(رسالة التأنيب للسادة القراء بالتحزيب).
صفحة 1 من اصل 1
(رسالة التأنيب للسادة القراء بالتحزيب).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:
أقدم للطلبة الأقران، أهل الذكر والقرآن، على مر العصور والازمان، هدية بمناسبة دخول العشر الأواخر من شهر رمضان، وهي عبارة عن منظومة للشيخ العلامة السوسي "سيدي محمد الحنفي الطاطي" حفظه الله بـعنوان: (رسالة التأنيب للسادة القراء بالتحزيب).
يبين فيها أن قراءة القرآن جماعة بصوت واحد جائزة، إذا رعيت فيها قواعد القراءة، وهو مذهب مالكية سوس خصوصا والمغرب عموما، وهذا إذا لم تكن بصيغة (تحزّبت) التي لا تراعي قواعد القراءة ، وإلا حرمت اتفاقا.، وهذا نصها.
قال حفظه الله في المقدمة:
الحمد لله العظيم المنزل ... كتابه على النبي المرسَل
أفضل مرسَل بأفضل كتاب ... يهدي الخليقة إلى نهج الصواب
حمدا له سبحانه تكفلا ... دوما بحفظه من أن يبدلا
فكان محفوفا مدى الأزمان ... بحفظه من زيد أو نقصان
يرفع قوما مقرفين ويضع ... به رجالا من سراة المجتمع
ثم صلاته على الدوام ... على النبي صاحب المقام
سن لدى قراءة الآيات ... لقومه إزانة الاصوات
وقرأ القرآن بالترتيل ... كما به أمر في التنزيل
روى أبو داود أن زوجته ... هندا تقول إذ حكت قراءته
كانت قراءته حرفا حرفا ... وذلك الترتيل حقا صرفا
وآله نقلة القرآن ... نقل المشافهة والاتقان
والصحب آل الضبط والدراية ... لكل ما صحت به الرواية
والتابعين وجميع من سلف ... ومن قفى طريقهم من الخلف
هذا وإن النصح للقرآن ... من الفرائض على الأعيان
وكفروا من زاد فيه أو جحد ... منه ولو حرفا وهذا إن عمد
كذاك من به استخف يكفر ... كما عن القاضي عياض يؤثر
وقد رأيت غالب القراء ... في سوسنا يلحن في الاداء
ليست لهم بالسند العناية ... فدخل التحريف في الرواية
سواء الشيوخ والشباب ... كل يرى اللحن هو الصواب
ومع هذا المنكر المبين ... سكت جل علماء الدين
فقمت رغم قلة البضاعة ... بواجب النهي عن الفظاعة
محررا رسالة التأنيب ... للسادة القراء بالتحزيب
ولست أقصد بها الفضيحة ... وإنما القصد بها النصيحة
جعلها الله على الدوام ... نافعة لسائر الانام
آداب التلاوة
إن كتاب الله ليس يتلى ... إلا بما يرضي الاله الاعلى
مع الوقار والسكينة كما ... بزبدة المذهب قطعا علما
وبحضور القلب والتدبر ... فيه وبالتخصيص والتأثر
وبالتبري والترقي والحزن ... والخوف والخشوع والبكا حسن
وبالطهارة وبالتعظيم ... للذكر معْ منزله العظيم
وكن إذا تلوته مستقبلا ... إذا تأتى مطرقا مبتهلا
محترزا من زهمة الدخان ... والنظر المحظور للغلمان
مجتنبا للضحك واللغاط ... والنبر والهياط والمياط
من المهمات تجويد القرآن
قراءة القرآن بالتجويد ... نص عليها القوم بالتأكيد
والناس بين محسن مأجور ... وجاهل آثم أو معذور
فمن يطيق النطق بالفصيح ... العربي السلس الصحيح
لكنه أعرض عنه وعدل ... إلى القبيح العجمي واتكل
على الذي ألفه من حفظه ... مستغنيا برأيه وحدسه
وصده الكبر عن الرجوع ... إلى شيوخ الفن بالخضوع
فإن هذا النوع دون ريب ... مقصر غاش عظيم الذنب
ومن يكن ذا لكنة لم يستطع ... فذاك معذور والاثم مرتفع
كذاك من على الفصيح يقدر ... ولم يجد معلما فيعذر
ولم يحنث بعضهم من ائتلى ... فقال من بغير تجويد تلا
ليست قراءته بالقراءة ... إذْ خالف المرسوم بالجراءة
القراءة سنة متبعة
فيا أخي اعلم أنه جاء الاثر ... عن ابن ثابت وجاء عن عمر
وغيرهم من صحبة النبي ... وصح عن عروة والشعبيّ
الاقتراء سنة متبعه ... يأخذه الآخر عمن تبعه
فقارئ القرآن لا يزيد ... ما شاء أو ينقص ما يريد
فكل ما ليس بمشهور لدى ... أهل القراءة أئمة الهدى
أي ليس منقولا إلينا بالسند ... عنهم فذاك باطل لا يعتمد
لذلك فالحرص على الاداء ... بالضبط واجب على القراء
وذاك قِدْما عادة القراء ... الحاملين راية الاقراء
قد عرفوا المفتوح والممالا ... وأحسنوا المقصور والمطالا
وأتقنوا التسهيل والتحقيق ... واستعملوا التفخيم والترقيق
وغير ما ذكرته ثم خلف ... من بعدهم خلف بعكس من سلف
قد قرءوا بأنكر الاصوات ... مجتمعين محكم الآيات
فأفرطوا في المد والتمطيط ... وأشبعوا المقصور بالتعييط
ويرسلون نبرات مذهلة ... مرددين همهمات مُهوِلة
وسموا التحريف بالتحزيب ... يا ليتهم سموه بالتخريب
حكم قراءة الجماعة بصوت واحد
قراءة الناس بصوت واحد ... مجتمعين مثلا في المسجد
أو غيره فيها خلاف مستطر ... بين رجال العلم أنجم البشر
فمالك إلى الكراهة ذهب ... كما حكاه النووي وابن رجب
وذاك مقتضى كلام المتقي ... سحنون وعن ذاك الامام العتقي
وهو الذي شهره في المختصر ... أبو المودة خليل المشتهر
والنووي مال إلى استصواب ... مذهب من قال بالاستحباب
وجاء هذا القول في التبيان ... عن غير مالك من الاعيان
قلت: وقد جرى بهذا المذهب ... عملنا معشر أهل المغرب
من عهد مهديّ الموحدين ... وهْو من أعظم المحققين
لظاهر الاخبار والأثار ... وتبعا للسلف الأخيار
والمنع عن جميعهم إن تشتمل ... على الزيادة أو النقص نُقل
حكم القراءة بالتحزيب أو "الصيغة"
إذا علمت كل ما تقدما ... فصيغة التحزيب قطعا حَرّما
لأنها قراءة مذممة ... محدثة قبيحة محرمة
قد خرقت بكثرة الاخطاء ... قواعد الائمة القراء
فكل من دعا إلى التحزيب ... ناء عن الصواب والتصويب
لا تعتمد فيها على العموني ... من تبل البدعة بالكموني
ولا تقلد صاحب الاتحاف ... فإنه لم يفت بالانصاف
وليس في الاتحاف من دليل ... إلا على الضلال والتضليل
ألم يبح بالكشف والوجدان ... والذوق أن نزيد في القرآن
هل شطحات السادة الصوفية ... عدت من الادلة الشرعية ؟!
وصيغةُ التحزيب بالالحان ... مملوءة كالزيد والنقصان
ألا تراهم يقطعون المتصل؟ ... من المدود وكذاك المنفصل
وفصل الاشباع عن الاسباب ... يمنع إجماعا بلا ارتياب
أليس ذلك من النقصان ... يا أمة الاسلام في القرآن ؟
وبعضهم يزيد عند النعق ... في الوقف إشباعا بغير الحق
فأشبعوا فتحة حاء الحق ... حتى تصير ألفا بالزعق
والضمّ فوق الدال في روح القدس ... يصير بالصيحة واوا والسدس
وجعلوا الكسرة بالاشباع ... ياء إذا صاحوا بلا ارتداع
ككسرة الباء لدى الوقف على ... ربك بالزعق الشديد مثلا
أليس كل ذاك بالزيادة ... بلى ونحن من ذوي الشهادة
وأشبعوا الفتحة قبل اللين ... وقفا على خوف وريب دين
والمد في الواو وفي الياء ورد ... ولا يمد الحرف من قبل أحد
يتلى بقصر الحبس مد اللين ... وصح بالاشباع والتمكين
لكن أهل الزيغ يعمهون ... في الغي خاء الخوف يشبعون
وبعضهم يزيد بعد الوقف ... حرفا مجانسا لشكل الحرف
وبعضهم يزيد بعده ألف ... مثل يشاءا في يشاء إن يقف
وجعل تا تأنيث الاسم ألفا ... عند المحزبين وقفا عرفا
كقولهم في عمد ممددا ... وشبهه كمثل نار موصدا
وجعلها واوا مشددا سكن ... عند المحزبين في الوقف حسن
ألم تقف عصابة الاشرار ... بالحركات حالة اضطرار
في آخر الكِلْمة أو في الوسط ... وذا حرام ويح أهل الشطط
وزادوا بعد ألف التنوين ... مدة الاشباع أو التمكين
ظلما وعدوانا كمثل جمعا ... أذاً هدىً وأبداً ونفعا
وإنما الوارد فيه قدر ... حركتين حسب وهو القصر
وكل هذا خطأ جلي ... يمنعه العقلي والنقلي
وكم لهم من خطإ قبيح ... ليس له من سند صحيح
ينسبه الجهال للإمام ... عثمان ورش علم الاعلام
فأدغموا ما جاء بالاظهار ... عن شيخنا ورش بلا استنكار
وذاك نحو فاصفح عنهم عذت ... إذ دخلوا لبثت أو نبذت
لقد ذرأنا فإذا أفضتم ... وكذبت ثمود معْ أقرضتم
إدغام هذا النحو لحن منكر ... لأنه عند الامام يظهر
وبعضهم كل ممال قد تلا ... بخالص الكسر كتتلى والعلى
وفتحه لديهمُ معلوم ... والكل لحن فاحش مذموم
والظاء والذال بزاي أبدلوا ... والثاء سينا حيث جاءت جعلوا
كقولهم:"حيس اللزين زلموا" ... فاعجب لإجرام الذين أجرموا
وبعضهم ينطق بالاهمال ... في كل معجم بلا إشكال
هذا ومن غرائب الجهال ... تفخيمهم حروف الاستفال
وجعل الادغام أو الاخفاء ... والقلب إظهارا من الاخطاء
ومثله تفخيم ذي الترقيق ... وعكسه أيضا على التحقيق
كمن يرقق لورشٍ ذكرا ... وزراً وصهراً ستراً إمراً حجرا
فالمذهب الذي به الداني جزم ... تفخيم رائها لورش المحترم
وقال الاكثرون ممن يَعلم ... هذا هو المشهور والمقدم
وقد يفيد أن عكسه ضعف ... قول ابن بري "فتح كله عرف"
وهكذا تحقيق نقطة البدل ... جهل قبيح فانتبه يا من غفل
واصغ إلى قرائنا الأقحاح ... هل يستعيذون في الاستفتاح
لم يستعيذوا قط بالرحمن ... قبل القراءة من الشيطان
بل يبركون بالشيطان ... إن فتحوا تلاوة القرآن
هذا وأخطاء المحزبين ... كثيرة أربت على المئين
وإنما نبهت بالقليل ... على الكثير خشية التطويل
والزيد والنقصان في القرآن ... محرم يا معشر الاخوان
حرمه في شرحه الكبير ... العالم المعروف بالدرديري
بل أجمعت مذاهب الاسلام ... بأن ذلك من الحرام
إذ صح عن نبينا الأواه ... من زاد حرفا في كتاب الله
لعنه الاله والرسول ... وهو حديث ثابت مقبول
فمن هنا يظهر للبيب ... تحريم ما يسمى بالتحزيب
وذاك ما ورد في المعسول ... عن عدد جمّ من الفحول
كناصر الدين أبي العباس ... الجشتميِّ الزاهد الدراس
وكالفقيه الصالح المهذب ... صاحب شرح "المنهج المنتخب"
العالم العلامة المثالي ... محمد بن عليّ الهلالي
وكالفقيه الرعد ذي التحقيق ... والفهم والتحصيل والتدقيق
وكالأدوزي الأديب الأهيب ... سيدنا محمد بن العربي
وهكذا العلامة المختار ... تحريمها ومنعها يختار
وفي كتابه "المدارس" يقول ... هي بلا شك حرام يا سؤول
قلت: وكم من عالم فهيم ... جزم في التحزيب بالتحريم
كالقاضي أساي بفم الحصن ... وهو محقق عديم الحتن
والجكني شيخه "سداتي" ... ونجله وشيخنا الهوتاتي
ومثله العلامة الرباني ... مفتي الجنوب السيد العثماني
وغير هؤلاء من شموس ... علم الشريعة بقطر سوس
فمن أباحها بجد أو هزل ... بدعوى أنها جرى بها العمل
فقل له كذلك الخمور ... جرى بها العمل والسفور
كذلك الزنى فمن يقول ... هذا مباح غافل جهول
إذ ليس كل ما جرى به العمل ... والعرف مقبولا فدع عنك الجدل
فالعرف إما صالح فيقبل ... شرعا وإما فاسد فيهمل
ومن أباحها بدعوى أنها ... لهجة قومنا البرابر سها
إذ باللسان العربي قد نزل ... دليلنا لا العجميّ المبتذل
وعن رسولنا الجليل الاشنب ... قال اقرءوه بلحون العرب
ومستحلها بدعوى المصلحة ... كناصح الخرق بغير مِنصحة
إذ المناسب هنا ملغىً فلا ... يسمى مرسلا كما قد انجلى
فأيّ رادة وأيّ مصلحة ... في هذه القراءة المشلحة ؟
أليس في قراءة الترتيل ... غنىً عن التقعر الرذيل
وفتح باب اللحن والتصحيف ... مفسدة لديننا الحنيف
ما وضعت قواعد التجويد ... والرسم منذ زمن بعيد
إلا لحفظ ساحة القرآن ... عن الزيادة أو النقصان
هذا ومن قواعد الاصول ... قاعدة تدرى لدى الفحول
درء المفاسد مقدم على ... جلب المصالح كما تأصلا
كيفيات القراءة ثلاثة
ورتل القرآن ترتيلا كما ... أمرنا الله وأمره سما
إما بتحقيق وهذا مذهب ... ورش وحمزة وقالوا يندب
للمتعلم به الاخذ بلا ... تكلف وهْو منهج جلا
وإما بالحدر وللمكيِّ ... يُعزى اختياره وللبصريّ
من غير بتر وتباح الزمزمة ... وبعض الاعلام يذم الهذرمة
وإما بالتدوير وهو المعتمى ... عند جميعهم كما قد علما
ومن يزغ عما مضى فقد لحن ... لحنا خفيا أو جليا اعتلن
من ثم قام علماء الدين ... بالنهي عن قراءة التحزين
ومحدثات أخرى بالتنصيص ... كبدعة الترعيد والترقيص
ونغمة التحريف والتطريب ... كذاك ما يسمى بالتحزيب
فاحذر من التقعير والتقطيع ... للمدّ والتهوُّع الفظيع
وكل ما تمجه الاسماع ... أو نفرت عن مثله الطباع
وفي كلام حمزة الزيات ... نصيحة لسائر السادات
قال لبعضهم دع التكلف ... إذا تلوت الذكر والتعسف
فاللون فوق سحنة البياض ... يدعونه بالبرص المضاض
وما عدا الجعودة الممدوحة ... يسمى بالقطاطة القبيحة
كذاك ما زاد على القراءة ... ليس يسمى عندنا قراءة
وفقنا الله إلى اتباع ... سنة طه المرشد المطاع
هذا تمام نظمنا المفيد ... والحمد للمقتدر الحميد
صلى وسلم الاله الاعلى ... على النبيّ العربيّ الاولى
وآله وصحبه الثقات ... من زينوا القرآن بالاصوات .
انتهت المنظومة، وقد كتبها: أبو محمد جلال الدين أصياد الهلالي، عن عجل، فإذا وقفت أيها القارئ الكريم على خطإ أو تصحيف، فالمرجوا تنبيهي وإعلامي، إلى أن أراجعها عندما ييسر الله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:
أقدم للطلبة الأقران، أهل الذكر والقرآن، على مر العصور والازمان، هدية بمناسبة دخول العشر الأواخر من شهر رمضان، وهي عبارة عن منظومة للشيخ العلامة السوسي "سيدي محمد الحنفي الطاطي" حفظه الله بـعنوان: (رسالة التأنيب للسادة القراء بالتحزيب).
يبين فيها أن قراءة القرآن جماعة بصوت واحد جائزة، إذا رعيت فيها قواعد القراءة، وهو مذهب مالكية سوس خصوصا والمغرب عموما، وهذا إذا لم تكن بصيغة (تحزّبت) التي لا تراعي قواعد القراءة ، وإلا حرمت اتفاقا.، وهذا نصها.
قال حفظه الله في المقدمة:
الحمد لله العظيم المنزل ... كتابه على النبي المرسَل
أفضل مرسَل بأفضل كتاب ... يهدي الخليقة إلى نهج الصواب
حمدا له سبحانه تكفلا ... دوما بحفظه من أن يبدلا
فكان محفوفا مدى الأزمان ... بحفظه من زيد أو نقصان
يرفع قوما مقرفين ويضع ... به رجالا من سراة المجتمع
ثم صلاته على الدوام ... على النبي صاحب المقام
سن لدى قراءة الآيات ... لقومه إزانة الاصوات
وقرأ القرآن بالترتيل ... كما به أمر في التنزيل
روى أبو داود أن زوجته ... هندا تقول إذ حكت قراءته
كانت قراءته حرفا حرفا ... وذلك الترتيل حقا صرفا
وآله نقلة القرآن ... نقل المشافهة والاتقان
والصحب آل الضبط والدراية ... لكل ما صحت به الرواية
والتابعين وجميع من سلف ... ومن قفى طريقهم من الخلف
هذا وإن النصح للقرآن ... من الفرائض على الأعيان
وكفروا من زاد فيه أو جحد ... منه ولو حرفا وهذا إن عمد
كذاك من به استخف يكفر ... كما عن القاضي عياض يؤثر
وقد رأيت غالب القراء ... في سوسنا يلحن في الاداء
ليست لهم بالسند العناية ... فدخل التحريف في الرواية
سواء الشيوخ والشباب ... كل يرى اللحن هو الصواب
ومع هذا المنكر المبين ... سكت جل علماء الدين
فقمت رغم قلة البضاعة ... بواجب النهي عن الفظاعة
محررا رسالة التأنيب ... للسادة القراء بالتحزيب
ولست أقصد بها الفضيحة ... وإنما القصد بها النصيحة
جعلها الله على الدوام ... نافعة لسائر الانام
آداب التلاوة
إن كتاب الله ليس يتلى ... إلا بما يرضي الاله الاعلى
مع الوقار والسكينة كما ... بزبدة المذهب قطعا علما
وبحضور القلب والتدبر ... فيه وبالتخصيص والتأثر
وبالتبري والترقي والحزن ... والخوف والخشوع والبكا حسن
وبالطهارة وبالتعظيم ... للذكر معْ منزله العظيم
وكن إذا تلوته مستقبلا ... إذا تأتى مطرقا مبتهلا
محترزا من زهمة الدخان ... والنظر المحظور للغلمان
مجتنبا للضحك واللغاط ... والنبر والهياط والمياط
من المهمات تجويد القرآن
قراءة القرآن بالتجويد ... نص عليها القوم بالتأكيد
والناس بين محسن مأجور ... وجاهل آثم أو معذور
فمن يطيق النطق بالفصيح ... العربي السلس الصحيح
لكنه أعرض عنه وعدل ... إلى القبيح العجمي واتكل
على الذي ألفه من حفظه ... مستغنيا برأيه وحدسه
وصده الكبر عن الرجوع ... إلى شيوخ الفن بالخضوع
فإن هذا النوع دون ريب ... مقصر غاش عظيم الذنب
ومن يكن ذا لكنة لم يستطع ... فذاك معذور والاثم مرتفع
كذاك من على الفصيح يقدر ... ولم يجد معلما فيعذر
ولم يحنث بعضهم من ائتلى ... فقال من بغير تجويد تلا
ليست قراءته بالقراءة ... إذْ خالف المرسوم بالجراءة
القراءة سنة متبعة
فيا أخي اعلم أنه جاء الاثر ... عن ابن ثابت وجاء عن عمر
وغيرهم من صحبة النبي ... وصح عن عروة والشعبيّ
الاقتراء سنة متبعه ... يأخذه الآخر عمن تبعه
فقارئ القرآن لا يزيد ... ما شاء أو ينقص ما يريد
فكل ما ليس بمشهور لدى ... أهل القراءة أئمة الهدى
أي ليس منقولا إلينا بالسند ... عنهم فذاك باطل لا يعتمد
لذلك فالحرص على الاداء ... بالضبط واجب على القراء
وذاك قِدْما عادة القراء ... الحاملين راية الاقراء
قد عرفوا المفتوح والممالا ... وأحسنوا المقصور والمطالا
وأتقنوا التسهيل والتحقيق ... واستعملوا التفخيم والترقيق
وغير ما ذكرته ثم خلف ... من بعدهم خلف بعكس من سلف
قد قرءوا بأنكر الاصوات ... مجتمعين محكم الآيات
فأفرطوا في المد والتمطيط ... وأشبعوا المقصور بالتعييط
ويرسلون نبرات مذهلة ... مرددين همهمات مُهوِلة
وسموا التحريف بالتحزيب ... يا ليتهم سموه بالتخريب
حكم قراءة الجماعة بصوت واحد
قراءة الناس بصوت واحد ... مجتمعين مثلا في المسجد
أو غيره فيها خلاف مستطر ... بين رجال العلم أنجم البشر
فمالك إلى الكراهة ذهب ... كما حكاه النووي وابن رجب
وذاك مقتضى كلام المتقي ... سحنون وعن ذاك الامام العتقي
وهو الذي شهره في المختصر ... أبو المودة خليل المشتهر
والنووي مال إلى استصواب ... مذهب من قال بالاستحباب
وجاء هذا القول في التبيان ... عن غير مالك من الاعيان
قلت: وقد جرى بهذا المذهب ... عملنا معشر أهل المغرب
من عهد مهديّ الموحدين ... وهْو من أعظم المحققين
لظاهر الاخبار والأثار ... وتبعا للسلف الأخيار
والمنع عن جميعهم إن تشتمل ... على الزيادة أو النقص نُقل
حكم القراءة بالتحزيب أو "الصيغة"
إذا علمت كل ما تقدما ... فصيغة التحزيب قطعا حَرّما
لأنها قراءة مذممة ... محدثة قبيحة محرمة
قد خرقت بكثرة الاخطاء ... قواعد الائمة القراء
فكل من دعا إلى التحزيب ... ناء عن الصواب والتصويب
لا تعتمد فيها على العموني ... من تبل البدعة بالكموني
ولا تقلد صاحب الاتحاف ... فإنه لم يفت بالانصاف
وليس في الاتحاف من دليل ... إلا على الضلال والتضليل
ألم يبح بالكشف والوجدان ... والذوق أن نزيد في القرآن
هل شطحات السادة الصوفية ... عدت من الادلة الشرعية ؟!
وصيغةُ التحزيب بالالحان ... مملوءة كالزيد والنقصان
ألا تراهم يقطعون المتصل؟ ... من المدود وكذاك المنفصل
وفصل الاشباع عن الاسباب ... يمنع إجماعا بلا ارتياب
أليس ذلك من النقصان ... يا أمة الاسلام في القرآن ؟
وبعضهم يزيد عند النعق ... في الوقف إشباعا بغير الحق
فأشبعوا فتحة حاء الحق ... حتى تصير ألفا بالزعق
والضمّ فوق الدال في روح القدس ... يصير بالصيحة واوا والسدس
وجعلوا الكسرة بالاشباع ... ياء إذا صاحوا بلا ارتداع
ككسرة الباء لدى الوقف على ... ربك بالزعق الشديد مثلا
أليس كل ذاك بالزيادة ... بلى ونحن من ذوي الشهادة
وأشبعوا الفتحة قبل اللين ... وقفا على خوف وريب دين
والمد في الواو وفي الياء ورد ... ولا يمد الحرف من قبل أحد
يتلى بقصر الحبس مد اللين ... وصح بالاشباع والتمكين
لكن أهل الزيغ يعمهون ... في الغي خاء الخوف يشبعون
وبعضهم يزيد بعد الوقف ... حرفا مجانسا لشكل الحرف
وبعضهم يزيد بعده ألف ... مثل يشاءا في يشاء إن يقف
وجعل تا تأنيث الاسم ألفا ... عند المحزبين وقفا عرفا
كقولهم في عمد ممددا ... وشبهه كمثل نار موصدا
وجعلها واوا مشددا سكن ... عند المحزبين في الوقف حسن
ألم تقف عصابة الاشرار ... بالحركات حالة اضطرار
في آخر الكِلْمة أو في الوسط ... وذا حرام ويح أهل الشطط
وزادوا بعد ألف التنوين ... مدة الاشباع أو التمكين
ظلما وعدوانا كمثل جمعا ... أذاً هدىً وأبداً ونفعا
وإنما الوارد فيه قدر ... حركتين حسب وهو القصر
وكل هذا خطأ جلي ... يمنعه العقلي والنقلي
وكم لهم من خطإ قبيح ... ليس له من سند صحيح
ينسبه الجهال للإمام ... عثمان ورش علم الاعلام
فأدغموا ما جاء بالاظهار ... عن شيخنا ورش بلا استنكار
وذاك نحو فاصفح عنهم عذت ... إذ دخلوا لبثت أو نبذت
لقد ذرأنا فإذا أفضتم ... وكذبت ثمود معْ أقرضتم
إدغام هذا النحو لحن منكر ... لأنه عند الامام يظهر
وبعضهم كل ممال قد تلا ... بخالص الكسر كتتلى والعلى
وفتحه لديهمُ معلوم ... والكل لحن فاحش مذموم
والظاء والذال بزاي أبدلوا ... والثاء سينا حيث جاءت جعلوا
كقولهم:"حيس اللزين زلموا" ... فاعجب لإجرام الذين أجرموا
وبعضهم ينطق بالاهمال ... في كل معجم بلا إشكال
هذا ومن غرائب الجهال ... تفخيمهم حروف الاستفال
وجعل الادغام أو الاخفاء ... والقلب إظهارا من الاخطاء
ومثله تفخيم ذي الترقيق ... وعكسه أيضا على التحقيق
كمن يرقق لورشٍ ذكرا ... وزراً وصهراً ستراً إمراً حجرا
فالمذهب الذي به الداني جزم ... تفخيم رائها لورش المحترم
وقال الاكثرون ممن يَعلم ... هذا هو المشهور والمقدم
وقد يفيد أن عكسه ضعف ... قول ابن بري "فتح كله عرف"
وهكذا تحقيق نقطة البدل ... جهل قبيح فانتبه يا من غفل
واصغ إلى قرائنا الأقحاح ... هل يستعيذون في الاستفتاح
لم يستعيذوا قط بالرحمن ... قبل القراءة من الشيطان
بل يبركون بالشيطان ... إن فتحوا تلاوة القرآن
هذا وأخطاء المحزبين ... كثيرة أربت على المئين
وإنما نبهت بالقليل ... على الكثير خشية التطويل
والزيد والنقصان في القرآن ... محرم يا معشر الاخوان
حرمه في شرحه الكبير ... العالم المعروف بالدرديري
بل أجمعت مذاهب الاسلام ... بأن ذلك من الحرام
إذ صح عن نبينا الأواه ... من زاد حرفا في كتاب الله
لعنه الاله والرسول ... وهو حديث ثابت مقبول
فمن هنا يظهر للبيب ... تحريم ما يسمى بالتحزيب
وذاك ما ورد في المعسول ... عن عدد جمّ من الفحول
كناصر الدين أبي العباس ... الجشتميِّ الزاهد الدراس
وكالفقيه الصالح المهذب ... صاحب شرح "المنهج المنتخب"
العالم العلامة المثالي ... محمد بن عليّ الهلالي
وكالفقيه الرعد ذي التحقيق ... والفهم والتحصيل والتدقيق
وكالأدوزي الأديب الأهيب ... سيدنا محمد بن العربي
وهكذا العلامة المختار ... تحريمها ومنعها يختار
وفي كتابه "المدارس" يقول ... هي بلا شك حرام يا سؤول
قلت: وكم من عالم فهيم ... جزم في التحزيب بالتحريم
كالقاضي أساي بفم الحصن ... وهو محقق عديم الحتن
والجكني شيخه "سداتي" ... ونجله وشيخنا الهوتاتي
ومثله العلامة الرباني ... مفتي الجنوب السيد العثماني
وغير هؤلاء من شموس ... علم الشريعة بقطر سوس
فمن أباحها بجد أو هزل ... بدعوى أنها جرى بها العمل
فقل له كذلك الخمور ... جرى بها العمل والسفور
كذلك الزنى فمن يقول ... هذا مباح غافل جهول
إذ ليس كل ما جرى به العمل ... والعرف مقبولا فدع عنك الجدل
فالعرف إما صالح فيقبل ... شرعا وإما فاسد فيهمل
ومن أباحها بدعوى أنها ... لهجة قومنا البرابر سها
إذ باللسان العربي قد نزل ... دليلنا لا العجميّ المبتذل
وعن رسولنا الجليل الاشنب ... قال اقرءوه بلحون العرب
ومستحلها بدعوى المصلحة ... كناصح الخرق بغير مِنصحة
إذ المناسب هنا ملغىً فلا ... يسمى مرسلا كما قد انجلى
فأيّ رادة وأيّ مصلحة ... في هذه القراءة المشلحة ؟
أليس في قراءة الترتيل ... غنىً عن التقعر الرذيل
وفتح باب اللحن والتصحيف ... مفسدة لديننا الحنيف
ما وضعت قواعد التجويد ... والرسم منذ زمن بعيد
إلا لحفظ ساحة القرآن ... عن الزيادة أو النقصان
هذا ومن قواعد الاصول ... قاعدة تدرى لدى الفحول
درء المفاسد مقدم على ... جلب المصالح كما تأصلا
كيفيات القراءة ثلاثة
ورتل القرآن ترتيلا كما ... أمرنا الله وأمره سما
إما بتحقيق وهذا مذهب ... ورش وحمزة وقالوا يندب
للمتعلم به الاخذ بلا ... تكلف وهْو منهج جلا
وإما بالحدر وللمكيِّ ... يُعزى اختياره وللبصريّ
من غير بتر وتباح الزمزمة ... وبعض الاعلام يذم الهذرمة
وإما بالتدوير وهو المعتمى ... عند جميعهم كما قد علما
ومن يزغ عما مضى فقد لحن ... لحنا خفيا أو جليا اعتلن
من ثم قام علماء الدين ... بالنهي عن قراءة التحزين
ومحدثات أخرى بالتنصيص ... كبدعة الترعيد والترقيص
ونغمة التحريف والتطريب ... كذاك ما يسمى بالتحزيب
فاحذر من التقعير والتقطيع ... للمدّ والتهوُّع الفظيع
وكل ما تمجه الاسماع ... أو نفرت عن مثله الطباع
وفي كلام حمزة الزيات ... نصيحة لسائر السادات
قال لبعضهم دع التكلف ... إذا تلوت الذكر والتعسف
فاللون فوق سحنة البياض ... يدعونه بالبرص المضاض
وما عدا الجعودة الممدوحة ... يسمى بالقطاطة القبيحة
كذاك ما زاد على القراءة ... ليس يسمى عندنا قراءة
وفقنا الله إلى اتباع ... سنة طه المرشد المطاع
هذا تمام نظمنا المفيد ... والحمد للمقتدر الحميد
صلى وسلم الاله الاعلى ... على النبيّ العربيّ الاولى
وآله وصحبه الثقات ... من زينوا القرآن بالاصوات .
انتهت المنظومة، وقد كتبها: أبو محمد جلال الدين أصياد الهلالي، عن عجل، فإذا وقفت أيها القارئ الكريم على خطإ أو تصحيف، فالمرجوا تنبيهي وإعلامي، إلى أن أراجعها عندما ييسر الله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى