بن فهر حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا ابن حميد قال:
{"ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية، ومدح قوما فقال (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) الآية، وذم قوما فقال (إن الذين ينادونك) الآية وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر وقال يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عيه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله قال الله تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم)". الآية اهـ
(الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 40)

قال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم رواية ذلك عن الإمام مالك جاءت بالسند الصحيح الذي لا مطعن فيه وقال العلامة الزرقاني في شرح المواهب ورواها ابن فهد بإسناد جيد ورواها القاضي عياض في الشفاء بإسناد صحيح رجاله ثقات ليس في إسنادها وضاع ولا كذاب على أنها قد عضدت بجريان العمل وبالأحاديث الصحيحة الصريحة في جواز التوسل التي يعضد بعضها بعضا.

وقال العلامة الزرقاني على المواهب وقول ابن تيمية: ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك خطأ قبيح فإن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا للقبلة وممن نص على ذلك أبو الحسن القابسي وأبو بكر بن عبد الرحمن والعلامة خليل في منسكه ونقله في الشفاء عن ابن وهب عن مالك.اهـ

تم تفسير الآية، والحمد لله الهادي إلى سواء الطريق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه، وسلم تسليما.



الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 43
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى