ترجمة الإمام البوصيري (رحمه الله)
صفحة 1 من اصل 1
ترجمة الإمام البوصيري (رحمه الله)
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة الإمام البوصيري (رحمه الله)هو: الإمام شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله الصنهاجي البوصيري، ولد البوصيري بقرية "دلاص" إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، في (أول شوال 608هـ = 7 من مارس 1213م) لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة "صنهاجة" إحدى قبائل البربر، التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى، ونشأ بقرية "بوصير" القريبة من مسقط رأسه، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب.
وقد تلقى البوصيري العلم منذ نعومة أظفاره؛ فحفظ القرآن في طفولته، وتتلمذ على عدد من أعلام عصره، ; وأخذ التصوف عن أبي العباس الرسيّ الذي خلف أبا الحسن الشاذلي في طريقته وكان بين البوصيري وشيخه علاقة حب ومودة، كما تتلمذ عليه عدد كبير من العلماء المعروفين، منهم: أثير الدين محمد بن يوسف المعروف بأبو حيان الغرناطي، وفتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد العمري الأندلسي الإشبيلي المصري، المعروف بابن سيد الناس... وغيرهما.
يذكر المستشرق الألماني بروكلمان أن البوصيري سكن المقدس لفترة استغرقت عشر سنوات وبعد ذلك انتقل للمدينة المنورة ومن ثَــمّ انتقل لمكة المكرمة ومكث فيها ثلاث عشرة سنة يدرس فيها القرآن ولقد قضى زمن طفولته كما يقضيه أترابه في تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وتلقي مبادئ العلوم فنشأ نزيه النفس عالي الهمة بعيدًا عن الدنايا راضيًا بالكفاف من الرزق ثُـمّ ترعرع في ممارسة الأدب والكتابة فبرز في الشعر والنثر تبريزًا حـبَّـبه إلى حكام عصره فولوه بعض الأعمال الكتابية في مديرية الشرقية ببلبيس وكان ذلك سنة 659 هـ فبقي في خدمة الدولة أربعة أعوام آثر بعدها أن ينشئ كتابًا لتعليم القرآن وفي هذه الأثناء كان يتردد عى الإسكندرية حيث الشيخ أبو العباس قد استقر فيها فلازمه وأخذ من تعاليمه.
أعمال البوصيرى:
ترك البوصيري عددًا كبيرًا من القصائد والأشعار ضمّها ديوانه الشعري الذي حققه "محمد سيد كيلاني"، وطُبع بالقاهرة سنة (1374 هـ= 1955م)، وقصيدته الشهيرة البردة "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"، والقصيدة "المضرية في مدح خير البرية"، والقصيدة "الخمرية"، وقصيدة "ذخر المعاد"، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان: "المخرج والمردود على النصارى واليهود"، وقد نشرها الشيخ "أحمد فهمي محمد" بالقاهرة سنة (1372 هـ= 1953م)، وله أيضا "تهذيب الألفاظ العامية"، وقد طبع كذلك بالقاهرة، كما أنه كان بارعا في الكتابة والخط.
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "المنح المكية بشرح الهمزية البوصيرية" ج1 ص105: "وإن من أبلغ ما مدح به النبي صلى الله عليه وسلم من النظم الرائق البديع، وأحسن ما كشف عن كثير من شمائله من الوزن الفائق المنيع، وأجمع ما حوته قصيدة من مآثره وخصائصه ومعجزاته، وأفصح ما أشارت إليه منظومة من بدائع كمالاته، ما صاغه صوغ البسر الأحمر، ونظمه نظم الدر والجوهر، الشيخ الإمام، العارف الكامل الهمام، المتفنن المحقق، البليغ الأديب المدقق، إمام الشعراء، وأشعر العلماء، وبليغ الفصحاء، وأفصح الحكماء، الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صنهاج بن هلال الصنهاجي...البوصيري" .
"..أخذ عنه الإمام أبو حيان، والإمام اليعمري أبو الفتح ابن سيد الناس، ومحقق عصره العز ابن جماعة...وغيرهم، وتوفي سنة ست أو سبع وتعين وستمائة"...
"...وكان من عجائب الدهر في النظم والنثر، ولو لم يكن له إلا قصيدته المشهورة بالبردة ...لكفاه بذلك شرفا وتقدما، كيف وقد ازدادت شهرتها إلى أن صار الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن...فاق أهل زمانه ورزقه الله تعالى من الشهرة والحظ ما لم يصل إليه أحد من أقرانه".
ووصف همزيته بقوله: "العذبة الألفاظ، الجزلة المباني، العجيبة الأوضاع، البديعة المعاني، العديمة النظير، البديعة التحرير، إذ لم ينسج أحد على منوالها، ولا وصل إلى عُلا حسنها وكمالها، حتى إن الإمام البرهان القيراطي المولود سنة ست وعشرين وسبعمائة المتوفى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، فإنه مع جلالته وتضلعه من العلوم النقلية والعقلية، وتقدمه على أهل عصره في العلوم العربية والأدبية، لا سيما علم البلاغة، ونقد الشعر، وإتقان صنعته، وتمييز حلوه من مره، ونهايته مع بدايته؛ أراد أن يحاكيها، ففاته الشنب، وانقطعت فيه الحيل، عن أن يبلغ من معارضتها أدنى أرب".
"وذلك لطلاوة نظمها، وحلاوة رسمها، وبلاغة جمعها، وبداعة صنعها، وامتلاء الخافقين بأنوار جمالها، وإدحاض دعاوى أهل الكتابين ببراهين جلالها، فهي دون نظائرها الآخذة بأزمة العقول، والجامعة بين المعقول والمنقول، والحاوية لأكثر المعجزات، والحاكية للشمائل الكريمة على سنن قطع أعناق أفكار الشعراء، عن أن تشرئب إلى محاكاة تلك المحكيات، والسالمة من عيوب الشعر، من حيث فن العروض، كإدخال عروض على آخر، وضرب على آخر، من حيث فن القوافي، كالإيطاء وهو تكرير لفظ القافية بمعناه قبل سبعة أبيات، وقيل عشرة، وكالإكفاء وهو اختلاف حرف الروي، والإقواء وهو اختلاف حركته...إلخ" ويكفيها شهادة من إمام مذهب الشافعية تبع له.
وقال الإمام العلامة المشارك محمد بن أحمد بنيس الفاسي رحمه الله في شرحه للهمزية ص6: "هو – رحمه الله الإمام العلامة الهمام، العارف بالله، الصادق في محبة سيدنا رسول الله؛ أبو عبد الله سيدي محمد بن سعيد..إلخ".
وممن شرح البردة من الأعلام: علي البسطامي، ومحمد بن محمد الغزي، ومحمد شيخ زادة، والقاضي بحر الهاروني، ومحمد بن يعقوب الفناري، وعلي اليزدي، وابن الصائغ، وحسين الخوارزمي، وابن هشام النحوي، وخالد الأزهري، ومحمد بن أحمد المحلي الشافعي، وخضر العطوفي، وطاهر ابن حسن المعروف بابن حبيب الحلبي، ومحمد ابن مرزوق التلمساني، وأحمد بن مصطفى، وجلال الدين الخجندي، وأبو شامة المقدسي، وأحمد الأزدي القصار، ويحيى بن منصور الحسني، وأحمد الشيرازي، ومحمد الكردي السهراني، وعلي القاري، والشهاب القسطلاني، وزكريا الأنصاري، وابن حجر المكي، وأبو الفضل المالكي، وعثمان العرياني، ومحمد الجوجري...وغيرهم عشرات من أئمة المشرق والمغرب.
وترجمت وشرحت للغات التركية، والفارسية، والألمانية، والإنجليزية، والتترية، والفرنسية، واللاتينية...إلخ، مما بدل على عظمة الإقبال عليها من كافة أمم العالم. كما ذكر ذلك د. محمد درنيقة في "معجم أعلام شعراء المدح النبوي" ص356.
المراجع: "فوات الوفيات" 3/ 362-369، و"الأعلام" للزركلي 6/ 139، ومعجم كحالة 10/ 28، و"الوافي بالوفيات" للصفدي 3/ 105-113، و"شذرات الذهب" 5/ 432، و"كشف الظنون" 2/ 1331-1336، وترجم له الشيخ محمد رشيد رضا في "الوحي المحمدي" ص135.
وأيضا:
البردة للبوصيري قدّم لها وعلّق عليها: أحمد عبد التواب عوض، دار الفضيلة، القاهرة 1996م، بردة المديح المباركة، شرح الدكتور أحمد عمر هاشم، دار المقطم للنشر والتوزيع القاهرة، 1995م، البوصيري شاعر المدائج النبويّة وعلمها، د. على نجيب عطوي، دار الكتب العلمية، بيروت،1995م، مجلة التراث العربي، دمشق ،العدد 89، س 33، مارس 2003م موقع المجلة على الإنترنيت، محمد زغلول سلام ، الأدب في العصر المملوكي، ج 1، ص 273، خط سير الأدب . عبد العزير قليقلة، القاهرة.
ويا أخي؛ لو كان في البردة أو الهمزية بعض الأبيات قد تستنكر، فإن بقية أبياتها البردة نحو مائة وسبعين، والهمزية نحو خمسمائة، كلها من عظيم الشعر، ورقيق المعاني، وجزيل الألفاظ، وبالغ العلوم .
وشيخ الإسلام ابن تيمية ذكر في المجلد الأول من كتاب "الاستغاثة" بأنه لا يكاد يخلو شعر من شعر المداحين في النبي صلى الله عليه وسلم، من تجاوزات، ولم يكفرهم أو يشتمهم، بل سمى الصرصري وشعره فيه من الاشتغاثات أكثر من البوصيري ب"حسان السنة"..فتنبه، واعلم كيف يعامل العلماء.
ثم يا أخي؛ يقبل في الشعر ما لا يقبل في غيره، فالشعر مبني على المبالغة في الوصف والتشبيه، وليس تقريرا لعقائد كما لا يخفى على مطلع، فها هي عائشة الصديقة رضي الله عنها تقول عن النبي صلى الله عليه وسلم:
خلقتَ مبرّأً من كل عيب === كأنك قد خلقت كما تشاء
فكأنها فضلت مشيئته على مشيئة الحق تعالى، ومشيئة الحق أبلغ وأحكم وأرقى كما لا يخفى، ولم يلمها أحد على ذلك .
ويكفي الرجل فضلا أن تفرغ لمدح سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم، فكان حريا أن يشفع لنا ذلك فيه، ونتأدب في الحديث عنه، كيف وقد تورط حسان بن ثابت رضي الله عنه في مسألة الإفك، فلم تطعن فيه عائشة، وغفرت له، ونهت عن الطعن فيه قائلة: لا أشتمه وهو القائل:
فإن أبي ومالي ثم عرضي==== لعرض محمد منكم وقاء
هدانا الله لما فيه رضاه، وتاب علينا وغفر لنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مواضيع مماثلة
» ترجمة مختصرة لشيخنا العلامة الأصولي أبي الطيب مولود السريري (حفظه الله)
» ترجمة الفقيه الأديب عبد الله التتكي العاطفي
» مقدمة في علم النسب لكاتبها (الحسين بن حيدر رحمه الله)
» منظومات علمية للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله-
» ترجمة الفقيه الأديب "سيدي صالح بن عبد الله الإلغي السوسي
» ترجمة الفقيه الأديب عبد الله التتكي العاطفي
» مقدمة في علم النسب لكاتبها (الحسين بن حيدر رحمه الله)
» منظومات علمية للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله-
» ترجمة الفقيه الأديب "سيدي صالح بن عبد الله الإلغي السوسي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى