قصة انكار ابن مسعود على الذين يذكرون جماعة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين، وبعد: فهذه نبذة مختصرة في الكلام على قصة انكار ابن مسعود على الذين يذكرون الله جماعة، وقبل كل شيء يجب أن تعلم - اخي القارئ -ان هذه القصة التي يستدل بها البعض ليست في شيء من كتب السنة المعتمدة، وانما اخرجها بحشل في " تاريخ واسط " (ص 198 – تحقيق عواد) والدارمي (1 / 68 - 69) قال:

أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا. [ص:287] قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ. قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ»، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ». قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ» قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ "، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.اهـ

قال الالباني في "السلسلة الصحيحة" (5/12) "إسناده صحيح".
قلت: هذا مردود عليه، فالقصة ضعيفة منكرة لا تصح، وذلك أن " عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني الكوفي" ضعيف مجروح عند الجمهور، وهذه أقوالهم:

قال ابن عدي في كتابه الكامل (6/ 215)
1287- عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة.
حدثنا ابن أبي عصمة، حدثنا أحمد بن أبي يحيى، قال: سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة ليس بشيء.
حدثنا أحمد بن علي، حدثنا الليث بن عبدة، قال: سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة سمعت منه لم يكن يرضي.
وعمرو هذا ليس له كثير رواية ولم يحضرني له شيء فأذكره

وقال ابن الجوزي في كتابه الضعفاء والمتروكون (2/ 233)
2601 - عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة قال يحيى ليس حديثه بشيء وقال مرة لم يكن بمرضي.

وقال الامام الذهبي في المغني في الضعفاء (2/ 491)
4729 - عَمْرو بن يحيى بن عَمْرو بن سَلمَة قَالَ يحيى بن معِين لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء قد رَأَيْته.

وقال أيضا في ميزان الاعتدال (3/ 293)
6474 - عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة. قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشئ.
قد رأيته. وذكره ابن عدي مختصرا.

وقال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان ت أبي غدة (6/ 232)
عَمْرو بن يحيى بن عَمْرو بن سلمة.
قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء , قد رأيته.
وذكره ابن عَدِي مختصرا. انتهى.
وقال ابن خراش: ليس بمرضي.
وقال ابن عَدِي: ليس له كبير رواية , ولم يحضرني له شيء.

إذن فهو ضعيف عند الجمهور ولم يوثقه الا ابن حبان وابن معين في رواية مرجوحة، لأن ابن عدي ذكر عن ابن معين تضعيفه من طريقين، ولو فرضنا جدلا أن الاسناد صحيح، لكان الاثر ضعيفا لشذوذه، ومخالفته الثقات الذين رووه بدون القصة، وأيضا مخالفته النصوص الثابتة.
فلا يغتر بمثل هذا الاثر من كان عنده رائحة من علم الحديث، والله الموفق.

وقول الالباني :" ذكره ابن أبي حاتم عن ابن معين بإسناد صحيح بينما الجرح لم يثبت بطريق صحيح." هذا مردود.

لأن ابن عدي قال في الكامل: حدثنا أحمد بن علي، حدثنا الليث بن عبدة، قال: سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة سمعت منه لم يكن يرضي.اهـ
وهذا اسناد صحيح رجاله ثقات.

وترجح هذه الرواية على رواية ابن ابي حاتم بما استشهد به به ابن عدي ايضا قال:
حدثنا ابن أبي عصمة، حدثنا أحمد بن أبي يحيى، قال: سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة ليس بشيء.اهـ وهذا اسناد ضعيف، ولكنه يقوي الاول.

ولورجحنا رواية ابن ابي حاتم، لكان الجرح مقدم على التعديل، كما هو مقرر في الاصول، فالذين جرحوه أوثق وأكثر من الذين عدلوه.

واما يحيي بن عمرو والد المتقدم، فلم يوثقه سوى العجلي فيما أعلم وهو متساهل، ولولا ثوثيق العجلي هذا لحكمنا بأنه مجهول الحال.

وقول الالباني في "السلسلة" : " و لا يبعد أن يكون [ أي: يحيي بن عمرو] في " الثقات " لابن حبان"اهـ فلم أجده فيه.

وقول الالباني ايضا في نفس المصدر: "و للحديث طريق أخرى عن ابن مسعود في "
المسند " ( 1 / 404 ) , و فيه الزيادة , و إسنادها جيد , و قد جاءت أيضا في
حديث جمع من الصحابة خرجها مسلم في " صحيحه " ( 3 / 109 - 117 )"اهـ .

فالمقصود بالزيادة "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" وليس القصة، والله الموفق.

تــــــــــــــنـــــــــــبــــــــــــــيــــــــــــــه_:

قد وهِم الألباني رحمه الله في قوله: "كذا ساقه ابن أبي حاتم في كتابه " الجرح و التعديل " ( 3 / 1 / 269 ) , و ذكر في الرواة عنه جمعا من الثقات منهم ابن عيينة , و روى
عن ابن معين أنه قال فيه : " صالح ".اهـ

قلت: إنما ذكر ابن ابي حاتم هذا في ترجمة:" عمرو بن يحيى بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي" وهو غير "عمرو" الذي روى هذا الاثر، إذ أن اسمه هو: " عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة بن الحارث الهمداني"اهـ فليتنبه لهذا الوهم، وأيضا وهمه قبل هذا الوهم في كتابه " الرد على الشيخ الحبشي " ( ص 45 ) فقد ذكر أن تابعي هذه القصة هو عمارة بن أبي حسن المازني , و هو خطأ قد رجع عنه في السلسلة، والالباني رحمه الله يهم كثيرا، فلا يوثق بتصحيحاته ولا تضعيفاته حتى تغربل عند المتخصصين.

وهذا نص ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل(6/ 269) فيما أسلفناه:
1487 - عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة بن الحارث الهمداني سمع اباه روى عنه ابن أبي شيبة وابن نمير وعبد الله بن عمر وإبراهيم بن موسى وعبد الله
ابن سعيد الأشج سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال ذكره ابى عن اسحاق ابن منصور عن يحيى بن معين انه قال عمرو بن يحيى بن سلمة ثقة.

وقال في نفس الصفحة:
1488 - عمرو بن يحيى بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي روى عن أبيه روى عنه ابن عيينة وأبو سلمة وعبد الله بن عبد الوهاب لحجبي وابراهيم بن محمد الشافعي ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني وسويد بن سعيد سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن قال ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين انه قال عمرو ابن يحيى بن سعيد القرشى صالح. اهـ وهذا ما وهم فيه الالباني.

واما قول محقق كتاب مسند الدارمي الأستاذ حسين سليم أسد الداراني:
"اسناده جيد" فقد علمت ما فيه، زيادة على ان المذكور ليس من اهل التحقيق في شيء، فقد وقع في اخطاء كثيرة في تحقيقه هذا، والله ولي التوفيق، والهادي الى اقوم طريق، وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما.