الأنوار الهلالية في الرد على المخالفات البازية

الحمد لله الواجب وجوده وبقاؤه، الممتنع تغيره وفناؤه، العظيم قدره واستعلاؤه، العميم نعماؤه وآلاؤه الدالة على وحدانيته أرضه وسماؤه، المتعالية عن شوائب التشبيه والتعطيل صفاته وأسماؤه، ووأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما أما بعد:
فهذا موضوع فى الرد على بعض المنتسبين الى السلف بزعمهم ، وأثاروا بلبلة فى اذهان العامة بشبهاتهم، وادعوا أنهم ينتسبون الى السلف الاخيار، وأنهم يصح لهم الاجتهاد وترك ما درج عليه الائمة الابرار ، واجتمعت عليه كلمة المسلمين في كل الأقطار ، بل قد وجد في كتبهم ومقالاتهم الكذب على السلف أهل الاتباع ، والاستشهاد على دعاويهم بما في كتب أهل الكتاب والابتداع ، فخالفوا بذلك أهل الحق في جل الاصول والفروع، ولم يتورعوا عن تضليل الائمة الحفاظ ذوي النبوغ والجموع، سالكين ومقلدين في ذلك منهج إمامهم ابن تيمية الذي شذ عن الائمة ذوي السطوع، ولما رأيت كثيرا من الطلبة فضلا عن غيرهم اتبعهم دون أن يدري أنه مخدوع، استعنت بالله وتوكلت عليه في تبيين بعض أخطاء ومغالطات شيخهم ابن باز، مع الانصاف في الرد وعدم التعصب واللمز والنبز، فأقول وبالله التوفيق:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خطأه وعدم تنزيهه الله عن الجسمية كما هو مذهب السلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال ابن باز في مجموع الفتاوى (2/ 103)، ردا على العلامة المفسر الشيخ محمد علي الصابوني:
قوله [أي الصابوني]: (قام الدليل اليقيني على أن الله ليس بجسم) هذا الكلام لا دليل عليه؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة وصف الله سبحانه بذلك أو نفيه عنه، فالواجب السكوت عن مثل هذا؛ لأن مأخذ صفات الله جل وعلا توقيفي لا دخل للعقل فيه، فيوقف عند حد ما ورد في النصوص من الكتاب والسنة..اهـ

الرد عليه
ــــــــــــــــ

بل نفي الجسم على الله عليه أدلة قاطعة وبراهين ساطعة، وورد الكتاب بذلك ، قال تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ووجهه أنه لو جاز على الله أن يكون جسما، لوجب أن يكون محدثا ذا حيز وشغل في الوجود، لأن حقيقة الجسم أنه مؤلف مجتمع بدليل قولهم رجل جسيم وزيد أجسم من عمرو، وقوله تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247] فدل أَن مَا كَانَ جسما جَازَت عَلَيْهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَلَا تجوز الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان على الْبَارِي سُبْحَانَهُ.اهـ
وقد أجمع الائمة من السلف على نفي الجسمية على الله قبل أن يأتي ابن باز ، بل قبل إمامه ابن تيمية.

قال أبو نصر السجزي الحنفي (المتوفى: 444) في رسالته إلى أهل زبيد (ص:242) ناقلا الاجماع على أن الله ليس بجسم:
" ألا ترى أن الله سبحانه بالاتفاق واحد، حي، قادر، عالم، سميع، بصير، قوي، مريد، فاعل، وليس بجسم ولا في معناه".اهـ

ونقل أبو بكر الكلاباذي الحنفي(المتوفى: 380) في كتابه التعرف لمذهب أهل التصوف (ص: 39) أيضا إجماع العلماء من الصحابة ومن بعدهم من التابعين أن الله ليس بجسم، قال ما نصه: "وَأَجْمعُوا أَنه لَيْسَ بجسم وَلَا جَوْهَر وَلَا عرض".اهـ

وقال أبو الحسن الاشعري المالكي (ت/ 324 هـ) في كتابه: رسالة إلى أهل الثغر في الاجماع الخامس والثامن(ص: 122/124/128) " ولا يجب أن تكون أعراضاً؛ لأنه عز وجل ليس بجسم، وإنما توجد الأعراض في الأجسام"
وقال أيضا" (كما لا يجب) أن تكون نفس الباري عز وجل جسماً أو جوهراً، أو محدوداً، أو في مكان دون مكان، أو في غير ذلك مما لا يجوز عليه من صفاتنا لمفارقته لنا"
وقال " فإذا ثبت أنه عز وجل ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه نقلة أو حركة"

وقال القاضي ابو بكر الباقلاني المالكي ( المتوفى: 403) في كتابه تمهيد الأوائل (ص: 220)
"فَلَمَّا لم يجز أَن يكون الْقَدِيم مجتمعا مؤتلفا وَكَانَ شَيْئا وَاحِدًا ثَبت أَنه تَعَالَى لَيْسَ بجسم".اهـ

وقال الإمام أبو الفضل عبدالواحد بن عبدالعزيز بن الحارث التميمي الحنبلي (المتوفى: 410) الذي قال عنه الذهبي:
الإمام الفقيه ، رئيس الحنابلة ... كان صدوقا ، دفن إلى جنب قبر الإمام أحمد" اهـ
قال في كتابه اعتقاد الإمام المبجل أبي عبدالله احمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه (ص: 298) ما نصه:
" وأنكر [أي: الامام احمد]على من يقول بالجسم وقال إن الأسماء مأخوذة بالشريعة واللغة وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل".اهـ
وانظر رواية مثل هذا أيضا في كتاب : العقيدة لأبي بكر الخلال (ص: 111)

وقال العلامة الإمام المفتي أبو المظفر الإسفراييني الشافعي المتوفى(ت 471هـ) في كتابه التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين (ص: 14)
" وَقد جَاءَ إِيضَاح اللُّغَة فِي تَفْسِيره أَن الصَّمد هُوَ الَّذِي لَا جَوف لَهُ وَهَذَا يتَضَمَّن نفي النِّهَايَة وَنفي الْحَد والجهة وَنفي كَونه جسما أَو جوهرا لِأَن من اتّصف بِشَيْء من تِلْكَ الْأَوْصَاف لم يسْتَحل اتصافه بالتركيب وَوُجُود الْجوف لَهُ وتقرر بِهَذِهِ الْجُمْلَة وجوب الْمعرفَة بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات والتمييز بَين الْحق وَالْبَاطِل وَمن لم يتَحَقَّق لَهُ معرفَة نفي صفة الْبَاطِل لم يتَحَقَّق لَهُ معرفَة إِثْبَات صفة الْمعرفَة بِالْحَقِّ".اهـ
وقال في الصفحة (153) بعد أن ذكر الفرق المخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة:
" الْفَصْل الأول فِي بَيَان اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة السَّلِيم عَن جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من الضلالات فَهُوَ...:
" 10 - وَأَن تعلم أَن الْقَدِيم سُبْحَانَهُ لَيْسَ بجسم وَلَا جَوْهَر لِأَن الْجِسْم يكون فِيهِ التَّأْلِيف والجوهر يجوز فِيهِ التَّأْلِيف والإتصال وكل مَا كَانَ لَهُ الإتصال أَو جَازَ عَلَيْهِ الإتصال يكون لَهُ حد وَنِهَايَة وَقد دللنا على اسْتِحَالَة الْحَد وَالنِّهَايَة على الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقد ذكر الله تَعَالَى فِي صفة الْجِسْم الزِّيَادَة فَقَالَ: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247] فَبين أَن مَا كَانَ جسما جَازَت عَلَيْهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَلَا تجوز الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان على الْبَارِي سُبْحَانَهُ".اهـ

وقال الإمام أبو سعيد عبد الرحمن المتولي الشافعي (المتوفى 478 هـ):
مسألة: البارئ تعالى ليس بجسم، وذهب الكرامية إلى أنه تعالى جسم.اهـ


وقال ابن حزم الظاهري (456) في الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 92)
"وَأَيْضًا فَلَو كَانَ الْبَارِي تَعَالَى عَن إلحادهم جسماً لاقتضى ذَلِك ضَرُورَة أَن يكون لَهُ زمَان وَمَكَان هما غَيره وَهَذَا إبِْطَال التَّوْحِيد وَإِيجَاب الشّرك مَعَه تَعَالَى لشيئين سواهُ وَإِيجَاب أَشْيَاء مَعَه غير مخلوقة وَهَذَا كفر".اهـ

قَالَ أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد الملطى الْمَعْرُوف بالطرائفي (المتوفى: 377) في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع (ص: 19):"وَقد تقدم بِالرَّدِّ على النسطورية من النَّصَارَى أَن ذَا جسم وَكَيْفِيَّة لَا يكون إِلَهًا".اهـ

قلت: وهذا ما فعله بعض الوهابية (1) وأقرهم ابن باز عليه، وذلك أنهم لما لم يجدوا ما يستدلون به على عقيدة التشبيه في القرآن الكريم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ذهبوا يستدلون بحديث منكر موضوع على أن الانسان يشبه الله تعالى عما يقوله الضالون علوا كبيرا ، بل لم يكتفوا بهذا فذهبوا يعززون مذهبهم الخبيث بنصوص التوراة المحرفة ليروجوا على السفهاء عقيدتهم الباطلة، فقد قال صاحب كتاب ( عقيدة أهل الايمان !! في خلق أدم على صورة الرحمن ) الذي قرظه !! ابن باز !! طبعة دار اللواء الرياض ص 76) :
(( و أيضا فهذا المعنى عند أهل الكتاب من الكتب المأثوره عند الأنبياء كالتوراة فان في السفر الأول منها سنخلق بشرا على صورتنا يشبهها )).اهـ

ولا ادري بماذا سيرد الوهابية (1) على هذا الكلام الذي يؤصل عقيدة اليهود والرافضة من السبئية والكرامية وغيرهم !! ، وهل ما زالوا مصرين على نسبة مذهب ابن باز واتباعه الى مذهب اهل السنة والجماعة ام لا ؟؟؟؟ !!!!!!.

وصدق الشيخ محمد زاهد الكوثري إذ يقول (( و لو قلنا لم يبل الاسلام في الادوار الأخيره بمن هو أضر من أبن تيميه قي تفريق كلمة المسلمين لنا كنا مبالغين في ذلك و هو سهل متسامح مع اليهود يقول عن كتبهم انها لم تحرف تحريفا لفظيا ))؟؟؟؟!!!.
انظر كتاب الاشفاق على أحكام الطلاق طبعة دار ابن زيدون ( ص 72 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوهابية : حركة تطلق على أتباع محمد بن عبد الوهاب بن سليمان النجدي التميمي المولود بالعيينة بمنطقة نجد الموجودة في شبه الجزيرة العربية عام (1115هـ) والمتوفى سنة (1206هـ) ونسبوهم الى اسم ابي محمد لأنه كان مشهورا بابن عبد الوهاب ، ولم يشتهر باسمه وقامت هذه الحركة في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي على يد محمد بن عبد الوهاب ، ومحمد بن سعود حيث تحالفا لنشر الدعوة الوهابية وسموها بالدعوة السلفية على زعمهم .

وقد كانت بدايتهما في الدرعية لما أعلن محمد بن عبد الوهاب "الجهاد" برفقة الامير محمد بن سعود، فشنا سلسلة من الحروب (وكانوا يسمونها بالغزوات)، أخذوا فيها أموال خصومهم المسلمين (وكانوا يسمونها بالغنائم) وقتلوا العديد منهم نتيجة هذه الحروب وتغلبوا على أهل الحرمين الشريفين، فقامت بذلك الدولة السعودية الأولى، واستطاعت أن تصل إلى دمشق شمالاً وعمان جنوباً. وفي سنة 1818 م حاصرت القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا بن محمد علي باشا الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى ودمرتها، إلا أن الدولة السعودية تأسست من جديد في أوائل القرن العشرين تحت قيادة عبد العزيز بن سعود (1902 - 1953) مؤسس المملكة العربية السعودية الحالية.اهـ

وبهذا قال العلماء بأنهم خرجوا على الخلافة الإسلامية التي كانت تحت حكم العثمانيين، ويزعمون أنهم جاؤوا بالتوحيد والعقيدة الصحيحة لتطهير الأمة الإسلام من الشرك وعبادة الاثان، والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التي انتشرت في بلاد الإسلام مما تراها الحركة الوهابية مخالفة لجوهر الإسلام التوحيدي على حد زعمهم، وذلك مثل التوسل، والتبرك ، والمولد والبدع بصفة عامة دون استثناء. ، سالكين في ذلك طريقة الخوارج في الاستناد لنصوص الكتاب والسنة التي نزلت في حق الكفار والمشركين وتطبيقها على المسلمين ، ويرون أنهم هم أهل السنة الحقيقيون وهم الفرقة الناجية الوحيدة من النار، أما من خالفهم فإمّا كافر أو مبتدع ضال أو لديه أخطاء في العقيدة، ورد عليهم كثير من الائمة المعاصرين لهم وغيرهم، ولكن لم يعبؤوا بهم، واتبعوا أهواءهم.

وهذه قصيدة لمحمد بن عبد الله بن فيروز الأحسائي (المتوفى: 1216هـ) كمثال ينتقد فيها مذهب ابن عبد الوهاب، وذلك لما رحل إلى البصرة بعد استيلاء الوهابية على الاحساء في عهد عبد العزيز بن محمد، وكان هو وأبوه وجده من العلماء الحنابلة وكانت له مكانه كبيرة عند السلطان العثماني، وكان ممن يعارض محمد عبد الوهاب بقوة، ولذلك كفره الشيخ كفرا أكبرا ينقل من ملة الإسلام.

سَلامُ فِـرَاق لا سَـلامُ تَحـِيَّـةِ =عَلَى سَاكِنـِي نَجْدٍ وَ أَرْضِ اليَمَامَةِ
لَقَدْ زَعَمُوا أَهْـلُ الشَـقَاءِ بِأَنَّـهُم =عَلَى دِيْنِ حَقٍّ وَاصِبٍ وَ اسْـتِقَامَةِ
وَقَالُوا سِـوَاهُم كُل مَنْ كَانَ كَافِرَاً=لَقَد كَذَبُـوا وَ اللهِ هُم في ضَلالَـةِ
وَقِدْ حَاوَلُوا التَعْطِيْلَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ=وَلَفَّـقُوا دِيْنـَاً بِدْعَـةً أَيُّ بِدْعَـةِ
أَضَـلُّوْا بِجَـهْـلٍ هَذِهِ الأُمَّة الّتِي =لَقَدْ خَرَجَتْ لِلنَّـاسِ هُم خَيْرُ أُمَةِ
وَ بَدَّلُوا أَحْكَامَ الكِتَابِ جَمِيْـعُـهَا=وَ حَلَّلُوا شَيْئَاً حُرِّمَت في الشَرِيْعَـةِ
بِسَفْكِ دِمَاءٍ وَ انْـتِهـَاكِ مَحَـارِمٍ =وَ قَـتْلُ مُصَـلٍّ مُـتَـقٍ للهِ قَانِتِ
فَأَنْـشُـدُكُم بِاللهِ يَا أَهْـلَ دِيْنِـهِ =أَيُـعْرَفُ هَذَا مِنْ كِتَابٍ وَسُـنَّـةِ
بِأَيِّ دَلِـيْـلٍ أَمْ بِأَيَّـةِ حُـجَـةٍ =وَ فِي أَيِّ شَرْعٍ بَلْ بِأَيَّـةِ مِـلَّـةِ
يُبـَاحُ دِمَاءُ المُسْلـِمِيْنَ وَ مَالَـهُم=أَئِمـَّـةِ دِيْـنِ اللهِ خَيْرِ أَئِـمَّـةِ
فَكَم نَهَبُوا مَالاً وَ كَم سَـفَكُوا دَمَاً =وَكَم هَتـَكُوا عَنْ كُلٍّ خُوْدٍ جَمِيْلَةِ
فَلا تَـعْبؤُُوا يَا قَوْمُ فِيْهِم فَإِنَّـهُم=كِـلابٌ ذِيَابٌ لِلأَنَـامِ مُـضِـرَّةِ
فَـوَيْلٌ لَهُم مِنْ فِـعْلِهِم وَفِعَـالِهِم =وَوَيْلٌ لَهُم يَوْمَ المَـعَادِ بِـنِقْـمَـةِ
أَلا فَاخَبِـرُوْنِي أَيُّهَا القَوْم أَنْـتُـمُ=عَلَى أَيِّ دِيْنٍ أَم فَمِن أَيّ فِـرْقَـةِ
أَوَحْـيٌ إِلَيْكُم جَاء أَم خَـبَرٌ أَتَى=بِأَنَّكُمُ خَـيْـرُ القُـرُوْنِ وَقُـدْوَةِ
وَأَنْتُم خِيَارٌ الخَلْقِ طُـرَّاً بِزَعْـمِكُم =وَسَاحَتُكُم قَد فُضِّلَت كُلّ سَاحَـةِ

انتهى باختصار شديد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكذب على السلف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال أيضا في مجموع الفتاوى (3/ 70)
وليس من مذهب السلف أيضا نفي التجسيم ولا إثباته لأن ذلك لم يرد في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام سلف الأمة كما نص على ذلك غير واحد من أئمة السنة.

الرد عليه
ــــــــــــــــــــ

يكفي في الرد عليه ما نقله أبو الفضل التميمي (المتوفى: 410) رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها عن أحمد بن حنبل في كتابه (اعتقاد الإمام أحمد (ص/ 7- 8)، مخطوط.‏) قال:
"وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا ‏الاسم على ذي طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى ‏جسمًا لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل" أ هـ، ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب ‏أحمد وغيرُه.‏

وهذا الذي صرح به الامام أحمد بن حنبل من تنزيهه الله عن هذه الأشياء الستة هو ما قال به الأشاعرة والماتريدية وهم أهل ‏السنة الموافقون لأحمد وغيره من السلف في أصول المعتقد،
فليعلم الطالب أن نفي الجسم عن الله جاء به السلف، ‏فظهر أن ما ادعاه ابن باز أن السلف لم يتكلموا في نفي الجسم عن الله غير صحيح، فينبغي استحضار ما قاله الامام ‏أحمد فإنه ينفع في نفي تمويه ابن باز وغيره ممن يدعون السلفية والحديث.‏

وقال الامام ابو حنيفة النعمان في الفقه الأكبر (ص: 26)
"وَهُوَ شَيْء لَا كالأشياء وَمعنى الشَّيْء الثَّابِت بِلَا جسم وَلَا جَوْهَر وَلَا عرض وَلَا حد لَهُ وَلَا ضد لَهُ وَلَا ند لَهُ وَلَا مثل لَهُ...".اهـ

وفي الفقه الأكبر المنسوب للشافعي (ص: 11) :"اعلموا أن الباري تعالى ليس بجوهر ولاجسم ولاعرض ..."أهـ

ونقل القرافي في كتابه الذخيرة (13/ 234) عن الامام ابن يونس ( المتوفى: 451 هـ) صاحب الجامع لمسائل المدونة أنه قال: " أنكر مالك رواية أحاديث أهل البدع من التجسيم وغيره ".اهـ

ونقل الحافظ ابن حجر الهيثمي في المنهاج القويم (ص: 144) عن القرافي وغيره حكاية الاجماع عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم بالقول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم .اهـ

وقال الحافظ البيهقي المتوفى (458) في كتابه الاعتقاد (ص: 117)
وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف، فقلنا بها ونفينا عنها التكييف، فقد قال: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] ، وقال: {ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 4] ، وقال: {هل تعلم له سميا} [مريم: 65].اهـ

قلت: وقد تقدم الاجماع على نفي الجسمية عند السلف في قول الاشعري والكلاباذي وغيرهما، فعلم أن قول ابن باز محض التدليس والتلبيس والتضليل، فليتنبه لهذا، فقد سقطت عدالته في صحة نقله، وخان الامانة العلمية في واضح قوله، ولا غرابة فإنه لا ينقل الا أقوال امامه ابن تيمية بالحرف، فليس عنده ما يأهله االى تحري الضبط رواية ودراية، والله المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إثباته استطابة الروائح لله وتجويزه اتصافه بحاسة الشم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جاء في كتاب مسائل الامام ابن باز: ص 278 رقم [ 770 ]، الطبعة الأولى 1428هـ الذي رواه عنه تلميذه ابن مانع من سؤالاته له، أن إثبات صفة الشم لله عز وجل ليس ببعيد قال:
(( سؤال: هل يؤخذ من الحديث: ( أطيب عند الله من ريح المسك ) إثبات صفة الشم لله عز وجل؟

الجواب: ليس ببعيد.)) .اهـ

وقال علي الشبل في كتاب ((التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري)) (ص36) - والذي قَرَّظه عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: ((والاستطابة لرائحة خلوف فم الصائم من جنس الصفات العُلى، يجب الإيمان بها مع عدم مماثلة صفات المخلوقين))


الرد عليه
ــــــــــــــــ

هذا قول مبتدع محدث شنيع لم يقل به أحد من السلف في ما أعلم، بل نفيه هو المنقول عن العلماء قبل ظهور المذهب التيمي ، ولا يغتر بمن حرمه الله الاتباع ، وأورثه الابتداع.

قال الامام الحافظ العراقي (المتوفى: 806) في طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 95):

{الرابعة} اختلف في معنى كون هذا الخلوف أطيب من ريح المسك [ بعد الاتفاق على أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح الطيبة واستقذار الروائح الخبيثة فإن ذلك من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شيء فتستطيبه وتنفر من شيء فتتقذره ] على أقوال:

- (أحدها) قال المازري هو مجاز واستعارة؛ لأنه جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك من الصوم لتقريبه من الله تعالى. انتهى فيكون المعنى أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي إنه يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وذكر ابن عبد البر نحوه.

- (الثاني) أن معناه أن الله تعالى يجزيه في الآخرة حتى تكون نكهته أطيب من ريح المسك كما قال في المكلوم في سبيل الله (الريح ريح مسك) حكاه القاضي عياض.

- (الثالث) أن المعنى أن صاحب الخلوف ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا لا سيما بالإضافة إلى الخلوف وهما ضدان حكاه القاضي عياض أيضا.

- (الرابع) أن المعنى أنه يعتد برائحة الخلوف وتدخر على ما هي عليه أكثر مما يعتد بريح المسك وإن كانت عندنا نحن بخلافه حكاه القاضي أيضا.

- (الخامس) أن المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الحديث والذكر وسائر مجامع الخير قاله الداودي وابن العربي وصاحبا المفهم وبعض أصحابنا، وقال النووي إنه الأصح.

- (السادس) قال صاحب المفهم يحتمل أن يكون ذلك في حق الملائكة يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك...

قال الخطابي طيبه عند الله رضاه به وثناؤه عليه، وقال ابن عبد البر معناه أزكى عند الله وأقرب إليه وأرفع عنده من ريح المسك، وقال البغوي في شرح السنة معناه الثناء على الصائم والرضا بفعله، وقال القدوري من الحنفية معناه أفضل عند الله من الرائحة الطيبة ومثله قال الداودي من قدماء المالكية، وكذا قال أبو عثمان الصابوني وأبو بكر السمعاني وأبو حفص الصفار الشافعيون في أماليهم وأبو بكر بن العربي قال فهؤلاء أئمة المسلمين شرقا وغربا لم يذكروا سوى ما ذكرته ولم يذكر أحد منهم وجها تخصيصا بالآخرة بل جزموا بأنه عبارة عن الرضا والقبول ونحوهما مما هو ثابت في الدنيا والآخرة.اهـ

وقال الحافظ في فتح الباري (4/ 105)
"اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك [ مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح إذ ذاك من صفات الحيوان ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه ] .اهـ

وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (11/ 13)
"والله غني عن وصول الرائحة الطيبة إليه، فعلمنا يقينا أنه لم يرد بالنهي استبقاء الرائحة، وإنما أراد نهي الناس عن كراهتها".اهـ

فهذه أقوال الحفاظ الجهابذة ومنهم الحافظ العراقي – رحمه الله – الذي نقل الاتفاق على أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح ... فلا حول ولا قوة الا بالله، فهؤلاء هم الذين صدق عليهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا .اهـ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إثباته الظل لله ، تقدس وتنزه وتعالى عن ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جاء في مجموع فتاوى ابن باز أيضا (28/ 402) إثبات الظل لله فقال:
105 - مسألة في الصفات
س: في حديث السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فهل يوصف الله تعالى بأن له ظلا؟
ج: نعم كما جاء في الحديث، وفي بعض الروايات «في ظل عرشه » لكن في الصحيحين "في ظله"، فهو له ظل يليق به سبحانه لا نعلم كيفيته مثل سائر الصفات، الباب واحد عند أهل السنة والجماعة والله ولي التوفيق.

الرد عليه
ــــــــــــــــــ

في هذه المرة أنصف تلميذه ابن عثيمين في رياض الصالحين (1/466) فقال:
أن من ظن أن المراد بالظل هو ظل الرب_ عز وجل_ فهو مخطئ وجاهل .
وقال أيضا ما نصه:
" وليس المراد ظل نفسه جل وعلا؛ لأن الله نور السموات والأرض، ولا يمكن أن يكون الله ظلاً من الشمس، فتكون الشمس فوقه وهو بينها وبين الخلق، ومن فهم هذا الفهم فهو [ بليد أبلد من الحمار ] .اهـ
وقال أيضا:
" كيف يكون المراد بالظل ظل الرب عز وجل؟! لكن كما قلت: بعض الناس أجهل من الحمار، لا يدري ما يترتب على قوله الذي يقوله في تفسير كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يريد الرسول عليه الصلاة والسلام هذا.

فهذا تلميذه ابن عثيمين يعترف بجهل من يثبت الظل لله وأنه أجهل من الحمار...

فالقوم عندهم حيرة كبيرة في العقيدة، وهم مترددون فيها، مع أن العقيدة من العقد وهو الجزم، فالاحكام في العقيدة منحصرة في ثلاثة احكام كما قال ابن عاشر:
أقسام مقتضاه بالحصر تماز ... وهي الوجوب الاستحالة الجواز.

فأول ما يجب على المكلف هو معرفة ما يجب لله وما يجوز عليه وما يمتنع ، ولكن هذا هو حال الزائغين عن منهج السلف، الرافضين مذهب أسيادهم المعتبرين من ذوي الشرف.
وأما معنى الظل هنا كما فهمه الائمة –رحمهم الله- :منهم القاضي عياض هو: إضافة الظل إلى الله إضافة ملك، وكل ظله فهو ملكه .
وقال بدر الدين العيني : إضافة الظل إليه إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا عن غيره، كما يقال للكعبة: بيت الله، مع أن المساجد كلها ملكه. وأما الظل الحقيقي فالله تعالى منزه عنه، لأنه من خواص الأجسام، ويقال: المراد ظل العرش، ويؤيده ما رواه سعيد بن منصور بإسناد حسن من حديث سلمان، رضي الله تعالى عنه: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه) فذكر الحديث، ثم كونهم في ظل عرشه يستلزم ما ذكره بعضهم من أن معنى: (يظلهم الله) ، يسترهم في ستره ورحمته. تقول العرب: أنا في ظل فلان، أي: في ستره وكنفه، وتسمي العرب الليل: ظلا، لبرده، ويقال المراد من الظل: ظل طوبى أو ظل الجنة، ويرد هذا قوله: (يوم لا ظل إلا ظله) ، لأن المراد من اليوم المذكور يوم القيامة، والدليل عليه أن عبد الله بن المبارك صرح به في روايته عن عبد الله بن عمر على ما يجيء في كتاب الحدود، وظل طوبى أو ظل الجنة إنما يكون بعد استقرارهم في الجنة، وهذا عام في حق كل من يدخلها، والحديث يدل على امتياز هؤلاء السبعة من بين الخلق، ولا يكون ذلك إلا يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين، ودنت منهم الشمس، ويشتد عليهم حرها ويأخذهم الغرق ولا ظل هناك لشيء إلا ظل العرش.اهـ
يتبع إن شاء الله ...