هل النفس صفة لله
صفحة 1 من اصل 1
هل النفس صفة لله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذا جواب ما أشكل على بعض الاخوة، نجمله في ما يلي:
وأما ما قلت من أنهم أنهم يجعلون آيات النفس المضافة لله على ظاهرها، فالنفس تطلق في اللغة على عدة معان، ولكن الاصل فيها هو: خروج النسيم كيف كان، من ريح أو غيرها.
وتطلق على الروح
وتطلق على الدم، يقال: سالت نفسه. وفي الحديث: «ما ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه».
وعين الشيء، كما تقول:جاءني بنفسه.
وقدر دبغة مما يدبغ به الأديم من قرظ وغيره،
والعظمة، والعزة، والهمة، والأنفة، والعيب، والإرادة، والعقوبة، والسعة، والفسحة في الأمر، والجرعة، والري، والطويل من الكلام. يقال:كتب كتابا نفسا: أي: طويلا.
وأما في الاصطلاح: فهي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية،
إذا عُلم هذا فقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ} عموم يراد به الخصوص، والمراد كل نفس مخلوقة، فخرج بهذا نفسه تعالى، أي: ذاته، وهذا يشبه قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] فخرج ذات الله بالتخصيص العقلي.
وقوله: {ذائقة الموت} «الذوق» هاهنا مستعار، وحقيقة الذوق: هو الإحساس بالشيء؛ فلما كان يحس بالموت، سماه ذوقا مجازا، قال الشاعر:
(من لم يمت عبطة يمت هرما ... الموت كأس وكل الناس ذائقها)
وأما قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28]
فـ{نَفْسَهُ} هنا نائبة عن إياه، وهذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر، والنفس في مثل هذا راجع إلى الذات، لأن الشيء والنفس والذات والإسم عبارة عن الوجود، ونفس الشيء هو الشيء بعينه كقوله تعالى: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 66]: أي ليقتل بعضكم بعضا.
وقال الأعشى:
يوما بأجود نائلا منه إذا ... نفس البخيل تجهمت سؤالها
وفي الكلام حذف مضاف لأن التحذير إنما هو من عقاب وتنكيل ونحوه، قال ابن عباس والحسن: ويحذركم الله عقابه.
وأما قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]
قال القرطبي: أي تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك. وقيل: المعنى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم وقيل: تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه. وقيل: تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد وقيل: تعلم سري ولا أعلم سرك لأن السر موضعه النفس. وقيل: تعلم ما كان مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منك في دار الآخرة قلت: والمعنى في هذه الأقوال متقارب أي تعلم سري وما انطوى عليه ضميري الذي خلقته ولا أعلم شيئا مما استأثرت به من غيبك وعلمك.اهـ
وقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:41] معنى اصْطَنَعْتُكَ: جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان، وقوله: (لِنَفْسِي) إضافة تشريف، كما تقول بيت الله وقوله: الصيام لي ونحو ذلك وعبر بـ «النفس» عن شدة القرب وقوة الاختصاص. قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام 54] المراد بالنفس هنا أيضا ذاته: ذاته .اهـ
قلت: النفس إذا أضيفت في القرآن، فإما أن يراد بها الذات، فتكون غير صفة له تعالى، بل هي ذاته عز وجل، وهذا ما ذهب إليه ابن تيمية، وهو حق، انظر: (مجموع الفتاوى (9/ 292).
ولكن أخطأ في جعله هذا مطردا في جميع الأحوال، وذلك أنها قد تأتي صفة كما في قوله:{ وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] أي: علمك، ولا يصح هنا أن يراد به الذات، والله أعلم.
وأما قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37] أي: بمرأى منا، قاله: ابن عباس.اهـ قلت: وهذا يشبه قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] وعلى هذا يحمل قوله: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] وقوله:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [القمر: 14] وجمع لأنه أضيف إلى ضمير الجماعة، قال المفسرون معناه: بحفظنا إياك حفظ من يراك ويملك دفع السوء عنك.
وقوله: {ولتصنع على عيني} [طه: 39] «لتصنع» بكسر اللام وضم التاء على معنى ولتغدى وتطعم وتربى، وقرأ أبو نهيك «ولتصنع» بفتح التاء، قال ثعلب معناه لتكون حركتك وتصرفك على عين مني، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «ولتصنع» بسكون اللام على الأمر للغالب وذلك متجه. وقوله عَلى عَيْنِي معناه بمرأى مني وأمر مدرك مبصر مراعى، وأُفرد هنا لإضافته إلى ضمير الإفراد .اهـ
فهذه الآيات كلها ليس فيها أن لله عينا كما يزعمه المجسمة، وذلك لوجوه:
أحدها – أنها وردت بالجمع وهذا يقتضي أن لله أعينا كثيرة – تعالى الله عن ذلك وتقدس – ووردت في آية [طه: 39] بالافراد مما يدل على عدم إرادة الظاهر.
ثانيها – أنه إن نجعلنا [الباء] للإستعانة كما يقال: قطعت بالسكين، وكتبت بالقلم، فإن ذلك يقتضي أن يصنع نوح عليه السلام ذلك الفلك بتلك الأعين، وكذلك إن جعلنا الباء للظرفية بمعنى: (في) فإنه يقتضي أن يصنع نوح –عليه السلام- ذلك الفلك داخل تلك الاعين، وهذا باطل اضطرارا.
ثالثها - أنه ثبت بالدلائل النقلية والعقلية القطعية كونه تعالى منزها عن الأعضاء والجوارح والأجزاء والأبعاض، فوجب المصير فيه إلى التأويل.
وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وسلم تسليما.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذا جواب ما أشكل على بعض الاخوة، نجمله في ما يلي:
وأما ما قلت من أنهم أنهم يجعلون آيات النفس المضافة لله على ظاهرها، فالنفس تطلق في اللغة على عدة معان، ولكن الاصل فيها هو: خروج النسيم كيف كان، من ريح أو غيرها.
وتطلق على الروح
وتطلق على الدم، يقال: سالت نفسه. وفي الحديث: «ما ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه».
وعين الشيء، كما تقول:جاءني بنفسه.
وقدر دبغة مما يدبغ به الأديم من قرظ وغيره،
والعظمة، والعزة، والهمة، والأنفة، والعيب، والإرادة، والعقوبة، والسعة، والفسحة في الأمر، والجرعة، والري، والطويل من الكلام. يقال:كتب كتابا نفسا: أي: طويلا.
وأما في الاصطلاح: فهي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية،
إذا عُلم هذا فقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ} عموم يراد به الخصوص، والمراد كل نفس مخلوقة، فخرج بهذا نفسه تعالى، أي: ذاته، وهذا يشبه قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] فخرج ذات الله بالتخصيص العقلي.
وقوله: {ذائقة الموت} «الذوق» هاهنا مستعار، وحقيقة الذوق: هو الإحساس بالشيء؛ فلما كان يحس بالموت، سماه ذوقا مجازا، قال الشاعر:
(من لم يمت عبطة يمت هرما ... الموت كأس وكل الناس ذائقها)
وأما قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28]
فـ{نَفْسَهُ} هنا نائبة عن إياه، وهذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر، والنفس في مثل هذا راجع إلى الذات، لأن الشيء والنفس والذات والإسم عبارة عن الوجود، ونفس الشيء هو الشيء بعينه كقوله تعالى: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 66]: أي ليقتل بعضكم بعضا.
وقال الأعشى:
يوما بأجود نائلا منه إذا ... نفس البخيل تجهمت سؤالها
وفي الكلام حذف مضاف لأن التحذير إنما هو من عقاب وتنكيل ونحوه، قال ابن عباس والحسن: ويحذركم الله عقابه.
وأما قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]
قال القرطبي: أي تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك. وقيل: المعنى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم وقيل: تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه. وقيل: تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد وقيل: تعلم سري ولا أعلم سرك لأن السر موضعه النفس. وقيل: تعلم ما كان مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منك في دار الآخرة قلت: والمعنى في هذه الأقوال متقارب أي تعلم سري وما انطوى عليه ضميري الذي خلقته ولا أعلم شيئا مما استأثرت به من غيبك وعلمك.اهـ
وقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:41] معنى اصْطَنَعْتُكَ: جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان، وقوله: (لِنَفْسِي) إضافة تشريف، كما تقول بيت الله وقوله: الصيام لي ونحو ذلك وعبر بـ «النفس» عن شدة القرب وقوة الاختصاص. قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام 54] المراد بالنفس هنا أيضا ذاته: ذاته .اهـ
قلت: النفس إذا أضيفت في القرآن، فإما أن يراد بها الذات، فتكون غير صفة له تعالى، بل هي ذاته عز وجل، وهذا ما ذهب إليه ابن تيمية، وهو حق، انظر: (مجموع الفتاوى (9/ 292).
ولكن أخطأ في جعله هذا مطردا في جميع الأحوال، وذلك أنها قد تأتي صفة كما في قوله:{ وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] أي: علمك، ولا يصح هنا أن يراد به الذات، والله أعلم.
وأما قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37] أي: بمرأى منا، قاله: ابن عباس.اهـ قلت: وهذا يشبه قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] وعلى هذا يحمل قوله: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] وقوله:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } [القمر: 14] وجمع لأنه أضيف إلى ضمير الجماعة، قال المفسرون معناه: بحفظنا إياك حفظ من يراك ويملك دفع السوء عنك.
وقوله: {ولتصنع على عيني} [طه: 39] «لتصنع» بكسر اللام وضم التاء على معنى ولتغدى وتطعم وتربى، وقرأ أبو نهيك «ولتصنع» بفتح التاء، قال ثعلب معناه لتكون حركتك وتصرفك على عين مني، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «ولتصنع» بسكون اللام على الأمر للغالب وذلك متجه. وقوله عَلى عَيْنِي معناه بمرأى مني وأمر مدرك مبصر مراعى، وأُفرد هنا لإضافته إلى ضمير الإفراد .اهـ
فهذه الآيات كلها ليس فيها أن لله عينا كما يزعمه المجسمة، وذلك لوجوه:
أحدها – أنها وردت بالجمع وهذا يقتضي أن لله أعينا كثيرة – تعالى الله عن ذلك وتقدس – ووردت في آية [طه: 39] بالافراد مما يدل على عدم إرادة الظاهر.
ثانيها – أنه إن نجعلنا [الباء] للإستعانة كما يقال: قطعت بالسكين، وكتبت بالقلم، فإن ذلك يقتضي أن يصنع نوح عليه السلام ذلك الفلك بتلك الأعين، وكذلك إن جعلنا الباء للظرفية بمعنى: (في) فإنه يقتضي أن يصنع نوح –عليه السلام- ذلك الفلك داخل تلك الاعين، وهذا باطل اضطرارا.
ثالثها - أنه ثبت بالدلائل النقلية والعقلية القطعية كونه تعالى منزها عن الأعضاء والجوارح والأجزاء والأبعاض، فوجب المصير فيه إلى التأويل.
وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وسلم تسليما.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى