منتدى المدرسة العتيقة توبكال هلالة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شرح لحديث جابر في النهي عن البناء على القبور

اذهب الى الأسفل

 شرح لحديث جابر في النهي عن البناء على القبور Empty شرح لحديث جابر في النهي عن البناء على القبور

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد الأحد أبريل 21, 2013 6:38 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وآله،أما بعد:
فهذا شرح لطيف لحديث جابر في النهي عن البناء على القبور، فقد رواه الامام مسلم في صحيحه (2/ 667) فقال :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» اهـ

الشرح:
ــــــــــ

قال النووي:
وفي هذا الحديث كراهة تجصيص القبر والبناء عيه وتحريم القعود ... وقال أيضا: وأما البناء عليه فإن كان في ملك الباني فمكروه. شرح النووي على مسلم (7/ 27)

قال: علي القاريء:
والنهي في البناء للكراهة إن كان في ملكه ... وقال : وقد أباح السلف البناء على قبر المشايخ والعلماء والمشهورين ليزورهم الناس، ويستريحوا بالجلوس فيه اهـ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 1217)

قال الصنعاني:
ذهب الجمهور إلى أن النهي في البناء والتجصيص للتنزيه. سبل السلام (1/ 498)

قال المناوي:
(وأن يبني عليه) قبة أو غيرها فيكره كل من الثلاثة تنزيها. فيض القدير (6/ 309).

قال العلامة ابن الصديق الغماري - رحمه الله -:
إذا كان البناء على القبر في الملك فكرهه الجمهور كراهة تنزيه إذا أمن نبش سارق أو سبع أو سيل وقصد به إحكام البناء والبقاء والزينة وإلا جاز عندهم، وزاد المالكية التصريح بحرمته إذا قصد به المباهاة وأجازه آخرون مطلقاً.

وقيد الأكثرون جوازه إذا قصد به التمييز وصرح أكثرهم بحرمته ووجوب هدمه إذا وقع في الأرض الموقوفة للدفن ومنهم من قيده بما إذا كان كبيراً زائداً على قدر القبر وهذا أمر خارج عن حكم البناء نفسه، وفصل جماعة بين ما كان فوق القبر نفسه وبين ما كان حوله دائرً به كالحوش فأجازه الأكثرون، ومنهم من قيد بما إذا كان صغيراً على قدر الحاجة ولم يسقف ولم تطل أسواره ومنهم من صرح بجوازه ولو كان بيتاً وهو قول المحققين من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم.

قال ابن حزم في المحلى: فإذا بني عليه بيت أو قائم لم يكره ذلك اهـ.
وقال ابن مفلح في كتاب الفروع من فقه الحنابلة: وذكر صاحب المستوعب والمحرر: لا بأس بقية وبيت وحظيرة في ملكه لأن الدفن فيه مع كونه كذلك مأذون فيه اهـ وهو قول ابن القصار وجماعة من المالكية كما حكاه الحطاب في شرح المختصر.

قال العلامة أحمد بن الصديق الغماري (رحمه الله):
وهذا في حق عامة الناس وأما الأولياء والصالحون فنص جماعة على جوازه، بل استحبابه في حقهم تعظيماً لحرمتهم وحفظاً لقبورهم من الامتهان والاندثار الذي يعدم معه الانتفاع بزيارتهم والتبرك بهم.

وقد أفتى العز بن عبد السلام بهدم القباب والبيوت والأبنية الكثيرة الواقعة في قرافة مصر، لأنها واقعة في أرض موقوفة على دفن المسلمين واستثنى من ذلك قبة الإمام الشافعي قال: لأنها مبنية في دار ابن عبد الحكم وهذا منه ذهاب إلى جواز بناء القباب على مثل قبر الإمام الشافعي (رضي الله عنه) إذا كان ذلك في الملك ولم يكن في أرض الحبس.

بل أفتى الحافظ السيوطي باستثناء قبور الأولياء والصالحين ولو كانت في الأرض المحبسة ووافقه جماعة ممن جاءوا بعده من فقهاء الشافعية وقد ذكر هو ذلك في جزئه الذي سماه " بذل المجهود في خزانة محمود "
وهذا إنما هو لأجل كونها واقعة في الأرض الموقوفة وأما ما لم يكن فيها فقوله فيه الجواز مطلقاً.

وفي حواشي البحيرمي على شرح الخطيب على متن أبي شجاع: ولو وجدنا بناء في أرض مسبلة ولم يعلم أصله ترك لاحتمال أنه وقع بحق قياساً على ما قرروه في الكنائس. نعم استثنى بعضهم قبور الأنبياء والشهداء والصالحين ونحوهم قال البرماوي. وعبارة الرحماني: نعم قبور الصالحين يجوز بناؤها ولو بقية لإحياء الزيارة والتبرك قال الحلبي ولو في مسبلة وأفتى به وقال أمر به الشيخ الزيادي مع ولايته اهـ.

وفي المنتزع المختار من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار في فقه الأئمة الأطهار يعني الزيدية مع حواشيه: والثاني من المكروهات الأناقة بقبر الميت وهو أن يرفع بناؤه زائداً على قدر شبر فإن ذلك مكروه، وإنما يكره إذا كان الميت غير فاضل مشهور الفضل ولا بأس بما يكون تعظيماً لمن يستحقه كالمشاهد والقباب التي تعمر للأئمة والفضلاء فلو أوصى من لا يستحق القبة والتابوت بأن يوضع على قبره قال المؤيد بالله يمتثل لأنه مباح وقيل لا اهـ

ومذهب مالك هو ما جاء في النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات (1/ 652) قال:
من الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: وكره مالك أن يرصص على القبور بالحجارة والطين، أو يبنى عليها بطوب أو حجارة. قال: وكره هذه الْمَسَاجِد المتخذة على القبور. فأما مقبرة دائرة يبنى فيها مسجد يُصَلَّى فيه، لم أر به بأسا.

وفي الرسالة للقيرواني (ص: 54)
ويكره البناء على القبور وتجصيصها.

وفي البيان والتحصيل (2/ 220/254)
قال محمد بن رشد: كره مالك البناء على القبر... وقال: البناء على القبر على وجهين؛ أحدهما: البناء على نفس القبر، والثاني: البناء حواليه؛ فأما البناء على نفس القبر، فمكروه بكل حال؛ وأما البناء حواليه، فيكره ذلك في المقبرة من ناحية التضييق فيها على الناس، ولا بأس به في الأملاك - وبالله التوفيق.

وفي شرح العميري على العمل الفاسي والعمل بالبناء على القبور جاز أيضاً وقد كتب شيوخنا سيدي عبد القادر الفاسي: في ذلك بما نص المراد منه ولم ينزل الناس يبنون على مقابر الصالحين وأئمة الإسلام شرقاً وغرباً كما هو معلوم وفي ذلك تعظيم حرمات الله واجتلاب مصلحة عباد الله لانتفاعهم بزيارة أوليائه ودفع مفسدة المشي والحفر وغير ذلك، والمحافظة على تعيين قبورهم وعدم اندراسها، ولو وقعت المحافظة من الأمم المتقدمة على قبور الأنبياء لم تندرس وتجهل بل اندرس أيضاً كثير من قبور الأولياء والعلماء لعدم الاهتمام بها وقلة الاعتناء بأمرهم اهـ، ذكر ذلك لمن سأله عن البناء على ضريح مولانا عبد السلام بن مشيش نفعنا الله به وما يؤثر في النهي عن البناء على القبر إنما ذاك حيث يكون القصد به المباهاة والمفاخرة اهـ.

وفي مسائل المسناوي أنه سئل عن البناء على قبر الرجل والمرأة اللذين ترجى بركتهما في الحياة وبعد الموت بقصد التمييز والتعظيم لقبره ومقامه ويكون البناء حسناً بالتزليج هل يجوز ذلك أم لا؟ وعلى الجواز فهل من أنفق على ذلك البناء من ماله أو صنعه بيده يثاب على ذلك أو لا ثواب له؟. فأجاب إن البناء على من ذكر بقصد ما ذكر جائز بل مطلوب إذا كان في أرض مملوكة للباني لما ذكره بعض المحققين من شيوخ شيوخنا أن فيه جلب مصلحة الانتفاع بالصالحين ودفع مفسدة امتهانهم بالحفر والمشي وغير ذلك. إذ لولا البناء لاندرست قبورهم كما اندرست قبور الأنبياء عليهم السلام فتبطل زيارتهم وهي مطلوبة شرعاً - كما لا يخفى وقد أشار إلى مطلوبيتها وما فيها من الفوائد الشيخ الإمام العارف الرباني أبو إسحاق إبراهيم التازي الوهراني في قصيدته التي أولها.

وفي شرح السجلماسي على العمل الفاسي: مما جرى به العمل لفاس وغيره تحلية قبور الصالحين بالبناء عليها تعظيماً، كما أفتى به الإمام سيدي عبد القادر الفاسي والد الناظم ثم ذكر فتواه لاسابقة، ثم قال جواز البناء على القبور منقول عن ابن القصار وإذا كان ذلك على مطلق القبور مع عدم قصد المباهاة كان البناء بقصد تعظيم من يعظم شرعاً أجوز، بل حيث كان القصد بالبناء التعظيم ينبغي أن يكون مشرفاً بالبناء على البيوت بالنقش والتزويق، لأن ذلك كله من كمال التعظيم اهـ باختصار.

وفي شرح الرسالة لجسوس ويكره البناء على القبور وقد يجرم وقد يجوز إذا كان للتمييز ويستثنى قبور أهل العلم والصلاح فيندب لينتفع بزيارتهم .. بذلك جرى العمل عند الناس شرقاً وغرباً من غير نكير اهـ.

وفي شرح التوبشتي على المصابيح: وقد أباح السلف البناء على قبور المشايخ والعلماء المشهورين ليزورهم الناس وليستريحوا بالجلوس فيها اهـ.
وفي شرح زين العرب على المصابيح أيضاً: وقد أباح السلف البناء على قبور العلماء المشهورين والمشايخ المعظمين يزورها الناس.

وفي مصباح الأنام وجلاء الظلام للعلامة علي بن أحمد الحداد: ومن قال بكفر أهل البلد الذي فيه القباب وإنهم كالصنم فهو تكفير للمتقدمين والمتأخرين من الأكابر والعلماء والصالحين من جميع المسلمين من أحقاب وسنين مخالفاً للإجماع السكوتي على الأنبياء والصالحين عصور ودهور صالحة. قال تلميذ ابن تيمية الإمام بن مفلح الحنبلي في الفصول: القبة والحظيرة في التربة يعني على القبر إن كان في ملكه فعل ما شاء وإن كان في مسبله كره للتضييق بلا فائدة ويكون استعمالاً للمسبلة فيما لم توضع له اهـ. قال ابن القيم الحنبلي: ما أعلم تحت أديم السماء أعلم في الفقه على مذهب أحمد من ابن مفلح اهـ. وقوله في المسبلة بلا فائدة إشارة إلى أن المقبور غير عالم وولي أما هما فيندب قصدهما للزيارة كالأنبياء عليهم السلام وينتفع الزائر بذلك من الحر والبرد والمطر والريح والله أعلم لأن الوسائل لها حكم المقاصد.اهـ

وفي رسالة الشيخ إسماعيل التميمي التونسي: وأما البناء على القبور إذا كان حولها كالقبة والبيت والمدرسة وكان في ملك الباني فذهب اللخمي إلى المنع وذهب ابن القصار إلى الجواز ووافقه ابن رشد على ذلك فنقل عنه المواق البناء على نفس القبر مكروه وأما البناء حوله فإنما يكره من جهة التضييق على الناس ولا بأس به في الأملاك اهـ. ومن المعلوم في المذهب تقديم قول ابن رشد على اللخمي قضاء وفتياً لا سيما وقد وافق في ذلك ابن القصار وهو من كبار الأئمة النظار، وقد أشار بن ناجي إلى ترجيحه واعترض على المازري تشهيره للمنع قائلاً: لا أعرف من قال به إلا اللخمي قال يمنع بناء البيوت لأن ذلك مباهاة ولا يؤمن أن يكون فيها من الفساد. ولقائل أن يقول لا خلاف بينهما، لأن اللخمي علل بالمباهاة وعدم أمن الفساد وابن القصار لا يخالفه في ذلك، والكلام مفروض في الجواز الذاتي إذا سلم المحل مما يؤدي إلى المنع. فالقولان في وفاق ويصير البناء على قبور الصالحين قبة أوبيتاً أو مدرسة أو نحوها جائزاً من حيث ذاته وظاهر كلام من تكلم على الجواز أنه يجوز بناء مسجد عليه. ونقل بعض شراح الرسالة عن جمال الدين الأفقهي أنه استثنى بناء المسجد ولعله لما ورد من النهي في ذلك، والنهي معلل بسد الذريعة لأنه يؤدي إلى الصلاة إلى القبر فيؤدي إلى عبادتها فالمنع فيه عرض يزول بزوال ذلك العارض وكلامنا في جوازه من حيث ذاته اهـ.

هذا محصل ما لفقهاء المذاهب الأربعة وغيرها في المسألة. والصحيح الذي يدل عليه الدليل ويقتضيه النظر أن البناء حول القبر جائز سواء كان حوشاً أو بيتاً أو قبة أو مسجداً، وما يذكره الفقهاء من الشروط والاحترازات أمر خارج عن حكم البناء في ذاته، لأنها عوارض لها حكم خاص بها يوجد بوجودها وينتفى بانتفائها ككونه في الأرض الموقوفة أو المسبلة أو قصد به المباهاة أو الزينة ونحو ذلك ممايذكرونه فإنه لا تعلق له بحكم البناء فلا نتعرض له لأنه خروج عن الموضوع، وإنما المقصود بيان حكم البناء في ذاته وهو جائز حول القبر بالكتاب والسنة والإجماع والقياس كما سنذكره بعد أن نقدم مقدمة تمهد السبيل لقبول تلك الأدلة وتزيح الأشكال الواردة عليها من النصوص المعارضة لها بتحقيق معناها وبيان مراد الشارع ومقصوده منها بياناً يجمع بين ما يبدوظاهراً من التعارض بينها فنقول:

اعلم أن الخلاف في جواز البناء حول القبور إنما نشأ من الخطأ في الاستدلال وعدم إحكام النظر في الدليل من جهة عدم فهم معناه وتحقيقه أولا، ثم من جهة عدم فهم مراد الشارع من ذلك المعنى المفهوم ثانياً، ثم من جهة الإعراض عن النظر في الأدلة المعارضة له ثالثاً. فإن النهي الوارد في البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها غير عام في نفسه ولا في كل زمان بل هو خاص بنوع من أنواعه ثم هو غير تعبدي باتفاق بل هو معقول المعنى معلل بعلل يوجد بوجوها وينتفي بانتفائها شأن كل حكم معلل كما هو معروف. ومع هذا فهو أيضاً معارض بما هو أقوى منه مما يجب النظر في الجمع بينهما وجوب العمل بالنص والتمسك بالدليل ويحرم الإعراض عن أحدهما والتمسك بالآخر حرمة الإعراض عن النص ومخالفة الدليل لأن الكل شرع مفترض طاعته. واجب قبوله والعمل به فالإعراض عن أحدهما دون دليل، مسوغ إعراض عما أوجب الله طاعته وفرض على العبد اتباعه وتفريق بين المتماثلين وترجيح بين الدليلين بدون مرجح وهو باطل بالإجماع.

وأما الخطأ في فهم مراد الشارع ومقصوده فإن القائل بالكراهة لا يخلو أن يكون أعرض عنه وجمد على الظاهر كأنه تعبدي غير معقول المعنى ولا ظاهر العلة وليس هو كذلك بالاتفاق، لورود النصوص بالعلة أو يكون أخطأ في تعيين مراد الشارع وتحقيقه أو أصابه ولكنه أخطأ في عدم تنقيحه، فإنه لا بد من تحقيقه ثم تنقيحه حتى لا يعم ما هو خارج عنه غير داخل في حكمه أو أخطأ في اطراد العلة وهي غير مطردة ولا موجودة في كل بناء، وإنما هي موجودة في نوع من أنواعه فإن العلماء اختلفوا في العلة التي من أجلها نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البناء على القبر على أقوال:

القول الاول:
إن العلة في ذلك كون الجص والآجر مما مسته النار ولا ينبغي أن يقرب ذلك من الميت إما تفاؤلاً كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب الفأل الحسن ويستبشر به في الأقوال والأفعال والصفات والأسماء وسائر الأشياء، وإما لمعنى يعرفه الشارع فيما مسته النار. ولذلك أوجب منه الوضوء في أول الأمر ثم نسخه للضرورة ورفع الحرج والمشقة، بل هو من الفقهاء من لا يقول بنسخه ويتمسك بوجوب الوضوء منه، ولهذا المعنى لم يخصصوا النهي بظاهر القبر بل كرهوا البناء بالآجر داخل القبر لأن العلة واحدة بل هي داخل القبر أولى لقرب ما مسته النار من الميت وملاصقته لجسمه، وكأنهم أخذوا هذا من وضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الجريدة الرطبة على القبرين وقال: " لعله يخفف عنهما مالم تيبسا ". فرأوا أن ما مسته النار أشد من اليابس بالشمس والهواء. وهذا القول حكاه الحافظ العراقي في شرح الترمذي وذكره جمع من الفقهاء في كتبهم.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن زيد بن أرقم وجماعة.

قال ابن أبي شيبة ثنا معتمر بن سليمان عن ثابت بن زيد قال حدثني حمادة عن أنيسة بنت زيد بن أرقم قال: مات ابن لزيد يقال له سويد فاشترى غلام له أو جارية جصاً وآجره، فقال له زيد: ما تريد إلى هذا؟. قال: أردت أن أبني قبره وأجصصه. قال: جفوت ولغوت لا يقربه شيء مسته النار.
وقال أيضاًُحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن ليث عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال: إذا أنا مت فلا تؤذنوابي أحداً ولا تقربوني جصاً ولا آجراً ولا عوداً ولا تصحبنا امرأة.
وقال أيضاً حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم أنه كان يكره الآجرة. وقال أيضاً حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون الآجر في قبورهم.
حدثنا وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الآجر ويستحبون القصب ويكرهون الخشب.

القول الثاني:
إن العلة فيه وجود الثقل على الميت والمطلوب التخفيف عنه. قالوا: ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتسوية القبر وعدم وضع التراب فوقه. ونص الفقهاء على أنه يكره أن يجلب له تراب زائد على الذي خرج منه.
قال ابن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن محد بن إسحق عن تمامة بن شفي قال خرجنا غزاة في زمن معاوية إلى هذا الدرب وعلينا فضالة بن عبيد، قال فتوفى ابن عم لي يقال له نافع فقام معنا فضالة على حفرته، فلما دفناه قال: خففوا عن حفرته فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر بتسوية القبر.
القول الثالث:
إن العلة كون البناء فيه تمييز عن سائر قبور المسلمين حوله.
قال ابن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي فزارة عن مولى ابن عباس قال: قال لي ابن عباس: إذا رأيت القوم قد دفنوا ميتاً فأحدثوا في قبره ما ليس في قبور المسلمين فسوه بين قبور المسلمين. ونص على هذا أيضاً بعض القفهاء كالعدوي في حاشيته على شرح الرسالة وغيره.
القول الرابع:
إن البناء يمنع من دفن الغير معه، لأن قبور أهل الحجاز والأرض الصلبة على كيفية اللحد، كما رغب فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: ((اللحد لنا والشق لغيرنا)) رواه أحمد والطحاوي من حديث جرير. والأربعة من حديث ابن عباس. واللحد إذا وع البناء عليه لم يبق سبيل إلى دفن الغير فيه. ذكره بعض الفقهاء وشراح الحديث وأشار إليه السرخسي في المبوسط.
القول الخامس:
إن فيه تشبهاً بفعل الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أهل الجاهلية، لأنهم يضعون الرخام على قدر القبر أو يبنون فوقه. وقد بنيت الشريعة في كثير من أحكامها على مخالفة الكفار والمشركين ذكره ابن قدامة في المغني وأشار إليه ابن مفلح في الفروع.
القول السادس:
إنه في الزينة الدنيوية ولا ينبغي فعل ذلك بمن انتقل إلى الآخرة، وهذا نص عليه الشافعي في الأم، والسرخسي في المبسوط، وابن قدامة في المغني، وكثير من الفقهاء الحنفية.
القول السابع:
إنه يدعو إلى الجلوس على القبر. والجلوس عليه منهي عنه لما فيه من أذاية الميت بامتهانه ولهذا استحبوا أن يكون القبر مسنماً ولا يكون مسطحاً لأن التسنيم يمنه من الجلوس، ذكره بعضهم.
القول الثامن:
إنه يحول بين الميت وسماع النداء والذكر وتلاوة ما يتلى على قبره من القرآن وسلام المسلم عليه. ذكره ابن قدامة في المغني ونقله الحطاب عن بعض فقهائهم.
وذكره جمع منالشافعية واستدلوا بحديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((لا يزال الميت يسمع الأذان مالم يطين قبره)). وعلوم أن طمس القبر بالبناء أشد من طمسه بالطين والحديث المذكور هكذا يحتجون به من غير عزو ولا بيان حال وهو عند الحاكم في تاريخ نيسابور والديلي في مسند الفردوس من طريقه، ثم من رواية محمد بن القاسم بن مجمع ثنا أبو مقاتل السمرقندي ثنا محمد بن ثابت الأنصاري عن كثير بن شنطير عن الحسن عن عبد الله بن مسعود وكثيراً ليس بشيء وبأن أبا مقاتل قال ابن مهدي لا تحل الرواية عنه قال ابن الجوزي: غير أن المتهم بوضعه هو محمد بن القاسم فإنه كان عالماً رأساً في الذابين الوضاعين اهـ ولم يتعقبه الحافظ السيوطي بشيء وهكذا يحتج الفقهاء في أكثر مسائلهم بالموضوع والمنكر والواهي بعد اتفاقهم على عدم جواز الاحتجاج به.

فهذه العلل إنما يأتي أكثرها في البناء الواقع فوق القبر، لأنه الذي يقع به الثقل والطمس المانع من السماع والتشبه بالكفار ويمكن من الجلوس على القبر ويمنع من الدفن معه ويلتصق بالقبر وفوق الميت ما مسته النار لا مكان حول القبر بعيداً عنه كالقبة والبيت والمدرسة ونحوها.

قلت: إذا علم كل هذا، فقد تبين خطأ الذين يعللون هذا بخشية الفتنة بالاضرحة والشرك بهم، فهذا قول اخترعه القرنيون ومن يستصوب رأيهم ويستحسن مذهبهم من أهل هذه البلاد وغيرها ممن خفي عليه أمرهم وراج عليه تمويههم فقام يدعو إلى هدم ما بني من القباب على قبور الأولياء والصالحين متمسكاً في ذلك بأحاديث.
كحديث أبي الهياج الأسدي، وحديث جابر، وحديث عائشة ، عن أم حبيبة، وأم سلمة رضي الله عنهن الذي في الصحيحين وغيرهم من الاحاديث.

وقد تبين لك خطأهم في الاستدلال بهذه الاحاديث مما سبق، لعدم معرفتهم بقواعد الاستدلال، وتعليلاتهم العليلة والمخترعة التي لم يسبقوا إليها، مع ما في ذلك من تسفيه الأئمة وتزكية النفس، نسأل الله السلامة والعافية.

فإن المقصود بتلك القباب مجرد الاحترام وتعظيم قبور الصالحين وحفظها من الامتهان والاندراس الذي ينعدم به الانتفاع بزيارتهم والتبرك بهم، فإذا فرض وجود من بنى قبة أو مسجداً على قبر ليعبده ويتخذه قبلة فهذا كافر مرتد يجب قتله وهدم ما بناه، لأنه لم يبن مسجداً بل بنى كنيسة في صورة مسجد مع أن شيئاً من هذا لم يقع في هذه الأمة والحمد لله.
وكون بعض جهلة العوام يأتي عند قبور الصالحين من التعظيم ما يشبه صورته صورة العبادة لا يكون موجباً لكراهة البناء، لأن ذلك لم يأت من جهة البناء ولا هو العلة فيه، إنما علته الجهل بطرق التعظيم والحد اللائق به شرعاً، ولو كان البناء هو علة ذلك للزم ألا يتخلف عند وجوده مع أن جل من يزور الأولياء المتخذ عليهم القباب والمساجد لا يوجد منه ذلك، وإنما يوجد من قليلين جداً من بعض جهلة العوام. كما أنه يلزم أن لا يوجد إلا عند القبور المبني عليها مع أننا نرى بعض الجهلة يفعل ذلك أيضاً ببعض قبور الأولياء التي لم يبن عليها مسجد ولا قبة ةليس عليهم بناء أصلاً، ونراهم يحلفون بهم وينطقون في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شك.
وهم مع ذلك بعيدون عن قبورهم بل وعن مدنهم وعن أقطارهم فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هوكفر صراح في حق مولانا عبد القادر الجيلاني (رضي الله عنه) الموجود ضريحه ببغداد وبعد ما بين العراق والمغرب بعد بين المشرق والمغرب وكلهم لم يروا قبر الجيلاني ولا رأوا من رآه ولا من رأى من رآه إلى ما شئت من الإضافات، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء فيسجد له ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده ويجعل يديه من ورائه علامة على التسليم وفرط التضرع والإلتجاء ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى.
و عندنا بالمغرب من يقول عن القطب الأكبر مولانا عبد السلام ابن مشيش (رضي الله عنه) إنه الذي خلق الدين والدنيا!. ومنهم من قال والمطر نازل بشدة: يا مولانا عبد السلام ألطف بعبادك!!. فهذا كفر لم ينشأ عن مسجد ولا قبة فإن القطب ابن مشيش (رضي الله عنه) ليس عليه مسجد ولا زاوية ولا قبة، وإنما هو على رأس جبل بعيد عن الأبنية وحوله حوش بسيط غير مسقف، وداخل الحوش شجر وعشب وأحجار. والقبر لا يظهر له أثره ولا يعرف موضعه أحد، ومع هذا وصل اعتقاد العوام فيه إلى ما سمعت!. وكم من ولي عليه قبة عظيمة ومسجد ضخم واسع لا يزوره أحد بالإضافة إلى أنه يعتقد فيه إلى هذا الحد فإذا ليس ذلك من البناء ولا من القبة و المسجد، وإنما هو فرط الاعتقاد الذي قد ينشأ من ظهور الكرامات المتتابعة على يد ذلك الولي حتى يحصل بها التواتر وترسخ مكانته في نفوس الناس سواء الموجود في بلاده أو البعيد عنه، فلم يبق للمسجد والقبة في ذلك أثر أصلاً، وهؤلاء القرنيون النجديون قد هدموا القباب التي كانت بمكة والمدينة على الشهداء ومشاهير أهل البيت، وصيروا قبورهم مستوية بالأرض ومع ذلك فالناس يهرعون لزيارة تلك القبور ويتوسلون بها ويستغيثون عندها.

ولولا أن ابن سعود جاعل خفراء على مثل قبر حمزة سيد الشهداء (رضي الله عنه) يمنعون الناس من تقبيل القبر والسجود له ورفع الصوت بالاستغاثة به لما انقطع ذلك ولا ذهب بانهدام القبة فحمزة رضي الله عنه هو حمزة بقبة أو دون قبة وفاطمة الزهراء هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبة أو بدون قبة. وخديجة أم المؤمنين كذلك ومالك هو الإمام مالك. وهكذا سائر المدفونين بالبقيع والمعلاة من المشاهير لا دخل للبناء والقبة والمسجد في تعظيمهم وزيارتهم، وإنما الباعث على ذلك هو الاعتقاد الناشئ عن ولايتهم وصلاحهم ومكانتهم السامية عند ربهم الذي وضع لهم المحبة والاعتقاد في القلوب.
فكان على الجهلة القرنيين المبتدعة الضالين أن يهدموا الاعتقاد ويقلعوا أثره من النفوس ويقضوا على الصلاح والولاية والتقوى والخشية التي يكرم الله تعالى صاحبها، بوضع ذلك في القلوب حتى يستريحوا من تعظيم المخلوق والتوسل والاستغاثة به.
أم هدم البناء فلا يأتي لهم بنتيجة ولو أتى بها لما احتاجوا إلى حراس عند القبور يمنعون من ذلك بعد الهدم.

والمقصود أن البناء لا دخل له في تحقيق علة النهي وثبوتها في هذه العصور المتأخرة، بل ذلك قد زال من البناء وانتقل إلى المحبة والاعتقاد فلم يبق حكم متعلق بالبناء، وكان المتمسك بظاهر النهي المعرض عن تحقيق علته ومراد الشارع منه مخطئاً في حكمه غير مصيب في اجتهاده وفهمه. اهـ بتصرف.
من كتاب (إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور (ص: 4 وما بعدها) .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، والحمد لله رب العالمين ..
الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 43
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى