العشر الاواخر من رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله البر الجواد الذي جلت نعمه عن الاحصاء والاعداد خالق اللطف والارشاد الهادى إلى سبيل الرشاد الموفق بكرمه لطرق السداد المان بالاعتناء بسنة حبيبه وخليله عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى من لطف به من العباد المخصص هذه الامة زادها الله شرفا بعلم الاسناد الذي لم يشركها فيه أحد من الأمم على تكرر العصور والآباد أما بعد :

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» ج ص (3/ 47) هذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، «إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر» ج ص (2/832).
وفي رواية لمسلم عنها قالت:
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» ج ص (2/ 832).
وفي رواية عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح (4/ 254)
7704 - عن ابن عيينة، عن أبي يعفور، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان أيقظ أهله، وأحيا ليله، وشد المئزر».
قلت:
وأما الرواية التي أخرجها ابن البهلول في أماليه برقم (12) والدقاق في فوائده (594) بلفظ :
"إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد المئزر، وأحيا الليل كله" فهي ضعيفة أيضا. اهـ
وكذا رواية ابن خزيمة في صحيحه (3/ 342)
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان شد مئزره، ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ» فزيادة: " ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ" في إسنادها: المطلب بن عبد الله، وهو مدلس وقد عنعنه.اهـ
وفي المسند ج ص(40/ 455) من وجه آخر عنها قالت:
«كان يخلط في العشرين الأولى، النبي صلى الله عليه وسلم من نوم وصلاة، فإذا دخلت العشر جد وشد المئزر» إسناده ضعيف أيضا.
وخرج الحافظ أبو نعيم بإسناد فيه ضعف عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شهد رمضان قام ونام فإذا كان أربعا وعشرين لم يذق غمضا .

قال ابن رجب: يحتمل أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه وقد روي عن بعض المتقدمين من بني هاشم ظنه الراوي أبا جعفر بن علي أنه فسر ذلك بإحياء نصف الليل وقال: من أحيا نصف الليل فقد أحيا الليل وقد سبق مثل هذا في قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا.
ويؤيده ما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: ما أعلمه صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح.اهـ

الشرح المختصر للحديث:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إذا دخل العشر) أي العشر الأواخر من شهر رمضان، وصرح به ابن عبد الرزاق في مصنفه كما تقدم.
(أحيا الليل) أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها، واحيى نفسه بسهره فيه، لأن النوم أخو الموت وأضافه إلى الليل اتساعا لأن القائم إذا حيي باليقظة احيى ليله بحياته وهو نحو قوله لا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور
(وأيقظ أهله) أي أيقظهم للصلاة في الليل، وروى الترمذي ومحمد بن نصر من حديث زينب بنت أم سلمة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه.
(وجد) أي جد في العبادة زيادة على العادة
(وشد المئزر) اختلف العلماء في معنى شد المئزر فقيل هو الاجتهاد في العبادات زيادة على عادته صلى الله عليه وسلم في غيره ومعناه التشمير في العبادات يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له وتفرغت .
وقيل هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات والمئزر بكسر الميم هو الإزار، وبهذا جزم عبد الرزاق عن الثوري واستشهد بقول الشاعر من البسيط:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... عن النساء ولو باتت بأطهار
وذكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه.

ونجعل مسك الختام قصيدة جميلة لأحمد محمد الصديق:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأملات في رمضان: من بحر الطويل.

دَعَا رَمضانُ الخَيْرِ كل مُرابِطٍ ... لَدَيْه.. فَلَبى المؤمنونَ على الإثْرِ
وطافَتْ بهم ريحُ الجِنانِ عَليلةً ... تَهُب مِنَ الرحَمنِ.. ذائِعَةَ النشْرِ
تَنَفسَ فيها الخُلدُ حينَ تفتحَتْ ... أزاهيرُهُ البَيْضاءُ في "ليلةِ القَدْرِ"
فَطُوبى لِمَنْ يَحْظى بِشَمَ عَبيرِها ... فَيَسْجُدُ مَغْشيًا عَلَيْهِ مِنَ البِشْرِ
ويَضرعُ في حُب ويَبكي من الجَوَى ... ويَكْتُمُ أشواقًا تَأجحُ كالجَمْر
ويُصْغِي إلى صَوْتِ السماءِ كأنَهُ ... صَدى خَفَقاتِ القَلبِ يَنْبِض في الصَدرِ
صيامُكَ مِفْتاح لِكُل فَضيلَة ... يُزودُكَ التقوى. ويُغْريكَ بالطُّهْرِ
فقلْ مُخلِصًا: آمَنْتُ باللهِ واستَقِمْ ... وأحْسِنْ لَهُ الأعْمَالَ في السِّر والجَهْرِ
هنا مَصْنَعُ الأبطالِ.. يَصْنَعُ أمَّةً ... وينفُخُ فيها قوةَ الرّوح والفِكْرِ..
ويَخلَعُ عنها كل قَيْد يَعوقُها ... ويُعْلي منارَ الحَق.. والصدْقِ والصبْرِ
تَصومُ إذا صامَتْ عَنِ الفُحْشِ والخَنا ... وتُفطِرُ في مَنْأي عَنِ الرِّجْسِ والجَوْرِ
لَها العِيدُ بُشْرى في الحَياةِ.. ومثلُهُ ... وأفضَلُ منْهُ يَوْمَ تُبْعَثُ في الحَشْرِ

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما