منتدى المدرسة العتيقة توبكال هلالة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الرد على من يصف الله عز وجل بالجسمية

اذهب الى الأسفل

الرد على من يصف الله عز وجل بالجسمية Empty الرد على من يصف الله عز وجل بالجسمية

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد الأربعاء أكتوبر 31, 2012 10:07 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي العزة والإفضال، والجود والنوال، أحمده على ما خص وعم من نعمه، وأستعينه على أداء فرائضه، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه، أما بعد:
فهذا توضيح لمسألة في العقيدة، وكشف لطائفة مضلِّلة عنيدة، قد ظهرت في الآونة الأخيرة، تريد تحريف ومحو كل ما سطرته العقول الكبيرة، من أئمة السلف، ومن تبعهم من الخلف، قاصدا بذلك النصحَ لعامة خلق الله، ابتغاء رضوانه، وأداء لما أوجبه علينا من فرائضه، وهذه المسألة هي حكم من يجوِّز على الله عز وجل [الجسمية] أو يقول: هو [جسم لا كالأجسام] كما قرره بعض أتباع ابن تيمية الحراني وابن عبد الوهاب النجدي، وهذا كلامه بالنص:

قال: " إن كان يلزم من رؤية الله تعالى أن يكون جسماً فليكن ذلك, لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يماثل أجسام المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .
على أن القول بالجسم نفياً أو إثباتاً مما أحدثه المتكلمون وليس في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه.اهـ
قلت: يظهر من هذا الكلام تجويز الجسمية على الله عز وجل، وهي محال على الله بالاجماع، ومن لم ينفها فقد جوزها أو أثبتها، تعالى الله عن ذلك، وقال أيضا:
" وأما قولكم: إنه يلزم من تفسير الاستواء بالعلو أن يكون الله جسماً.
فجوابه: كل شيء يلزم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهوحق، ويجب علينا أن نلتزم به، ولكن الشأن كل الشأن أن يكون هذا من لازم كلام الله ورسوله، لأنه قد يمنع أن يكون لازماً، فإذا ثبت أنه لازم، فليكن، ولا حرج علينا إذا قلنا به.
ثم نقول: ماذا تعنون بالجسم الممتنع؟
إن أردتم به أنه ليس لله ذات تتصف بالصفات اللازمة لها اللائقة بها، فقولكم باطل، لأن لله ذاتاً حقيقية متصفة بالصفات، وأن له وجهاً ويداً وعيناً وقدماً، وقولوا ما شئتم من اللوازم التي هي لازم حق.
وقال في موضع آخر:
" وأما الجسم، فنقول: ماذا تريدون بالجسم؟ أتريدون أنه جسم مركب من عظم ولحم وجلد ونحو ذلك؟ فهذا باطل ومنتف عن الله، لأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. أم تريدون بالجسم ما هو قائم بنفسه متصف بما يليق به؟ فهذا حق من حيث المعني، لكن لا نطلق لفظه نفياً ولا إثباتاً، لما سبق.اهـ كلامه.

من هذه الأقوال يتبين لك أنهم يعتقدون أن الله جسم ويقولون: لا كالأجسام، وقبل أن ننقل لك أيها القارئ الكريم أقوال الأئمة في حكم من يقول بذلك، يحسن بنا أن نعرف لك الجسم لغة واصطلاحا كي تعرف ما يلزم من إطلاقه على البارئ سبحانه وتعالى، فنقول:

الجسم في اللغة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما بني عن التركيب والتأليف.
قال ابن فارس: الْجِيمُ وَالسِّينُ وَالْمِيمُ يَدُلُّ عَلَى تَجَمُّعِ الشَّيْءِ. فَالْجِسْمُ كُلُّ شَخْصٍ مُدْرِكٍ. كَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ. وَالْجَسِيمُ: الْعَظِيمُ الْجِسْمِ، وَكَذَلِكَ الْجُسَامُ. وَالْجُسْمَانُ: الشَّخْصُ.اهـ
وقال صاحب القاموس: الجِسْمُ، (بالكسر) جماعةُ البَدَنِ، أو الأعْضاءُ، ومن الناسِ وسائِر الأنْواع العظيمةُ الخَلْقِ ،كالجُسْمانِ، بالضم ، ج: أجْسامٌ وجُسومٌ.اهـ
وقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هُوَ كُلُّ شَخْصٍ مُدْرِكٍ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْجِسْمُ الْجَسَدَ.اهـ
وقال أبو البقاء الحنفي: الْجِسْم: فِي اللُّغَة مَبْنِيّ عَن التَّرْكِيب والتأليف بِدَلِيل أَنهم إِذا راموا تَفْضِيل الشَّخْص على شخص فِي التَّأْلِيف وَكَثْرَة الْأَجْزَاء يَقُولُونَ: فلَان أجسم من فلَان، إِذا كَانَ أَكثر مِنْهُ ضخامة وتأليف أَجزَاء.اهـ
وجسَّمَ يجسِّم، تجسيمًا، فهو مُجسِّم، والمفعول مُجسَّم
وجسَّم الشيء: جعله ذات جسم، أضفى عليه شكلاً واقعيًّا، حدَّده.اهأ

الجسم في الاصطلاح:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال عبد القاهر الجرجاني في التعريفات:
الجسم: جوهر قابل للأبعاد الثلاثة، وقيل: الجسم هو المركب المؤلف من الجوهر.
الجسم التعليمي: هو الذي يقبل الانقسام طولًا وعرضًا وعمقًا، ونهايته السطح، وهو نهاية الجسم الطبيعي، ويسمى: جسمًا تعليميًا؛ إذ يبحث عنه في العلوم التعليمية: أي الرياضة الباحثة عن أحوال الكم المتصل والمنفصل، منسوبة إلى التعليم والرياضة؛ فإنهم كانوا يبتدؤون بها في تعاليمهم ورياضتهم لنفوس الصبيان؛ لأنها أسهل إدراكًا.اهـ
وقال الحافظ السيوطي في معجم الحدود والرسوم:
الجِسْمُ عند المتكلمين: متحيز قَابل للْقِسْمَة، وعند الحكماء: جَوْهَر ذُو أبعاد ثَلَاثَة.اهـ
قال أبو البقاء الحنفي:
الجسم: إِمَّا بسيط وَهُوَ الَّذِي لم يتألف من اجسام مُخْتَلفَة الطبائع، أَو مركب إِن تألف.
والبسيط إِن كَانَ جزؤه كالكل فِي الرَّسْم وَالْحَد فَهُوَ الْبَسِيط العنصري، وَإِلَّا فالفلكي
والمركب إِن لم يكن لَهُ النمو فَهُوَ الجماد، وَإِلَّا فَإِن لم يكن لَهُ الْحس فَهُوَ النَّبَات، وَإِن كَانَ فَإِن لم يكن مَعَ ذَلِك نطق فَهُوَ الْحَيَوَان غير الْإِنْسَان، وَإِن كَانَ فَهُوَ الْإِنْسَان.
وقال التهانوي في كشاف الاصطلاحات:
الجسم: عند الحكماء يطلق بالاشتراك اللفظي على معنيين أحدهما ما يسمّى جسما طبيعيا لكونه يبحث عنه في العلم الطبيعي، وعرّف بأنه جوهر يمكن أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة متقاطعة على زوايا قائمة.

وبعد هذه المقدمة فإليك أقوال أئمة الدين، وما عليه الجمهور في من يجوز على الله الجسمية، أو يقول: هو جسم لا كالأجسام، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

المـــــالــــكــــيــــة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال القرطبي:
وقد قال هشام الجوالقي وطائفة من المجسمة: هو نور لا كالأنوار، وجسم لا كالأجسام. وهذا كله محال على الله تعالى عقلا ونقلا على ما يعرف في موضعه من علم الكلام. ثم إن قولهم متناقض، فإن قولهم جسم أو نور حكم عليه بحقيقة ذلك، وقولهم لا كالأنوار ولا كالأجسام نفي لما أثبتوه من الجسمية والنور، وذلك متناقض، وتحقيقه في علم الكلام.اهـ (تفسير القرطبي (12/ 256)

وقال العلامة علي الصعيدي العدوي المالكي:
"وأما من يعتقد أنه [جسم لا كالأجسام] فلا يكفر إلا أنه عاص؛ لأن المولى سبحانه وتعالى ليس بجسم". اهـ
وقال أيضا:
"والمراد أنه قال: جسم كالأجسام هذا هو الذي يكفر قائله، أو معتقده، وأما من قال: جسم لا كالأجسام فهو مبتدع على الصحيح".اهـ
(حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 102) و(حاشيته على شرح الخرشي على مختصر خليل (8/ 62)

وقال العلامة الصاوي:
وأما لو قال: [جسم لا كالأجسام] فهو فاسق، وفي كفره قولان رجح عدم كفره. اهـ (حاشية الصاوي على الشرح الصغير(4/ 432).

وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي: "ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قِدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام "اهـ (شرح عقيدة مالك الصغير ص: 28).

وقال العلامة عليش عند قول خليل [أو لفظ يقتضيه] (أي الكفر):
"وكاعتقاد جسمية الله وتحيزه، فإنه يستلزم حدوثه واحتياجه لمحدث ونفي صفات الألوهية عنه جل جلاله وعظم شأنه". اهـ (منح الجليل شرح مختصر خليل (9/ 206).

وقال النفراوي:
والذي يستحيل عليه المكان والجسمية لا تكون فوقيته إلا معنوية، وقال أيضا:
ووقع نزاع في تكفير المجسم قال ابن عرفة: الأقرب كفره، واختيار العز عدم كفره لعسر فهم العوام برهان نفي الجسمية. اهـ (الفواكه الدواني (1/ 48/ 94).

وقَالَ الْمَازرِيّ : "وَقد غلط ابْن قُتَيْبَة فِي هَذَا الحَدِيث [ أي: حديث خلق آدم على صورته] فأجراه على ظَاهره وَقَالَ الله صُورَة لَا كالصور. قَالَ: وَهَذَا كَقَوْل المجسمة جسم لَا كالأجسام لما رَأَوْا أهل السّنة يَقُولُونَ الله تَعَالَى شَيْء لَا كالأشياء وَالْفرق أَن لَفْظَة شَيْء لَا تفِيد الْحُدُوث وَلَا تَتَضَمَّن مَا يَقْتَضِيهِ وَأما جسم وَصُورَة فيتضمنان التَّأْلِيف والتركيب وَذَلِكَ دَلِيل الْحُدُوث. اهـ نقلا عن (أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات (ص: 168) وانظر شرح مسلم للنووي أيضا (16/ 166).

وقال أبو الوليد ابن رشد:
"وأما ما وصف به نفسه تعالى في كتابه من أن له وجها ويدين وعينين فلا مجال للعقل في ذلك، وإنما يعلم من جهة السمع، فيجب اعتقاد ذلك والإيمان به من غير تكييف ولا تحديد، إذ ليس بذي جسم ولا جارحة ولا صورة. هذا قول المحققين من المتكلمين"، وقال أيضا:
"فصل ولا يجوز عليه تعالى ما يجوز على الجواهر والأجسام من الحركة والسكون والزوال والانتقال والتغير والمنافع والمضار، ولا تحويه الأمكنة ولا تحيط به الأزمنة". اهـ (المقدمات الممهدات (1/ 20).

الشــــــافـــــعــــيـــــة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الامام النووي ناقلا عن المازري:
وهذا كقول المجسمة جسم لا كالأجسام لما رأوا أهل السنة يقولون الباري سبحانه وتعالى شئ لا كالأشياء طردوا الاستعمال فقالوا جسم لا كالاجسام والفرق أن لفظ شئ لا يفيد الحدوث ولا يتضمن ما يقتضيه وأما جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث .اهـ (شرح النووي على مسلم (16/ 166)

وقال تقي الدين أبوبكر بن محمد الشافعي:
"تَنْبِيه هُوَ أَن المجسمة ملتزمون بالألوان والاتصال والانفصال وَكَلَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات يَقْتَضِي أَن الْمَشْهُور أَنا لَا نكفرهم وَتَبعهُ النَّوَوِيّ على ذَلِك إِلَّا أَن النَّوَوِيّ جزم فِي صفة الصَّلَاة من شرح الْمُهَذّب بتكفير المجسمة قلت وَهُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا محيد عَنهُ إِذْ فِيهِ مُخَالفَة صَرِيح الْقُرْآن قَاتل الله المجسمة والمعطله ماأجرأهم على مُخَالفَة من {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَفِي هَذِه الْآيَة رد على الْفرْقَتَيْنِ" .اهـ (كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: 495).

وقال زكريا الأنصاري:
وقال الأذرعي: والظاهر أنه لا يكفر مطلقا؛ لأنه ظهر منه ما يدل على التجسيم، والمشهور أنا لا نكفر المجسمة. اهـ (أسنى المطالب في شرح روض الطالب (4/ 120).

وقال الرملي:
والمؤولون به لا يسلمون تعليله وعبارة الطوالع الله تعالى ليس بجسم خلافا للمجسمة ولا في جهة خلافا للكرامية والمشبهة لنا أنه تعالى لو كان في جهة وحيز فإما أن ينقسم فيكون جسما وكل جسم مركب ومحدث لما سبق فيكون الواجب مركبا ومحدثا هذا خلف أو لا ينقسم فيكون جزءا لا يتجزأ، وهو محال بالاتفاق، وأيضا فإنه تعالى لو كان في حيز وجهة لكان متناهي القدر كما سبق فكان محتاجا في تقديره إلى مخصص ومرجح وهو محال. اهـ.
وقال أيضا: وقد بطل اختصاصه بالحيز لبطلان الجوهرية والجسمية فإن أريد بالجهة غير هذا مما ليس فيه حلول حيز ولا جسمية فليبين حتى ينظر أيرجع إلى التغرية فنخطئه في مجرد التعبير أو إلى غيره فيبين فساده. اهـ (فتاوى الرملي (4/ 270)

وقال ابن حجر الهيثمي
"أو أثبت له ما هو منفي عنه إجماعا كاللون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فمدعي الجسمية أو الجهة إن زعم واحدا من هذه كفر وإلا فلا". اهـ (تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 86).
وقال:
واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك. اهـ (المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية (ص: 144)
وقال أيضا:
"وقوله بالجسمية والجهة والانتقال، وأنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر تعالى الله عن هذا الافتراء الشنيع القبيح، والكفر البراح الصريح، وخذل متبعيه وشتت شمل معتقديه".اهـ (الفتاوى الحديثية (ص: 85)
وسئل رضي الله عنه ونفعنا به: في عقائد الحنابلة ما لا يخفى على شريف علمكم، فهل عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كعقائدهم؟ فأجاب بقوله: عقيدة إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنان المعارف متقلبه ومأواه وأفاض علينا وعليه من سوابغ إمتنانه وبوأه الفردوس الأعلى من جنانه، موافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة من المبالغة التامة في تنزيه الله تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا من الجهة والجسمية وغيرهما من سائر سمات النقص، بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مطلق، وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشيء من الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه، فلعن الله من نسب ذلك إليه، أو رماه بشيء من هذه المثالب التي برأه الله منها، وقد بين الحافظ الحجة القدوة الإمام أبو الفرج بن الجوزي من أئمة مذهبه المبرئين من هذه الوصمة القبيحة الشنيعة، أن كل ما نسب إليه من ذلك كذب عليه وافتراء وبهتان وأن نصوصه صريحة في بطلان ذلك وتنزيه الله تعالى عنه فاعلم ذلك فإنه مهم. وإياك أن تصغى إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود، وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة، فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك، بل هم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأبلغ المقت والخسران وأنهى الكذب والبهتان فخذل الله متبعهم وطهر الأرض من أمثالهم. اهـ (الفتاوى الحديثية (ص: 144).
وقال أيضا:
فالحاصل من الكلام فيها أن المسلمين قاطبة أجمعوا على استحالة التجسيم، والحلول، والاستقرار على الله تعالى وحكم بذلك صريح العقل. وأجمعوا أيضا على استحالة إرادة الحقيقة فيما ورد من ظواهر الآي والأخبار مما يوهم ذلك. واختلفوا بعد ذلك في مسألة منها، وهي هل يصح إطلاق جهة الفوقية والعلو من غير تكييف ولا تحديد عليه تعالى؟ فمذهب جميع المتكلمين وفحول العلماء وأهل أصول الديانات إلى استحالة ذلك كما نص عليه أبو المعالي إمام الحرمين في الإرشاد وغيره من المتكلمين والفقهاء، وقالوا: إن ذلك ملزم للتجسيم والحلول والتحيز والمماسة والمباينة والمحاذاة، وهذه كلها حادثة، وما لا يعرى من الحوادث أو يفتقر للحوادث فهو حادث، والله سبحانه وتعالى يستحيل عليه الحدوث شرعا وعقلا كما هو مبين في كتب الأصول. اهـ (الفتاوى الحديثية (ص: 80)

وقال الخطيب الشربيني:
تنبيه: اختلف في كفر المجسمة. قال في المهمات: المشهور عدم كفرهم، وجزم في شرح المهذب في صفة الأئمة بكفرهم. قال الزركشي في خادمه: وعبارة شرح المهذب من جسم تجسيما صريحا، وكأنه احترز بقوله صريحا عمن يثبت الجهة فإنه لا يكفر كما قاله الغزالي، وقال الشيخ عز الدين: إنه الأصح، وقال في قواعده: إن الأشعري رجع عند موته عن تكفير أهل القبلة؛ لأن الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات اهـ. (مغني المحتاج (5/ 429).

الحـــــنـــــفـــــيــــــة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ابن نجيم الحنفي:
"والمشبه إن قال إن لله يدا أو رجلا كما للعباد فهو كافر، وإن قال إنه جسم لا كالأجسام فهو مبتدع ... فالحاصل أنه يكفر في لفظين هو جسم كالأجسام هو جسم، ويصير مبتدعا في الثالث هو جسم لا كالأجسام .اهـ (البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 370) و(371).
وقال في موضع آخر:
"أما من يفضل عليا فحسب فهو مبتدع من المبتدعة الذين يجوز الاقتداء بهم مع الكراهة وكذا من يقول أنه تعالى جسم لا كالأجسام ومن قال أنه تعالى لا يرى لجلاله وعظمته". اهـ (البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/ 151).

وقال الطحطاوي:
"والمشبه كأن قال لله يد أو رجل كالعباد كافر وإن قال هو جسم لا كالأجسام فهو مبتدع" .اهـ (حاشيته على مراقي الفلاح (ص: 303).

وقال ابو محمد عثمان بن الحسن العراقي:
"اما المجسمة فهم طائفة يزعمون بان الله تعالى جسم لا كالأجسام، كما تقول هو شيء لا كالأشياء، ونفس لا كالانفس وعالم لا كالعلماء.اهـ (الفرق المفترقة: 76)

وقال ابن عابدين:
"وأما لو قال لا كالأجسام فلا يكفر لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم الموهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام، فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية.اهـ (حاشيته رد المحتار على الدر المختار(1/ 561)

وقال بدر الدين العيني:
خلافا لما يقوله المجسمة من أنه تعالى جسم لا كالأجسام، اهـ (عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25/ 102) فوصف من يقول ذلك بالمجسمة.

وقال ابن الهمام:
والمشبه إذا قال: له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر ملعون. وإن قال جسم لا كالأجسام فهو مبتدع، لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق، وذلك معصية تنتهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام، بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر. وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل هو أولى بالتكفير. اهـ (فتح القدير (1/ 350).
وكذا قال الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق شرح كنز (1/ 135)

وقال ابو محمد عثمان بن الحسن العراقي:
(واما المجسمة فهم طائفة يزعمون بان الله تعالى جسم لا كالأجسام، كما تقول هو شيء لا كالأشياء، ونفس لا كالانفس وعالم لا كالعلماء.
الجواب، نقول: ان راى هذه الطائفة فاسد، وعقيدتهم شر العقائد، لأنا قد بينا الفرق بين الشيء والجسم، فالشيء عبارة عن الموجود، والجسم عبارة عن التأليف والتركيب، والتأليف عبارة عن جمع شيئين بعد ان يكونا متفرقين، وذلك من أمارات الحدوث، وهو منفي عن ذات الباري تبارك وتعالى. والله اعلم) .اهـ (الفرق المفترقة ص(76).

وقال الخادمي:
(وبعضها ليست به) أي بكفر كإنكار سؤال القبر واعتقاد أنه جسم لا كالأجسام (ولكنها أكبر من كل كبيرة في العمل) في كبائر العمل إما لاعتقاد حقية الاعتقاديات دون العمليات وإما لكون الاعتقاديات أصولا وأمهات للعمليات وقيل لتمكنها في النفس بحيث لا تخرج عنها .اهـ (بريقة محمودية (1/ 94).
وقال أيضا: ومن قال بأن الله تعالى جسم لا كالأجسام التي تتركب من الأجزاء وكان لها طول وعرض وعمق (فهو مبتدع) لعدم ورود الشرع ولإيهامه الجسم المنفي (وليس بكافر) ؛ لأنه حينئذ يكون بمعنى الذات أو النفس أو الشيء وإطلاقها عليه تعالى جائز وهذا إنما لا يكون كفرا إذا لم يثبت شيء من خواص الجسم كالحيز، والجهة إلى أن لا يبقى إلا اسم الجسم وإلا فكفر أيضا.اهـ (بريقة محمودية (1/ 225)

وقال الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي (1143هـ) في كتاب الفتح الرباني والفيض الرحماني ص/124، ما نصه :" وأما التشبيه: فهو الاعتقاد بأن الله تعالى يشبه شيئًا من خلقه، كالذين يعتقدون أن الله تعالى جسمٌ فوق العرش، أو يعتقدون أن له يدَين بمعنى الجارحتين، وأن له الصورة الفلانية أو على الكيفية الفلانية، أو أنه نور يتصوره العقل، أو أنه في السماء، أو في جهة من الجهات الست، أو أنه في مكان من الأماكن، أو في جميع الأماكن، أو أنه ملأ السموات والأرض، أو أنَّ له الحلول في شىء من الأشياء، أو في جميع الأشياء، أو أنه متحد بشىء من الأشياء، أو في جميع الأشياء، أو أن الأشياء منحلَّةٌ منه، أو شيئًا منها. وجميع ذلك كفر صريح والعياذ بالله تعالى، وسببه الجهل بمعرفة الأمر على ما هو عليه" اهـ.

وقال العلامة المفسر محمود شكري الالوسي:
وخلاصة الكلام في هذا المقام أنه قد ورد في الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة ألفاظ توهم التشبيه والتجسيم وما لا يليق بالله تعالى الجليل العظيم فتشبث المجسمة والمشبهة بما توهمه فضلوا وأضلوا ونكبوا عن سواء السبيل وعدلوا وذهب جمع إلى أنهم هالكون وبربهم كافرون، وذهب آخرون إلى أنهم مبتدعون وفصل بعض فقال: هم كفرة إن قالوا: هو سبحانه وتعالى جسم كسائر الأجسام ومبتدعة إن قالوا: جسم لا كالأجسام وعصم الله تعالى أهل الحق مما ذهبوا إليه وعولوا في عقائدهم عليه .اهـ (روح المعاني (8/ 474).

وقال أيضا: "ما نسبه إلى الإمام أبي حنفية -رحمه الله تعالى- كذب لا أصل له، بل الثابت عنه وعن سائر أئمة أهل السنة عدم تكفير أهل القبلة ما لم يثبت عنهم إنكار ما علم ضرورة أنه من الدين، وإلا فيحكم عليهم بالكفر، كغلاة الشيعة والمجسمة القائلين: إن الله جسم كالأجسام، فإنهم كفار على ما صرح به الإمام الرافعي وهو الأصح". اهـ (صب العذاب على من سب الأصحاب (ص: 380)

الحـــــنـــــابـــــــلــــــة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ابن بلبان الدمشقي الحنبلي:
"ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، فمن شبهه بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام فلا تبلغه سبحانه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا تضرب له الأمثال"اهـ (مختصر الإفادات ص: 490).

ونقل صاحب (الخصال) أن الامام أحمد قال: "من قال [الله] جسم لا كالأجسام كفر.اهـ نقله عنه بدر الدين الزركشي في كتابه: (تشنيف المسامع (4/85).

وقال أحمد بن حجر آل بوطامي:
"قال بعض الكلاميين: إن أولئك الذين عبروا بقولهم (جسمًا لا كالأجسام) .
معنى قولهم جسمًا، أي قائم بنفسه لا بغيره، لأن الموجودات إما جسم، وهو الجوهر عند المناطقة وهو القائم بنفسه - أو عرض قائم بغيره، والله ليس بعرض، فزعموا أنه جسم قائم بنفسه، وأخطئوا وضلوا؛ حيث أطلقوا على اللَّه الجسمية، وتعالى اللَّه عن ذلك؛ لأنه لم يرد في القرآن ولا في السنة إطلاق الجسم على الله". اهـ (نقض كلام المفترين على الحنابلة (ص: 36).

الظــــــــاهــــــريــــــة وغـــيـــرهـــم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ابن حزم: "وَيبْطل قَول من وصف الله تَعَالَى بِأَنَّهُ جسم وَقَول من وَصفه بحركة تَعَالَى الله عَن ذَلِك".اهـ
وقال أيضا: "وَمن قَالَ أَن الله تَعَالَى جسم لَا كالأجسام فَلَيْسَ مشبهاً لكنه ألْحَد فِي أَسمَاء الله تَعَالَى إِذْ سَمَّاهُ عز وَجل بِمَا لم يسم بِهِ نَفسه وَأما من قَالَ أَنه تَعَالَى كالأجسام فَهُوَ ملحد فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى ومشبه مَعَ ذَلِك ".اهـ (الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 94).

وقال الشوكاني:
قال هشام الجواليقي وطائفة من المجسمة: إنه سبحانه نور لا كالأنوار، وجسم لا كالأجسام .اهـ (فتح القدير للشوكاني (4/ 38)

وقال الذهبي:
ومن بدع الكرامية أنهم يقولون في المعبود إنه جسم لا كالأجسام.اهـ (العرش للذهبي (1/ 139).

وقال ابن الوزير اليماني:
وحكى شارح " جمع الجوامع " لابن السبكي عن أحمد بن حنبل أن من قال: جسمٌ لا كالأجسام فهو كافرٌ. اهـ (العواصم والقواصم (4/ 178)
قال نعمان بن محمود الآلوسي:
"وخلاصة الكلام في هذا المقام: أنه قد ورد في الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة ألفاظ توهم التشبيه والتجسيم، وما لا يليق بالله تعالى الجليل العظيم، فتشبث المجسمة والمشبهة بما توهمه، فضلوا وأضلوا، ونكبوا عن سوء السبيل وعدلوا.
وذهب جمع إلى أنهم هالكون، وبربهم كافرون. وذهب آخرون إلى أنهم مبتدعون. وفصل بعض فقال: هم كفرة إن قالوا: هو سبحانه جسم كسائر الأجسام، ومبتدعة إن قالوا: جسم لا كالأجسام. وعصم الله تعالى أهل الحق مما ذهبوا إليه، وعولوا في عقائدهم عليه. اهـ (جلاء العينين (ص: 425).

وقال سفر الحوالي من المعاصرين:
وَأما تَكْفِير من لَا يسْتَحق سوى التبديع فَمثل تصريحهم فِي أغلب كتبهمْ بتكفير من قَالَ: "إِن الله جسم لَا كالأجسام" وَهَذَا لَيْسَ بِكَافِر بل هُوَ ضال مُبْتَدع؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظ لم يرد بِهِ الشَّرْع .اهـ (منهج الأشاعرة في العقيدة (ص: 89).

وفي الختام أقول:
قال العلامة المالكي –رحمه الله-: قال الحطاب: قال السبكي في مفيد النعم ومبيد النقم: "وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة يد واحدة على رأي أهل السنة والجماعة يدينون بطريق شيخ أهل السنة أبي الحسن الأشعري لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم وبرأ الله تعالى المالكية فلم ير مالكي إلا أشعري العقيدة".اهـ (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (1/ 51).

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين. انتهى
الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 42
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى