منتدى المدرسة العتيقة توبكال هلالة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مقدمة في علم النسب لكاتبها (الحسين بن حيدر رحمه الله)

اذهب الى الأسفل

مقدمة في علم النسب لكاتبها (الحسين بن حيدر رحمه الله) Empty مقدمة في علم النسب لكاتبها (الحسين بن حيدر رحمه الله)

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد الخميس أغسطس 11, 2011 9:52 am

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فهذه مقدمة في علم النسب لكاتبها الشريف الحسين بن حيدر(رحمه الله ونفعنا بعلمه) قال:
لكل علم مباديء ، بها تتجسَّد مَعَالِمُه ، وتَشْخُصُ رُسُومُه ، وتُعرف ماهيته ، ويستبين حَدُّه ، وهذه المباديء جمعها العلامة الصَّبَّان في قوله :
إنَّ مَبَادِيَ كُلِّ فنٍّ عَشرهْ >>> الحدُّ ؛ والموضوعُ ؛ ثُمَّ الثَّمَرَهْ
ونِسْبَةٌ ؛ وفَضْلُهُ ؛ والواضِعْ>>> والاسمُ ؛ الاستمدادُ ؛ حكمُ الشارعْ
مسائلٌ ؛ والبعض ُبالبعضِ اكتفى ؛>>> ومن درى الجميعَ حازَ الشرفا

وقال أحمد المقري التلمساني :
مَــن رامَ فــنـًّا فــلْيــُقـــــدّمَ أولا ؛ >>> علماً بِحَدِّهِ ؛ وموضوعٍ تلا
وواضـــعٍ ؛ ونِسْـبة ؛ وما اســتمدّْ>>>منه ؛ وفضلِه ؛ وحُكْمٍ يُعتمـدْ
واســـمٍ ؛ ومــا أفـــادَ ؛ والـمسائل ؛ >>>فتلك عشرٌ للـمُـنى وسائلْ
وبعضُهم منها على البعض اقتصرْ >>>ومَن يكنِ يدري جميعَها انتصـرْ

ونحن نشرع في تبيين هذه المباديء العشرة في علم النسب ، لأننا لمسنا عدم وضوح معالمه لكثير من الناس حتى لأغلب الذين يخوضون فيه :

1/10 حَدُّ علم النسب
عِنْدَ الْتَّعْرِيْفِ بِمُصْطَلّحٍ مَرَكَّبٍ مِنْ كِلْمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَابُدَّ مِنْ تَعْرِيْفِ كُلِّ كَلِمَةٍ عَلَىَ انْفِرَادٍ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتِمُّ الْتَّعْرِيْفُ بِالْمُصْطَلَحَ كَمَا هُوَ فِيْ حَالِ الْتَّرْكِيْبِ . فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيْفِ الْعِلْمِ وَحْدَهُ وَالْنَّسَبِ وَحْدَهُ أَوَّلَاً ، حَتَّىَ نَقِفُ عَلَىَ حَدِّ هَذَا الْعِلْمَ عَلَىَ الْوَجْهِ الْأَفْضَلِ.
فالعِلْمُ في اللغة مصدر علِم يعلم ، وهو خلاف الجهل ونقيضه ، وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً .
فالعلم هو: إدراك الشيء على حقيقته كما هي.
والوَهْمُ : إدراك الشيء على غير حقيقته.
والظَّنُ : إدراك الشيء على حقيقته مع احتمال مرجوح .
والشَّكُ: إدراك الشيء على حقيقته مع احتمالِ مساوٍ له .
هذه معاني هذه المفاهيم في منطق اللغات التي لابد من ذكرها عند التعريف بالعلم.
والعلم في الاصطلاح: مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة ؛ وتعالج بمنهج معين ، وينتهي إلى النظريات والقوانين .
أو هو: منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج علمي دون سواه.
والنَّسَبُ فِي اللُّغَةِ : مَصْدَرُ نَسَبَ ، يُقَال : نَسَبْتُهُ إِلَى أَبِيهِ نَسَبًا إذَ عَزَوْتُهُ إِلَيْهِ ، وَانْتَسَبَ إِلَيْهِ : اعْتَزَى . وَالاِسْمُ : النِّسْبَةُ بِالْكَسْرِ ، وَقَدْ تُضَمُّ . قَال ابنُ السِّكِّيتِ : يَكُونُ النَّسَبُ مِن قِبَل الأبِ وَمِن قِبَل الأمِّ . والذي قاله ابنُ السِّكِّيتِ هو الحق ، وأخطأ من اللغويين قال : هو من قِبَلِ الأبِ فقط . لأنَّ هذا تعريفه في الاصطِلاح لا في اللغة ، أما في اللغة فهو يشمل ما كان من جهة الأبِ وما كان من جهة الأم ، ولا فرق . وَليس بِجَيِّدٍ قول من قَال من الفقهاء : هُوَ الاِنْتِسَابُ لأَِبٍ مُعَيَّنٍ . لأنَّه تعريفٌ غيرُ جامعٍ ، إذ يلزم في بعض الحالات أن ينتسب الابن إلى أمه كما في اللعان ، وإن كانت الأم أحد الأبوين . ولا بدَّ في التعريف من أن يكون جامعاً لما يلزم ؛ مانعاً لما لا يلزم . كما أن لعلم المواريث مصطلحاته التي اصِطلحتها الشريعة لأجل الحكمة في توزيع التركات باعتبار الأحوج والأشد عَوَزَاً ، ولا يعني إخراج المحجوب وغير الوارث من الأقارب من حظيرة القرابة والنسب .
والنَّسِيْبُ هو : القريبُ الذي بينك وبينه رابطةُ نسبٍ . وأخطأ من عرَّف النسب لغة بأنه بمعنى القرابة رأساً .
أمَّا النَّسَبُ فِي الاِصْطِلاَحِ فقد عرفته الموسوعةُ الفقهيةُ الكويتيةُ بأنه: القَرَابَةُ وَهِيَ الاِتِّصَال بَينَ إِنسَانَيْنِ بِالاِشتِرَاكِ فِي وِلاَدَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ .
وهذا تعريف للنَّسَبِ اصطلاحاً مِن حيثُ مَا هو نَسَبٌ فقط . وليس تعريفاً لعلم النسب من حيث ما هو علم للنسب ، وهو صالح لأن يكون تعريفاً للنسب في اصطلاح المؤرخين أيضاً ، والتعريف يشمل الولد والوالد ، وهو النسب العمودي ، من قِبَلِ الأب ومن قبل الأم ، ويشمل القرابة التي تكون أفقية لكل أجيال السلسلة كالإخوة والأعمام والأخوال .
وعُرِّف النسبُ أيضاً بأنه : الرابطة التي تكون بين الوالد والولد .
أما تعريف علم النسب مركباً في اصطلاح فلاسفة التاريخ ، فقد قالوا فيه : علم ، يُعْرَفُ مِنه أَنْسَابَ الناسِ ؛ وقواعِدَ الانتسابِ .
أو عرَّفوه بعبارة أخرى : علمٌ يُتعرَّفُ منه أنسابَ النَّاسِ ، وقواعِدَهُ الكُلِّيَّةِ وَالجُزْئِيَّةِ.
وخَصُّوُهُ بِالناسِ لأنَّ غالباً ما يُعني به أنساب الناس ، وإلا فإن للحيوان البهيم نسبٌ ، وقد ألَّفَ العلماء في أنساب الخيل مثلاً .
هذا التعريف متى نظرنا إليه كعلم له ضوابطه وقواعده وأصوله . ولكن بتعريفهم هذا يكونوا قد صنفوه ضمن العلوم الآلية أو العلوم المساعدة للعلوم الأساسية ، كما هو علم أصول الفقه بالنسبة للفقه ، ولذا فإن علم النسب ؛ علم له جانبان ، أولهما هو الجانب الأساسي ، ونقول في حَدِّهِ : علمٌ يُعرف به وَجْه رابطة القرابة التي بين شخص وآخر . أو العلم بوجه القرابة التي بين شخص وشخص ، أو بين جماعة وجماعة .
ومتى أردنا بالنسب خصوص تلك العلاقة التي بين الوالد والولد فإنا نقول في تعريف علم النسب : علمٌ يُعرف به وجه اتصال والدٍ وإنْ علا بولدٍ وإنْ نزل .
أو هو : علم يعرف به وجه اتصال أصل بفرع أو فرع بأصل .
هذا متى نظرنا إليه كعلمٍ بسيط مِن غيرِ دِرَايَةٍ بتلك القواعد والأصولِ. وفي الحقيقة ما دامت هذه حاله فإنه يفقد استقلاليته ويكون تابعاً لعلم التاريخ ، كعلم من بعض علومه ، والتاريخ قد عدَّه بعضُ الفلاسفة ضمن مقامات الفنون ولم يصنفوه ضمن مقامات العلوم. وعلى أي حال فإن هذا القسم من علم النسب هو الذي يستفيد منه كل وارد لمنهله ، وهو بمثابة مسائل علم الفقه بالنسبة لمسائل أصول الفقه.
أما الجانب الثاني الذي لعلم النسب ؛ فهو الجانب الآلي ، حيث أنه يُصَنَّفُ كعلمٍ مساعد للقسم السابق ، فمنه يُستفاد في تحصيل المَلَكَةِ لدى العالم بالنسب في اتخاذ الحُكم ، وتقرير نتيجة تَوَصَّل لها ، لأنه العلم الذي يتضمن المسائل الأصولية التي لعلم النسب والتي هي بمثابة مسائل علم أصول الفقه بالنسبة لمسائل الفقه . ومن أجل ذلك فإن بعض فلاسفة العلوم صنفوا هذا القسم كتصنيفهم لقسيمه ، وهذا القسم هو الذي يصدق فيه قولهم : علمٌ يُتعرَّفُ منه أنسابَ النَّاسِ ، وقواعِدَهُ الكُلِّيَّةِ وَالجُزْئِيَّةِ. وإنَّه لَكَذلك فإنه يجب أن نزيد في التعريف: ومعرفة حال المستفيد. لأن العلماء نَصُّوا على أوصاف للنسابة صاحب هذه الصنعة ، منها العدالة والصلاح والضبط والتثبت والقريحة الجيدة ..
أما عن كيفية الاستفادة من الأنساب فهذا متروك للباحثين في التاريخ والاجتماع وعلم الإنسان ، إذ كلٌ يستفيد منها بحسب ما تقتضيه تلك العلوم من تَصَوُّرٍ لمسائل النسب.
وإنما عرَّفْنَاه بقولنا : علمٌ يُعرف به وَجْه رابطة القرابة التي بين شخص وآخر . لأجل أن النسب ليس هو مجرد الرابطة التي تكون بين الوَالِدِ وإنْ عَلا والوَلَدِ وإنْ نزل ، وإنما هذه الرابطة تكون أيضاً بين المرء والأب وإن علا ، والابن وإن نزل ، والأخ وعقب الأخ ، والعم وعقب العم .
ولذا فإن النسب ينقسم إلى :
1. نَسَبٌ صُلْبِيٌّ : وهو الرابطة التي بين الوالد والولد . وهو يشمل نسب المرء الذي بينه وبين آباءه الذكور ، ونسبه الذي بينه وبين كل أنثى ولدته ، ولكن الناس اطمأنت نفوسهم لعُرْفِ الشرائع المنزلة منذ القدم ؛ وكان مقصدها ضبط معيشة الإنسان على حالٍ واحدة بها يكون حفظ الأنساب ؛ وصلاح المجتمعات ؛ وصون الأعراض .
2. نَسَبُ قَرَابَةٍ : وهم الإخوة وأولادهم والأخوات ، والأعمام في أي جيل كانوا وأولادهم والعمَّات . ومن أجل ذلك فإنه لما نزل قول الله تعالى : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} نادى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في عموم قريش ، ولكنه رتَّبَ قبائلَ قريش أمامه على مراتبٍ كالشجرة ، شجرة النسب التي استوحى صورتها النسابون من هذا الترتيب ، فكان هو في أعلى فرع لها كالثمرة ، فرتبهم بحسب القرب والبعد النسبي الذي بينهم وبينه ، وهذا النوع من النسب يقال له : رَحِمٌ في الغالب ، وإنما قلنا : رحم في الغالب . لأن الرَّحم تشمل الولد والوالد أيضاً ، وهي تشمل كل قريب على الإطلاق ؛ ولذا فإنَّ الشريعةَ تلطَّفت معه في باب التركات لما لم يكن له فريضةٌ فيها ؛ فأبقتْ له مسمى القرابة بلفظ الرَّحِمِ ، ولم تَسْلَخْ عنه القُرْبَى ، فالرحيمُ في باب المواريث كُل قَرِيبٍ ليس ذَا فَرْضٍ مُقَدَّرٍ وَلاَ هو من العَصَبَة ، ونعرف معنى مدلول الكلمة متى عرفنا مراد المتكلم ، لأن الألفاظ ليست بذواتها وإنما على حسب مراد المتكلم ، ولذا فإن مراد الله تعالى من القربى في قوله {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} لا تشمل كل قريش في كلام المحققين من أهل العلم ، وإنما هي في خصوص بني هاشم كما نصَّ عليه أهل العلم كما أفاده الشافعي في كتابه الأم .
أما أولاد البنات ، وأولاد الأخوات ، وأولاد العمات ، فكل أولئك قرابة أيضاً لا يُمارِي أحدٌ في ذلك ، ولكنهم قرابة دون التي في إطلاق عُرْفِ الناس ، وهي قرابة نَسَبٍ نِسْبِيٍّ أيضاً .
وبعض الفقهاء جعل للنسب قِسماً آخر دعاه بالعَصَبَةِ ، وفي الحقيقة أن العصبة ليسوا من أقسامه ولا من طبقاته ، وإنما من صفات أهله ؛ أو هي حَمِيَّة طبيعية تلازم كل طبقة من طبقاته ؛ وتتفاوت شدتها في كل طبقة بحسب قربها وبعدها من الفرد المَحْمِي ، فالمقصود بهم الذين يتعصَّبون للمرء لأجل القرابة التي بينه وبينهم ، وهذه العصبية على طبقات ومراتب كتلك التي شَكَّلها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أمامه وهو على الصفا ، فحال المرء مع العصبية التي له مع طبقات النسب تجعله بمثابة مركز دوائر تحيط به ؛ دائرة على إثر دائرة ..
أمَّا في اصطلاح النُّحَاةِ فقد عُرِّفَ النَّسَبُ بأنه : إلحاق الفروع بالأصول بياء مشددة في آخره . نحو : قُرَشِيٌّ ، عَنَزِيٌّ ، قِبْطِيٌّ . وهو تعريف غير جامع . والأفضل أن يقال فيه : هو عزو شيءٍ إلى والدٍ ، أو بلدٍ ، أو مهنة ، أو وصف، بياء مشددة في آخره ، مع كسر آخره. وقلنا في التعريف : شيءٍ ، حتى يشمل ذلك كل حيوان ؛ ونبات ؛ وجماد . وقلنا : والدٍ ؛ ليشمل الذكر والأنثى ، نحو : عَلَوِيٌّ في النسبة للذَّكر ، فَاطِمِيٌّ في النسبة للأنثى . والبلد : نحو رجل مِصْرِيٌّ ، للحي ؛ وثوبٌ حَضْرَمِيٌّ ، للجماد ؛ وزعفرانٌ خُرَسَانِيٌّ ، للنبات. والمهنة نحو : رجل اسْكَافِيٌّ . والوصف كقولنا : هذا حِمارٌ وَحْشِيٌّ ، نسبةً إلى الوَحْشِ.


2/10 موضوع علم النسب
أشخاص الآدميين من حيث انتماءهم إلى أصل يُعْزَوْن إليه ، فينتسبون إليه إما وِلادَةً ، أو وَلاَءً ، أو حِلْفاً .
فموضوع هذا العلم البحث في هذه النِسْبَة من حيث الرواية أو الدراية ، أو الرواية والدراية معاً. وفي الأسماء مفردةً أو مضافة لاسم أو سلسلة أسماء برابطة قرابة ؛ فيَبْحَثُ في ضبط هذه الأسماء مفردةً أو متصلةً تَحسُّبَاً لأيِّ عَارِضٍ ، ضَبْطٌ في نُطْقِهَا ، وضبطٌ في عَزْوِها لأصلها ، ويبحث في حال تلك السلاسل ، أي في تشَعُّبِها ، وفي القُرْبِ والبُعْدِ درجةً وكيفيةً ؛ وفي الطَّرِيف والقَعْدُدِ ، وفي الاتصال والانقطاع ، كما يبحث في حال مصادر تحصيل الأنساب ، وغير ذلك من المسائل التي قد تناولها العلماء ونَهَّجُوا لتبيينها المناهج التي أملتها عليهم طبيعة مباحثاتهم لعلم النسب والاستفادة منه. فللمؤرِخِين مناهجهم ، وللمُحَدِّثِين مناهجهم ، وللباحثين الاجتماعيين مناهجهم ، ولِلُغَويين مناهجهم .. ومتى كان العالم بالأنساب على دراية بعلم آليته كلما كان أوفق لتفهم موضوعاته والاستفادة منه والإفادة لغيره .
وقلنا : إن موضوعه أنساب الآدميين على وجه العموم ، ويمكن أن يشمل نسب كل مُحْدَثٍ نَامِي ، واستعمل في الغالب في تدوين ودراسة أنساب الإنسان.
وإنما قلنا على وجه العموم ، فلأجل أن الغالب أن يتناول العالم بالنسب بالدراسة النسب الشرعي الناتج عن نكاح أو استيلاد وإن اختلفت الأديان ، وفي النادر من يدرس أنساب اللقطاء وأولاد السفاح واللعان ، وهؤلاء يُدعون عند النسابين الغربيين بالأولاد الغير شرعيين ، وكان منهم بعض ملوكهم وعظماءهم . والمراد بالمحدث ؛ كل ما كان سوى الله تعالى ، فكلمة محدث تشمل كل ما هو مخلوق . والمراد بكلمة النامي ؛ كل ما كان النمو من طبعه ؛ وهو الحيوان والنبات.


3/10 ثمرة علم النسب
لعلم الأنساب فوائد وثمرات كثيرة ، وتختلف هذه الثمرات والغايات مع اختلاف العلم الذي يُقَارِنه ويتأثَّر به من العلوم التي تستفيد من بياناته وتعتمد على نظرياته وفلسفته .
وهو في الغالب يكون مقترناً مع سرد الوقائع التاريخية ، لأنه وإن كان لعلم النسب شُبْهَةُ استقلال ، إلا أن بينه وبين علم التاريخ عمومٌ وخصوصٌ من وجه كغيره من العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تأثر في بعضها وتتأثر ببعضها ، ويجب ملاحظة أن كل علم يكون مستقلاً في حد ذاته ، أما بالإضافة إلى العلوم الأخرى فإن بعض العلوم تفقد الاستقلالية وتكون من العلوم الآلية أو المساعدة في تحصيل العلم المطلوب ، كعلم النحو العربي ، هو علم مستقل ، ولكن بإضافته إلى العلوم الشرعية فإنه يعد من العلوم الآلية .
ففائدة علم النسب في مجال علم النسب المحض Genealogy:
أما ثمراته هنا فكثيرة لا سيما متى نظرنا إليه من غير وجهته الآلية ، وقد بيَّن بعضَها كثيرٌ من الباحثين فيه ، المُجَدِّدِيْنَ لِحُلتِه ؛ والتي تنضوي كلها تحت إحساس الإنسان بالحيوية في تفاعله وتعامله مع مجتمعه ، وشعوره بالمسؤولية والجِدِّيَّة في التعايش ، وتُشْبع نفسه بالمحبة للمجتمع والألفة مما ينتج عن ذلك التماسك بين مُكوناتٍ المجتمع ، والتكامل والتكافل بين أفراده ، وتحصل لدى الفرد العصبية الواجبة لأجل النُّعرة والتَّناصر ، فحيث تكون العصبية مرهوبة ومخشيَّة ، والمنبت فيها زكيٌّ محميُّ تكون فائدة النسب أوضح ، وثمرتها أقوى ، فمعرفة النسب وتعدد الآباء وذكر مآثرهم وخلالهم الحميدة وهو الحسب كلاهما عصمة للنفس من ركوب الآثام وتلقُّفها ، لأن لكل إنسان جانبان اثنان ، جانب مادي وهو النَسَبُ وهو سلسلة أسماء آباءه وأمهاته ، وجانب رُوحي وهو الحَسَبُ ، وهو سلسلة مآثر آباءه وأمهاته ، فالحسب يسير مع النسب حذو القُذَّة بالقُذَّة ، هذا يَحدُوُه والآخر يُذْكِيه ، فمعنى كل واحد منهما راجع إلى الآخر ، وليست الحضارات هي التي تَذْهبُ بالحسبِ وتقوِّض أركان النسب كما زعم ابن خلدون ، وإنما الأمر الذي ذكرنا وهو مُعَاقرة الفِعَال الخسيسة ، وإهمال النسب ونسيانه مع ما يحمله في فَقَرَاتِه من خلال حميدة لأمر من الأمور الكثيرة . ومن لم تدون سلسلة نسبه كما هو الغالب في البشرية ، فإن أخلاقه الحميدة وأفعاله الجميلة واستقامته على الدين القويم كل ذلك يشير إلى شرف نسبه وكريم حسبه رغم الجهل بسلسلة الآباء .
أما ثمراته كعلم من العلوم الآلية فهي :
1. صيانةُ الأنساب من الكذب والوضع .
2. حفظُ الأنساب مِن الضياع والاختلاط .
3. والاحترازُ به من الغلط في نَسَبِ شَخصٍ .
4. مُنَازَلَةُ الكذَّابِين والأدعياء والوضَّاعين ، وتفنيد موضوعاتهم ، وهدم مشاريعهم ، ومقارعتهم بالحجج والبراهين والدلائل ، وتبيين حالهم للناس .
5. دَرْءُ غواية الشعراء الذين يطعنون في أنساب الناس.
وفائدة علم النسب في مجال علم التاريخ History:
التاريخُ هو الزمان كما عرفه المؤرخون ، وسلسلة النسب هي تغيير يطرأ على الزمان في عدة أوقات منتظمة ومتتابعة ومنضبطة ، وشأن التاريخ ملاحظة ذلك التغيير الذي يطرأ عليه أثناء مسيرته ويؤثر بالتالي في حياة البشرية ، ويشكل النسبُ عنصراً مهماً في قَصِّ التاريخ ، وتوضيح الوقائع التاريخية ، حيث يمثل النسبُ والزمانُ معاً العمود الفقري لسرد المادة التاريخية ، أو بعبارة المؤرخين : يُشَكِلُ البشرُ والزمانُ نهر التاريخ . وطبقات سلسلة النسب أو أجيالها بمثابة دوحات غنية في مراحل طريق التاريخ وخط سير الزمان ، كتلك التي تستلهم الشاعر وتُهَيِّجُ شاعريته في مراحل حياته وتكوِّن له مادته الفكرية وتصقل قريحته، فمنزلٌ يُطْرِبه ، وآخر يُبَكِّيه ، وثالث يُغضبه .. ، والمؤرخون شبَّهوا التاريخ في سيره الطويل بالنهر ؛ ذلك لأن النهر يَتَّسِعُ مجراه ويضيق ، ويستقيم ويتعرَّج ، ويستوي وينحدر ، ويهدأ ويثور .. وهكذا التاريخ في أحداثه ووقائعه عبر خط سيره يتخذ أنماطاً سيكولوجية شتى ، وكذلك الأجيال التي تشكل سلسلة النسب لكل جيل سيكولوجيته الفردية .
فالنسب يسلسل المادة تسلسلاً زمنياً ، لأن ذات النسب مرتبٌ على تلك الطبقات الزمنية ، ولذا فإن ترتيبه للأحداث يكون بمثابة فلم سنمائي في سيناريو بارع ، هو الغاية في الموناتج والإخراج . إذن فهو يدرأ عن المؤرخ الصعوبة في ترتيب الأحداث التاريخية ؛ وفي الربط بين البيانات التاريخية ، لأن ترتيب هذه وربط تلك لا يحسنه إلا المؤرخ الفنان ؛ صاحب الذَّوق التاريخي ؛ والحِسِّ الأدبي ، والحَدَسِ المُرْهَفِ ، والضمير النَّزِيه ، وهذه الصفات قد لا تتوافر على كل مؤرخ ، فسلسلة النسب هي المادة التي تملأ الزمان بالأحداث والوقائع كما تشغل الصور الفراغ الذي في الفلم الخام.
كما أن التعريف بصاحب النسب ثمرة من ثمراته التاريخية ؛ فحينَ يُنسبُ شخصٌ إلى جَدِّهِ الأشهر منه فإنه يكون والحال هذه معرفةً بعد أن كان نكرةً لا يُعرف ، كما أنه حين ينسب إلى بلدةٍ يحصل له بهذه النسبة التعريف ، فلو قال لك شخصٌ : أنا زيد. فإنه لم يزدك معرفة بنفسه إلا معرفة نسبية ، بخلاف ما لو قال لك : أنا زيدٌ القرشيّ . أو قال لك : أنا زيد المكيّ . أو قال لك : أنا زيد التاجر .
وعلم النسب يقدم للمؤرخ البيانات الصحيحة المعتمدة التي يمكنها من أن تغير في مفهوم المعلومة التاريخية عند المؤرخ وتساعد في تفسير الحادثة تفسيراً واقعياً كما هو ، فالنتيجة النسبية أو الحكم النسبي التي تقول للمؤرخ : إن زياد بن أبيه لا يَمُتُّ بصلة نسب إلى قريش قط البتة قطعاً . تسوق المؤرخ إلى المهيعة الصحيحة والطريق الواضحة في تفسير الوقائع التاريخية التي أثَّر زياد بن سمية فيها . وكذا الحال في النتيجة النَّسَبِيَّة التي تقول له : إن صاحب الزنج إنما ينتسب إلى عبد القيس لا إلى العلويين . وهكذا دواليك .
وفائدته في الدراسات الأنثوبلوجية Anthropology :
متى اتخذه الأنثوبلوجيون كقاعة للدراسة فإنه سيعطي استقراءً كاملاً عن فلسفة الإنسانية ، وتصوراً واضحاً عن أصل الإنسان وأدوار وجوده ، وتوقعات نهايته ؛ بايولوجياً وسلوكياً ، وبالتالي تكون الاستنتاجات صحيحة ومتكاملة وواضحة بل ومفيدة لدى المثقف المستفيد ، لأننا لا نستطيع أن نعطي حكماً علي شيء قبل أن نحيط به علماً من جميع النواحي ، إذ أنَّ الحُكْمُ على الشيء فَرَعٌ عن تَصَوُّرِهِ .
وفائدته في الدراسات الاجتماعية السوسيولوجية Sociology :
يساعد الباحث الاجتماعي على تحديد الخصائص الاجتماعية التي تميز عَيِّنَة الدراسة في جميع النواحي العلمية والنفسية السيكولوجية Psychological والمهنية والخَلقية ، ويساعد للباحث الاجتماعي في حصر الجماعة التي اتخذها كَعَيِّنَة في إجراءاته البحثية فتصدق توقعاته في النتيجة وتكون أكثر قبولاً لدى المستفيدين منها ، بل وأنجع في تقويم المجتمع وإصلاحه .
ذلك بأن الاجتماعيين لا يدرسون الإنسان منعزلاً عن مجتمعه أو مجتثاً من أصله ، إذ إن كل من الفرد والمجتمع يدل على الآخر ويشير إليه ، ففهم العلاقات الاجتماعية لا تحصل بدراسة الأفراد في حال انعزال ، وإنما في حال تفاعله مع مجتمعه ، وسلسلة النسب مثلاً تشكل مع ثمرتها التي هو الفرد تفاعلاً اجتماعياً ومجتمعاً آخر يوجِّه سلوك الفرد الذي يتفاعل معه ويؤثر عليه تأثيراً بيِّناً ؛ لأنه جزء من نظامه ، والباحث الاجتماعي تهمه كل البيانات الإيجابية والسلبية التي يقدمها علم النسب عن سلالة معينة أو مجتمع معين على حدٍّ سواء ؛ لأنه يسعى للتنظير الاجتماعي في جميع مجالات علوم الاجتماع المختلفة .
وفائدته في الجغرافية Geography :
علم الأنساب يعرِّفُ الباحثَ في الجغرافية البَشَرِيَّة على كيفية تعامل البشر مع الطبيعة ، وعلى توزُّعِ الأجناس البشرية في الأقاليم والأماكن وأسبابه ونتائجه .


4/10 نِسْبة علم النسب
هو أحد العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تتناول الإنسان بالدراسة المنهجية داخل مجتمعه ، وهو أحد العلوم التاريخية على وجه الخصوص ، فبينه وبين هذه العلوم نسبة العموم والخصوص ، ولذا فإن النسابة بينه وبين المؤرخ مثلاً نسبة عموم وخصوص.


5/10 فضل علم النسب
على أي حال كان فهو علم نافعٌ ؛ وصنعة فاضلة ؛ وصاحبه فاضلٌ ، جَدِيْرٌ بِالحَفَاوَةِ وَالتَكْرِيْمِ . وهو أفضل العلوم التاريخية ، حتى كاد أن يستقل عن علم التاريخ ، وفَضُلَ لأجل حفظه لأنساب الناس حتى سار بالتاريخ على المهيعة الصحيحة الواضحة.
وهو علم يدعو إلى التَفَكُّرِ في أصلِ النشأةِ ، وإلى الاعتبار بالقرون الخالية لذا هو داعية سلام ؛ يهذب النفس ، ويصفي القلب من الغل والحقد والحسد متى صادف قريحةً جيدةً ، فيتصفُ العالم به بمحبة الشعوب والتودد للبشرية كافة ، إلا أن من ساءت نفسه فقد تصيبه إحدى آفات هذا العلم وهي :
1. إما أن يتتبع به معايب الناس ، ويجمع به المثالب ، وهذا النوع يقال في صاحبه : عَيَّابة ، نسابةٌ لا ذِمَّة له.
2. وإما أن يتحول الذي يعاني من عقدة النقص إلى الشعوبية ؛ نسبة إلى الشعب ، أو يدعى نسباً ليس له ، وهذا يقال له نسابة دعي كذاب. والشعوبي هو الذي يصدار حكماً مسبقاً على الشعوب نصرةً للشعب الذي هو منه ، ويقال له : نسابة شُعُوبي .
3. وإما أن يصاب صاحب النسب بالعُجْبِ فيؤديه ذلك إلى ترك التَّحَلِّي بالفضائل ، أو إلى ترك التخلي عن الرذائل ، أو إلى التحلي بالرذائل والتخلي عن الفضائل ، وهذا اللئيم الرذيل .
ولذا فإن العلم أي علم لا يبذل إلا لأهله ، الذين صفت نِيَّاتُهم ، وكانوا أهلاً لحمله ؛ ولبذله ؛ وامتهانه كمهنة ، ولا يتعلم أحدٌ علماً أيّ علم كان إلا بعد اختبار ورياضة للنفس .


6/10 واضع علم النسب
أولاً: علم النسب من حيث أنه علم بروابط القرابة التي تكون بين فرد وفرد:
الواضع له إنما هي الشرائع ، حيث علَّم اللهُ آدم الأسماء كلها ، وبيَّن حقيقة تلك العلاقات التي للأقرباء ، وما يتعلق بها من أحكام ، وجعل لكل نوع ووصف من القرابة اسماً ، فسمَّى الوالدُ أباً ، والوالدةُ أمَّاً ، والصنو أخاً وأختاً ، والولد ابناً أو بنتاً ، وكذا كان الحال في الجَّدِ ، والجَدَّة ، والعَم ، والعمة ، والخال ، والخالة ، والحفدة .. بل حثت الشريعة على صلة تلك القرابات التي دعتها رحماً أيضاً ، فبينت طرائق وصلها وأوجه رعاية مصالحها. وكانت مسألة حِفظ النسب من مقاصد الشرائع ، ومن الضروريات الكليات الأمهات ، كما جعلت الشرائع لكل مسمى من الأقرباء حكماً في باب التركات ، وباب الأنكحة. وجعلت النسب أساس توزيع المواريث . وجاءت مسميات شتَّى في ألفاظ الشريعة للقرابة ، بعضها كان مجملاً محتاج للبيان، وهذه الألفاظ هي: الذُّرِّية ، والقربى ، والنسل ، والآل ، والأهل ، والعترة ، والعقب ، فكان ذلك تحريضاً للعقول كي تعمل .
وهذا كله نجده لدى أهل الشرائع المنزلة ، إذ نجد في العهد القديم تلك العناية البالغة بأنساب البشرية ، وأنساب الأنبياء ، وأنساب بني إسرائيل. وكان أحبار بني إسرائيل يشرحون تلك الأنساب ويُذَيِّلونها كلما استجدت بموازاة خط الزمان ، حتى أدرجت تلك الشروح والتذييلات في التوراة نفسها، فحُفظت بدخولها حرام كتاب الله على رغم ما ألحقت به من عَوَرٍ وعيب.
ثانياً: علم الأنساب من حيث أنه عِلمُ آلةٍ:
وهذا القسم من وَضْعِ الإنسان ، وضعه منذ أن أوجده الله ، أسوةً بغيره من العلوم الإنسانية التي وضعها الإنسان لما شعر بالحاجة إليها ؛ والحاجة أمُّ الاختراع ، فالحاجة والضرورة دعتا إلى وضعه. ذلك عندما احتاج الإنسان إلى تفهُّم مجتمعه ، واحتاج إلى معرفة الصلة التي بينه وبين مجتمعه كأفراد وجماعات ، بل وإلى معرفة أصله ونشأته وسر وجوده . كل ذلك كان بوازع الغريزة المُلِحّ ، فالإنسان مدني بالطبع ؛ محبٌ للاجتماع ؛ كَلِفٌ ببني جنسه ، فعلم النسب انعكاسٌ للمدنية ، ومرآةٌ للإنسانية ، وترجمانٌ لفلسفة العلاقات الاجتماعية ، يحُثُّه وَخْزُ الرَّحِمِ وتأنِيبُها من جهة ؛ ودغدغتها ولِذَّتها من جهة أخرى ، بل والمصلحة والمادة من جهة ثالثة.
وكان علم النسب قد بدأ بسيطاً نظراً لبساطة المجتمع الإنساني الأول. وحين كبر المجتمع الإنساني الأول ؛ وتعددت المجتمعات البشرية ، وبعدت الأنسابُ ؛ وشَعُثَ العِمْرانُ ؛ تبلورت حينئذ مفاهيم علم الأنساب ، فَقُنِّنَتْ له القوانين المُنَظِّمَة والمُلْزمِة ، وَسَنَّ له النسابون الضوابطَ والمصطلحاتِ والأساليب الفنية .
وكان الفضل الأكبر في الإسلام للنسابة محمد بن السائب الكلبي ت204ﻫ في تجديد هذا العلم لأهل الإسلام ، فكان إمام أهل النسب بلا منازع ، وصاحب أعظم وأثبت مدرسة في علم النسب في الإسلام ، وهو أول من قعَّد له القواعد في الإسلام ، وأصَّل له الأُصول ، وخطَّ له الخُطَطَ التي مشَى على رسمها كل مَن جاء بعده ، ولا يماري أحدٌ في أنهم كانوا عالةً عليه . ثم تتابع على ضبطه طوائف ثلاث:
1. العلماء بالشرعيات .
2. المؤرخون والأخباريون .
3. الأدباء والشعراء.
وقلَّما تجتمع هذه الأوصافُ في أحَدٍ من المشتغلين بالأنساب.
وكان من الضرورات التي دعت إلى سن الضوابط والقوانين وإلى حفظ النسب والتأليف فيه ؛ اختلاف الأديان والمذاهب ، والألوان ، واللغات ، فكل أحد أراد أن يذُبَّ عن حوضه ، ويحمي بيضته ، وكلٌ أراد أن يُشْخِصَ نفسه ، وأن يثبت وجوده ، ويفرض إرادته ، وهو ما يعَبَّر عنه بصراعِ الأيدلوجيات وصراع الحضارات .


7/10 اسم علم النسب
هو علم النسب ، أو علم الأنساب جينالوجيا Genealogy .
وبعض فلاسفة العلوم لا يجعلونه من العلوم وإنما يعدونه فناً من الفنون ، بل يعدونه قسماً من أقسام التاريخ إما علماً وإما فَنَّاً .
ويقال لمن يمتهنه : ناسِبٌ، ونَسَّابٌّ ، ونَسَّابةٌ ، والنسابة لا تقال لأي عالم به ، وإنما للبَلِيغ بعلمِ الأنساب ، والهاء فيه للمبالغة ؛ للاحترام والتعظيم ، ويقال لمن جمع معه الأخبار والقصص والتاريخ : أخباريَّ . أما القصَّاص فتقال لمن يَقُصُّ الأخبار والوقائع ثم يخلطها بالأساطير والأكاذيب والخرافات ، ولذلك فإنَّ قصص القرآن العظيم هي أحسن القصص لأنها لا تشتمل على الأساطير والخرافات ؛ ولأن الله تعالى يختار من القصص ما تحصل به العبرة والموعظة والفائدة .


8/10 استمداد علم النسب
هو علم يستمد من تاريخ الناس ، وأخبارهم ، ومن اجتماعهم ، وتناكحهم . ومصادر أخبار الناس كثيرة .
أولها : الكتب المقدسة المنزلة من عند الله وأحاديث الرسل عليهم السلام .
ثانيها : النصوص التاريخية . المدونة في الكتب ، والكتابات الأثرية ، والنقوش الحجرية ، الصكوك العدلية ، الشهادات البينة ، وعند الفقهاء وإن كانت الشهادة سماعية من عدول ، لأن الشهادة بالتسامع لا يُقرَّها الفقهاءُ إلا في النسب ، والموت ، والنكاح .
ثالثها : النصوص الأدبية ، من شعر ونثر .


9/10 حكم علم النسب
الحكم الأول : الفرض على العين .
فهو فرضٌ على كل عين ؛ إذا تعلمه الفردُ فإن الإثم يسقط عنه ولا يلحقه تأنيب الشريعة . إذ فرضٌ على كل إنسان أن يعرف قرابته ورحمه الذين يجب عليه أن يَصِلَهُم وَيَبَرَّهُم ؛ وأن يعلم الرابطة التي بينه وبينهم ، فإذن هو فرض عين لأجل الصِّلَةِ وَالموَدَّةِ .
كما يفترض عيناً معرفة نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه الجملة وإلا كان المسلم مُقَصِّراً ، ولكنه لا يَكْفُر خلافاً لابن حزم الظاهريِّ الذي كفرَّ بناءً على أصول مذهبه ، ومن عرف نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه التفصيل فهو صاحب فضل .
الحكم الثاني : الفرض على الكفاية . وهو يفترض على الكفاية في الأنساب البعيدة لأجل أن يكون في المجتمع مَن يَذُبُّ عن الأنساب دعاوى الكذَّابين ؛ وخرافاتِ القُصَّاصِ ؛ وأغراضَ الوضَّاعِين ، ويبين عَوَرَهَا ، ويفضح أهلها ، ويكون مُعَلِّماً له ، ناشراً لفضله ، ناصحاً لأهله . فإذا تعلمه من حصلت به الكفاية في تعلمه فإن الإثم يسقط عن المجتمع فلا يلحقه تأنيب الشريعة .
أما علم النسب الآلي فحكمه فرض على الكفاية . ولا يطالب كل أحدٍ بإتقانه والدراية به ، إلا مَن انفرد به أو توحَّد به في زمانه فإنه يتعين فرضاً عليه ، ومتى تعدد أهل الدراية به كان بينهم على الكفاية .
قال ملك بهوبال في أبجد العلوم : والعلوم التي هي فروض كفاية على المشهور: كل علم لا يُستغنى عنه في قوام أمر الدنيا وقانون الشرع ؛ كفهم الكتاب والسنة وحفظهما من التحريفات ، ومعرفة الاعتقاد بإقامة البرهان عليه وإزالة الشبهة ، ومعرفة الأوقات ، والفرائض والأحكام الفرعية ، وحفظ الأبدان ، والأخلاق ، والسياسة ، وكل ما يتوصل به إلى شيء من هذه كعلم اللغة والتصريف والنحو والمعاني والبيان . وكالمنطق ، وتسيير الكواكب ، ومعرفة الأنساب ، والحساب ، إلى غير ذلك من العلوم التي هي وسائل إلى هذه المقاصد . وتفاوت درجاتها في التأكيد بحسب الحاجة إليها .
الحكم الثالث : التحريم . وهو يَحْرُمُ ويكونُ مِن كبائرِ الذنوبِ متى كان قَصْدُ الإنسانِ مِن تَعلُمِه أن يتتبع به المثالبَ والعيوب ، أو لِمُجَرَّدِ التَّعالي واحتقار الناس وغَمْطِهم ، لأنَّه كِبْرٌ ؛ وهو من أعظم الذنوبِ ، وهذه الأخلاق الرذيلة التي تكون في بعض أشباه النسابين تُعَدُ جريمة دينية واجتماعية ، وتكون أغلظ متى قصد به الإضرار بالأقارب ؛ فهو عند الله قطيعة للرَّحم المعظَّمَة .


10/10 مسائل علم النسب
أما مسائله أي قضاياه التي تطلب نسب محمولاتها إلى موضوعاتها فهي :
1. حفظ الأنساب الصحيحة روايةً ودرايةً .
وحفظها بالرواية يكون :
أ*- بِضَبْطِهَا لفظاً ومعنى .
ب*- بِتَدْوِيْنِها بأصلح الأسلوبين ، إما البسط وإما التشجير ، أيهما كان له أتقن فإنه يتعين عليه التدوين به .
ت*- بِالأخذِ عن الثقاتِ ، والتَّحَمُلِ مِن الأثباتِ .
أما حفظها دِرَايةً فيكون :
أ*- بِالتَثَبُّتِ في رِوايتها .
ب*- بِالبحثِ في أحوالِ رُواتِها ، إتقاناً ، وضبطاً ، وعدالةً ، وسلامة من الغفلة .. وغير ذلك من الصفات المطلوبة ، أما الإسلام فلا يُشترط ، لأننا نصدق دعاوي أهل جميع الديانات في حكاية أنسابهم ولا نكذبهم ، وإنما لا نقبل من كان خبيثاً في دينه من أهل الديانات ، أي خبيث النفس ؛ سفيهاً ؛ فحَّاشاً ؛ عيَّاباً ؛ لا يَرْقَبُ في أحدٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً.
ت*- بِتطبيقِ مصطلحاتِ أهل الصَّنْعَة .
ث*- بِتَحْمِيل الأنساب مَن كان أهلاً لحملها مِن طلاب العلم ، وعدم بذل العلم للأوغادِ ؛ أو إجازة أصحاب المآرب والمشبوهين ، أو تكثير سواد الأدعياء وأشباه النسابين.
2. رد دعاوى الكذابين ؛ والقصاص ؛ والوضَّاعين ؛ والمغرضين ، وغواية الشعراء.
3. ضبط الأنساب بتبيين المتشابه في النِّسْبَة ، والمؤتلِف والمخْتَلِف ، المتفِق والمفترِق ..
4. الأنساب للبشر كالأسانيد للخبر ، فكما أن الإسناد يتبين به الخبر الموصول والمقطوع والمعضل والمعلق والصحيح والضعيف والموضوع ، فإن علم النسب يكون مثله في تبيين ذلك في الدعاوى النسبية على وجه العموم ، وَيَنْقُدُ النسابةُ كل ما يصله ولا يتقبل شيئاً إلا بعد نَقْدِهِ وإلا كان قَصَّاص .
5. ربط الأفراد ، والمجموعات ، والقبائل ، والشعوب بصلة النسب ، وهو ما يسمى بالتَّعْمِيد للفرد أو المجموعات .
6. خدمة العلوم الإنسانية ؛ كالتاريخ ، وعلم الاجتماع ، بتقديم المادة اللازمة الأساسية لحصول الغاية المرجوة من كل علم ، فعلم النسب علم مستقل ؛ له أصوله وقوانينه وضوابطه ، إلا أنه لا يمنع من أن يكون خادماً لعلوم أخرى ، لأن بين جميع العلوم روابط ؛ فكلها مبنية على بعضها البعض ، فهي من جهة تكون رئيسة ومن جهة أخرى تكون مرؤوسة .
الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 42
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى