منتدى المدرسة العتيقة توبكال هلالة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محاولة في التعريف بالتعليم العتيق (للمحفوظ سعيدي)

اذهب الى الأسفل

محاولة في التعريف بالتعليم العتيق (للمحفوظ سعيدي) Empty محاولة في التعريف بالتعليم العتيق (للمحفوظ سعيدي)

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد الأربعاء أغسطس 10, 2011 9:25 pm

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، أما بعد: فهذا موضوع جيد لأخينا المحفوظ سعيدي، حاول فيه التعريف ما معنى (التعليم العتيق) وذكر بعض تطوراته وتقلباته عبر التاريخ فقال:
أولا - مبحث حول التسمية
لا تفيد المعطيات المتوفرة لدينا بشكل دقيق حول معرفة الكيفية التي أصبح بها هذا النوع من التعليم ينعت بالعتيق. ولكن بوسعنا عرض بعض العناصر التي يمكن اعتبارها بمثابة مؤشرات من أجل الفهم.
قبل الاحتلال الأجنبي للمغرب أي خلال المرحلة الإسلامية حتى 1912 كان التعليم دينيا بالأساس، فلم تكن هناك حاجة لمنحه نعتا يميزه عن غيره لانعدام التعدد في هذا المستوى. وقد اعتاد دارسوا هذا الإرث التعليمي في هذه المرحلة على نعته بالتقليدي( ) أو بالأهلي( ) غير أن هذه النعوت هي تسميات ناتجة عن ملاحظة الدارسين الأجانب إذ لم يكن الفاعلون من داخل هذا الحقل التعليمي يطلقون هذه التسمية أو تلك.
وبخصوص الوثائق الرسمية الصادرة في عهد الحماية بشأن هذا التعليم فتفضل نعته بالإسلامي( ) وهناك على الأقل ظهير واحد صدر في منطقة النفوذ الفرنسي ينعت هذا التعليم بالتقليدي( ) كما نعته ظهير آخر صادر في منطقة النفوذ الإسباني بالتعليم الديني( ).
ويبدو أن تسمية التعليم العتيق سوف يوحي بها نقاش جرى بين أبناء المدارس العتيقة أنفسهم. فقد كان محمد العثماني( ) مكلفا بتحرير الكلمة( ) التي سيخاطب بها علماء سوس محمد الخامس بعد عودته من المنفى وتضمنت تلك الكلمة جملة من المطالب كان من بينها إصلاح المدارس السوسية التي نعتها محرر الكلمة بالأصيلة. وبعد عرض الكلمة على المختار السوسي أصر هذا الأخير على تعويض الأصيلة بالعتيقة فقبل العثماني بذلك رغم عدم اقتناعه بوجاهة التسمية.
وللإشارة فإن المختار السوسي سبق له أن كتب مؤلفا بعنوان المدارس العتيقة بسوس نظامها وأساتذتها( ) ليكون بذلك على حد علمنا أول من نعت هذه المنشآت التعليمية بالعتيقة. كما أن العثماني هو الآخر نشر مقالين في العدد الأول من جريدة العلم حول هذه المدارس حيث وصفها بالأصيلة( ). غير أن المختار السوسي نجح في حمل اقتراحه رفقة بعض علماء سوس في اتجاه دوائر القصر. وقد درج جيل الباحثين المعاصرين حول هذه المدارس بعد الاستقلال على تسميتها بالعتيقة وتقبلها المنتمون إليها لدرجة أن بعضهم ينعت طلبة وفقهاء تلك المؤسسات بالعتيقين. وفي المقابل ظلت بعض المؤسسات التقليدية للتعليم الديني محتفظة بأسمائها الخاصة كجامع القرويين وجامع ابن يوسف.
ونشير إلى أن مرحلة القبول بهذه التسمية واكبها نقاش أثير حول ما يتضمنه الوصف من نعت قدحي إذ يوحي حسب العثماني إلى تجاوز هذه المدارس وانتهاء مهمتها( ). لكن البعض يرى غير ذلك لأن الله وصف بيته بالعتيق( ) فلا يمكن أن يكون هذا المدلول قدحيا ويستعمله القرآن في مكان مقدس عند الله.
غير أن الاستعمال الرسمي لنعت هذه المدارس بالعتيقة قد حدث بمناسبة المراجعة الأخيرة للمنظومة التعليمية في إطار الميثاق الوطني للتربية والتكوين( ) وسيتوج ذلك بإصدار قانون خاص بالتعليم العتيق. ويقدم هذا القانون فكرة عما هو المقصود بالتعليم العتيق وذلك بحصر مؤسساته في الكتاتيب القرآنية والمدارس العتيقة وجامع القرويين( ) وقد حبذ الوزير المدغري تسمية التعليم العتيق لأنها ترتبط بالأساس بالمدارس العتيقة( ).
ومن ذلك يبدو أن واضعي مشروع القانون المنظم للتعليم العتيق قد استوحوا هذه التسمية من المدارس العتيقة، وهي التسمية التي تبناها المشرع دون غيرها من النعوت كالأصيل أو التعليم الديني مثلا. ومن الواضح أن تفادي التسمية الأولى يجنب الخلط بين هذا النوع من التعليم الذي أراد المشرع تنظيمه وهيكلته وبين التعليم الأصيل الذي كان يطلق على نوع من التعليم العمومي ويمتاز عنه بوفرة المادة الدينية في البرامج الدراسية. كما أن اصطلاح التعليم الديني أعم من أن يفيد ما هو مقصود بالتعليم العتيق حيث أن هذا الأخير ما هو الاجزأ من التعليم الدين المتخصص. تبقى الإشارة إلى أن النص الفرنسي للقانون المنظم للتعليم العتيق استعمل كلمة traditionnel ولا ندري مدى مطابقتها للكلمة العربية فهي أقرب إلى التقليدي منه إلى العتيق.
ثانيا- خصائص التعليم العتيق
علاوة على كونه جزءا من التعليم الديني المتخصص يتميز التعليم العتيق بكونه نموذجا تعليميا ممتدا في تجربة المغرب التاريخية، لذلك فهو يعتمد في طريقة التلقين على وسائل بيداغوجية تقليدية تتم بالخصوص بواسطة التلقي الشخصي للمعرفة الدينية.
I- التجذر التاريخي
منذ الفتح الإسلامي للمغرب حتى خضوعه للاستعمار كان النظام التعليمي السائد هو ما يطلق عليه اليوم التعليم العتيق الذي وإن تغيرت بعض ملامحه الشكلية فهو لا زال يحتفظ بالكثير من عناصره الأساسية. فالتجربة التعليمية للمغرب على هذا المستوى بدأت مع عقبة بن نافع الصحابي الفاتح الذي حضر بناء بعض المساجد بالمغرب كان من بينها رباط ماسة بالسوس الأقصى( ) واعتبارا لكون المساجد أماكن للتعبد والتعليم أيضا فإنه بتشييد تلك المساجد ستبدأ النواة الأولى لحركة التعليم بالمغرب الذي ما هو إلا تعليم الدين الإسلامي للمومنين الجدد وذلك على الرغم من عدم معرفتنا الدقيقة بمدى استعمال المساجد في تلك الحقبة التاريخية كفضاءات للتعليم. هذا بالإضافة إلى أن المعطيات التاريخية لا تسعف كثيرا في المعرفة الدقيقة بالظروف التي نشأت فيها المعاهد التعليمية كفضاء خاص بالتعليم. ويمكن القول أنه بات من شبه المؤكد أن إحداث المنشآت التعليمية ورعايتها غالبا ما يتم بمبادرة من الأهالي كل في منطقة نفوذه القبلية الحضرية، وأن الحكام غالبا ما يكتفون بمباركة ذلك خاصة حينما يرون فيه طريقة ناجعة لدعم إيديولوجية سلطتهم أو من أجل التأسيس الجديد لها. ويمثل تصرف الحكام إزاء القرويين( ) تجسيدا للحالة الأولى بينما تمثل الدعوة المرابطية والموحدية وحتى السعدية نموذجا للحالة الثانية( ).
وبغض النظر عن كل هذه الاعتبارات تظل الحاجة إلى المعرفة الدينية ضرورة اجتماعية أيضا الشيء الذي يفسر كون التعليم دينيا بالأساس يجعل من المتعلم في الحدود القصوى متخصصا في المعرفة الدينية.

II- التعليم العتيق تعليم ديني متخصص
كان الدين الإسلامي ولا يزال النواة التي عليها مدار التعليم العتيق بحيث يرتكز في أهدافه وبرامجه على تكوين المختصين في الميدان الديني. وتبين المقررات الدراسية التي يتم تداولها في مؤسسات التعليم العتيق إلى حد كبير هذه الخاصية، إذ أنه حتى بالنسبة للمواد التي يبدو للوهلة الأولى أنها غير ذات حمولة دينية بشكل خالص فهي تبرر بغايتها إعتبارا لكونها وسائل لفهم الخطاب الديني. وهكذا اعتاد رواد التعليم العتيق، شيوخا وطلبة،على إطلاق تسمية علوم الآلة على مختلف أصناف علوم العربية التي ليست لها صلة مباشرة بالمعرفة الدينية كالنحو واللغة والبلاغة والأدب وحتى المنطق. فكلها تعد من علوم الآلة التي تحيل على مجال معرفي يطغى على تعلمه واستيعابه البعد الوظيفي الداعي إلى الإقبال عليه، بحيث تعتبر علوما غير مرغوبة لذاتها وإنما لكونها أدوات مساعدة على الفهم الجيد للنص الديني. فالغاية الأولى والنهائية إذن هي التكوين الديني وكل ما يستلزمه بلوغ هذه الغاية فهو جزء لا ينفصل عن العملية بناء على القاعدة الأصولية ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ويبدو أن القانون المنظم للتعليم العتيق جاء منسجما مع هذه الخاصية حيث يضع هذا القانون من بين أهداف هذا التعليم تمكين المستفيدين منه من إتقان حفظ القرآن واكتساب العلوم الشرعية. كما أن حيثيات إصدار نفس القانون تعتبر أهمية التعليم العتيق في كونه "يساهم في إمداد البلاد بما تحتاج إليه من القيمين الدينيين والعلماء ذوي التكوين المتين" وهو بذلك يستجيب للحاجيات الدينية والدنيوية للمجتمع.
تبقى الإشارة إلى أن خاصية التخصص الديني لا تعني بالضرورة التمكن من العلوم الدينية بحيث تتفاوت درجة الإلمام من طالب إلى آخر حسب مدة الدراسة وحسب اهتمامه وذكاءه كذلك، وقد يكون من بين طلبة المنشآت التعليمية العتيقة من يستميلهم الأدب والشعر أكثر من الفقه فيصير أديبا وشاعرا دون أن يقطع الصلة بالمادة الدينية سيما وأن كل المنتمين للتعليم العتيق يفترض فيهم حفظ القرآن كاملا. وتلك هي الميزة الأساسية التي تميزهم عن غيرهم. هذا بالإضافة إلى أن بعض الوظائف الدينية التي يشغلها هؤلاء بعد انقطاعهم عن الدراسة لا تتطلب كلها الإلمام بجميع المعرفة الدينية فإمام الصلوات الخمس يكفي أن يجتمع لديه من العلم الديني ما يؤهله ليؤم الصلاة بالناس ويجيبهم على بعض الأسئلة الدينية البسيطة ولا يضيره أن يجهل ببعض الأمور التي لا تخل بصفته كإمام للصلاة.
III-‌‌‌‌ الخاصية التقليدية للعملية التعليمية
تعتبر وسائل نقل المعرفة جزاء من المعرفة ذاتها بحيث تعتبر السبيل إلى تطوير القدرات الفكرية للمتعلم. والتعليم العتيق ينهض على وسائل وأساليب تؤمن نقل مضامين المعرفة الدينية إلى المتعلمين حيث تمتاز بكونها تقليدية وعتيقة عتاقة هذا التعليم نفسه. وبغض النظر عن محتوى المعرفة الملقنة التي قلنا إنها دينية بالأساس، يمكن التمييز بين المعلم والوسائل الأخرى المستعملة كمؤشرين أساسين على الخاصية التقليدية للتعليم العتيق.
أما المعلم فهو في التعليم العتيق فقيه في الغالب( ) يحظى بالحد الأدنى من الاحترام من طرف الجميع، غير أنه لا يتوانى في ممارسة الحد الأقصى من سلطته على الوافدين عليه من أجل التعلم. وإذا كانت تلك السلطة يتم تصريفها بشكل كلي أي في شكل عنف رمزي ومادي في التعليم الأولي فإنه في المراحل الموالية غالبا ما يتم الاكتفاء بممارسة العنف الرمزي خاصة بعد تقدم سن المتعلمين الذين ترعرعوا في بيئة تعودوا فيها على الخضوع والطاعة.
وهكذا يتموضع الفقيه في قلب العملية التربوية اعتبارا لمكانته الدينية المبنية على احتكار سلطة المعرفة بالدين، ويزكي تلك المكانة صعوبة إمكانية الاطلاع المباشر على مصادر المعرفة في ظل انعدام أو قلة المراجع وأمام انتشار الأمية الشيء الذي يجعل عملية التلقي مباشرة ومشخصنة( ) حيث تفضي إلى إفراز علاقة خاصة بين أطراف العملية التربوية تنتهي في الحالات العادية إلى علاقة الشيخ والمريد. ووفقا لذلك يجعل الفقيه من نفسه غاية المتعلمين ما دام يعتبر الممر الإجباري لكل راغب في معرفة بعض شؤونه الدينية. ومما يدعم هذه الوضعية كون النموذج الذي يحكم تلقي المعرفة الدينية بمنشآت التعليم العتيق ينبني خصوصا على الباراديكم الايزوتيريكي Le paradigme ésotérique بحيث لا يكفي لبلوغ الهدف العلم بالدين وإنما كذلك الإيمان به وتجسيده في سلوكات وأخلاق المتعلم .
وهذا المسار يبدأ انطلاقا من اليوم الأول الذي يدخل فيه المتعلم إلى المسيد أو المدرسة حيث يتم إعداده من قبل ذويه لاقتحام محيطه الجديد، إذ يتم التركيز عادة على إسداء النصح له بعدم مخالفة أوامر الفقيه والتشبع بأخلاقه والورود من معين علمه مع المحافظة على إقامة الشعائر الدينية( ). وقد ينفرد الأب مع الفقيه لحظات قبل أن ينصرف حيث يدور بينهما حديث خاص بطريقة تربية الابن إذ لا يتردد في توصيته على القسوة على التلميذ كلما رأى ذلك ضروريا في تربيته تربية دينية( ).
وتستمر تلك العلاقة حتى بعد تخرج الطالب حيث يجود عليه الفقيه بوثيقة تثبت كفاءته بما هو مثبت فيها وتسمى هذه الوثيقة بالإجازة ولا تمنح إلا بعد أن يطالب بها الطالب وبعد اللقاء المباشر بين المجيز والمجاز إذ لا يشترط أن تكون العلاقة تعليمية بل يكفي أن تتم المعاشرة بين الطرفين مدة تمكن الشيخ من اتخاذ قرار صائب حول أهلية الطالب بالإجازة أو عدم أهليته.
أما المؤشر الثاني فيتجلى في الوسائل التعليمية التي تتأسس على الحفظ والاستظهار ويتم الاعتماد في ذلك على بعض الأدوات التي تجود بها الطبيعة كالقلم والصمغ الصنصار، التي تستعمل في الكتابة على اللوح. والكرار وفي أحيان كثيرة، العصا التي تصاحب عملية الحفظ( ).
هذا بالإضافة إلى الفضاء الذي يضم أطراف العملية التربوية ويطلق عليه الكتاب( ) أو المسيد وهو الشائع في استعمال بعض الباحثين تبعا لتسمية بعض الجهات المغربية له. والواقع أن المكان الخاص بالتعليم ما هو إلا جزء من المسيد حيث تتوزع فضاءات هذا الأخير بين جناح مخصص لإقامة الصلوات الخمس وآخر خاص بالوضوء وبجواره محل لتسخينه( )، إضافة إلى مقر إقامة الفقيه إذا لم تبن له الجماعة دار مستقلة عن المسجد.
وهكذا يبين الوصف السابق مدى قدرة هذا التعليم في المحافظة على شكله العتيق ومقاومته للتغيير، على أن الأمر لا يتعلق بنموذج واقعي تماما بحيث يغطي هذا التوصيف كل المؤسسات التعليمية العتيقة، إذ أصبح القبول بإدخال بعض مظاهر التحديث والعصرنة في القليل من مؤسسات التعليم العتيق متمثلة في استعمال السبورة مع الإبقاء على اللوح وتجديد البنايات وتعويضها بأخرى مبنية على النمط العصري وتجهيزها بالوسائل الدراسية كالمراجع، حتى الحواسيب الآلية. ولعل الإصلاح الذي سيعرفه هذا القطاع يعد بالكثير في اتجاه تطويره مع الحفاظ على خصوصياته
الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 42
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى