منتدى المدرسة العتيقة توبكال هلالة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ثبوت حكاية مناظرة أبي جعفر لمالك

اذهب الى الأسفل

ثبوت حكاية مناظرة أبي جعفر لمالك Empty ثبوت حكاية مناظرة أبي جعفر لمالك

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد السبت أكتوبر 06, 2012 2:34 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذا موضوع حققنا فيه القول في الحكاية المشهورة عن مالك في مناظرة أبي جعفر المنصور، أمير المؤمنين أنذاك، وهذه الحكاية أخرجها العلامة القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي المتوفى (544) هـ -رحمه الله- في كتابه المشهور: (الشفا بتعريف حقوق سيدنا المصطفى –صلى الله عليه وسلم-) قال:
حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم وغير واحد فيما أجازونيه قالوا:
أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث قال حدثنا أبو الحسن علي بن فهر حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا ابن حميد قال:
{"ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية، ومدح قوما فقال (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) الآية، وذم قوما فقال (إن الذين ينادونك) الآية وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر وقال يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله قال الله تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم)". الآية اهـ (الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 40)

الكلام على إسناد هذه الحكاية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث بن أنس بن فلذان بن عمر بن منيب، أبو العباس العذري الدلائي. [393 هـ / 478 هـ].
فاضل أندلسي، من قرية دلاية من أعمال المريّة، وإليها نسبته. ووفاته بالمرية. أقام ثماني سنوات بمكة في صباه، وأخذ عن علمائها. له كتاب (المسالك والممالك - ط) قسم منه قيل إنه من أجلّ ما صُنف في موضوعه، و (دلائل النبوة).
قال فيه الذهبي:
الإمام، الحافظ، المحدث، الثقة، أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث بن أنس بن فلذان بن عمر بن منيب العذري، الأندلسي، المريي، الدلائي.اهـ

2 - علي بن الحسن بن محمد بن العباس بن فهر أبو الحسن [الوفاة نحو:420 هـ] فقيه مالكي وألف في فضائل مالك بن أنس اثني عشر جزءاً سمع بالمشرق من جماعة سمع منه الدلائي والمهلب بن أبي صفرة. قال المهلب: لقيته بمصر ومكة ولم ألق مثله.اهـ
قال الذهبي: من كبار الفُقهاء.صنَّف " فضائل مالك " في مجلَّد، وسمع بالمشرق من جماعة. سمع منه أبو العبّاس بن دِلْهَاث، والمُهَلَّب بن أبي صُفْرة وقال: لقيته بمصر ومكة، ولم ألق مثله. انظر: (الديباج المذهب (2/ 104)، (تاريخ الإسلام ت بشار (9/ 601)

3 - محمد بن أحمد بن الفرج أبو بكر حدث عن سفيان بن محمد المصيصي، وأحمد بن محمد بن عمر اليمامي. روى عنه: أبو بكر بن الجعابي، و أبو القاسم الطبراني في " المعجمين " ومحمد بن حبان البستي. (تاريخ بغداد ت بشار (2/ 179) رقم(187).

4 - عبيد الله أبو الحسن بن المنتاب بن الفضل بن أيوب البغدادي (من الطبقة الرابعة)
ويعرف بالكرابيسي أيضاً كذا ذكره جماعة منهم الأبهري وهو الصواب وقيل في اسمه غير هذا قاضي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وعداده في البغداديين من أصحاب القاضي إسماعيل وبه تفقه وله كتاب في مسائل الخلاف والحجة لمالك نحو مائتي جزء وقيل إنه ولي قضاء مكة وقيل: تولى القضاء بالشام أيضاً وهو من شيوخ المالكيين وفهماء أصحاب مالك وحذاقهم ونظارهم وحفاظهم وأئمة مذهبهم روى عنه أبو القاسم الشافعي وأبو إسحاق بن شعبان وأبو الفرج وغيرهم. (الديباج المذهب (1/ 460) و(التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة (2/ 233)

5 - يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن كامجرا أبو يوسف المعروف والده بإسحاق بن أبي إسرائيل مروزي الأصل (281 هـ)
حدث عن: أبيه، وعن داود بن رشيد، وأحمد بن عبد الصمد الأنصاري، والحسن بن شبيب المؤدب، وعمر بن شبة النميري.
روى عنه: المفضل بن سلمة بن عاصم، وعبد الصمد بن علي الطستي، وأبو القاسم الطبراني، وقال الدارقطني: لا بأس به. اهـ (أسئلة الحاكم (244)، (تاريخ بغداد (14/ 291)، (تاريخ الإسلام للذهبي (21/ 337).

6 - محمد بن عبيد بن حميد بن ثعلبة العامري الكوفي الحماني المعروف [بالجرب] (241 هـ) من أوساط الآخذين عن تبع الاتباع.
روى عن: أبيه، وعمر بن عُبَيْد الطّنَافِسيّ، و وَكِيع بن الجراح، وإبراهيم بن مُحَمَّد الضبي، وجعفر بن مُحَمَّد الانطاكي، وعبد الحميد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحماني، وغيرهم
وعنه: ابْن ماجه، وأَحْمَد بن مُحَمَّد البوراني، وأَحْمَد بْن يحيى بْن زهير التستري، وأَبُو القاسم جعفر بن أَحْمَدَ بن عِمْران ابن الشامي الكوفي، وحاجب بن أركين الفرغاني، والحسين بن إسحاق بن إبراهيم العجلي، وصالح بن أَحْمَدَ بن أَبي مقاتل، والعباس بْن حمدان الحنفي الأصبهاني، وعَبد الله بْن أَحْمَد بْن أسيد الأَصْبَهَانِيّ، وعبد الرحمن بْن مُحَمَّد بْن حماد الطهراني، وعلي بْن الْعَبَّاس البجلي المقانعي، ومحمد بْن عَبد اللَّهِ بْن رسته الأصبهاني، ويحيى بْن مُحَمَّد بْن صاعد وغيرهم.

قلت: ذكره ابنُ حِبَّان في كتاب (الثقات (9/121) رقم (15526)، و(المعجم المشتمل لابن عساكر 259 رقم 903)، و(تهذيب الكمال للمزّي (المصوّر) 3/ 1239)، و(الكاشف 3/ 66 رقم 5112)، و(تهذيب التهذيب 9/ 331، 332 رقم 544)، و(تقريب التهذيب 2/ 189 رقم 505)، و(خلاصة تذهيب التهذيب 350).

قال الحافظ بن حجر في تقريب التهذيب (ص: 495): [مقبول من الحادية عشرة]
وقال الامام الذهبي: [وثقه ابن حبان].

تنبيه: قد وهم وهما فاحشا من ظن أن [ابن حميد] هو: " محمد بن حميد الرازي" ولا أدري من أين أتوا بهذه الفرية القبيحة، والفعلة الشنيعة، ألأجل الطعن في الرواية التي لا توافق مذهبهم ؟! أو أنهم ظنوا أن "يعقوب بن اسحاق بن ابي اسرائيل" هو: "يعقوب القمي" ؟! أم ماذا ؟!
والخلاصة: بعد أن عرفنا برواة الأثر وبينا أنهم كلهم ثقات، وأن ليس فيهم كذاب ولا وضاع ولا مجهول كما يزعم ابن تيمية ومن يقلده، فسنبين أن الرواية لا تحتاج إلى سند أصلا فهي مشهورة عندنا في المذهب، وقبل ذلك سنذكر الحفاظ الذين ضححوا الرواية وهم:

1 - شارح الموطأ عبد الباقي الزرقاني قال في "شرح المواهب اللدنية" (12/ 194):
"الحكاية رواها أبو الحسن علي بن فهر في كتابه: فضائل مالك, بإسنادٍ لا بأس به، وأخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريقه, عن شيوخ عدة من ثقات مشايخه، فمن أين أنها كذب, وليس في إسنادها وضَّاع ولا كذَّاب".اهـ

2 – أمير المؤمنين الحافظ ابن حجر العسقلاني في الجوهر المنظم قال:
" رواية ذلك عن الإمام مالك جاءت بالسند الصحيح الذي لا مطعن".اهـ (تهذيب الفروق للقرافي (ج3 / ص52).

3 – الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد (12/ 395) قال مشيرا إلى أن سندها جيد:
"وروى القاضي- بسند جيد- عن ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا ... إلخ الحكاية".اهـ

4 – السمهودي في وفاء الوفاء (4/ 196) قال مشيرا إلى أن سندها جيد:
"وقال عياض في الشفاء بسند جيد عن ابن حميد" .اهـ

5 - ابن عساكر الدمشقي قال في إتحاف الزائر وإطراف المقيم للسائر ص46 : "وقصة مناظرة مالك بن أنس الإمام -رحمة الله عليه- أبا جعفر المنصور مشهورة" اهـ

6 - الشهاب الخفاجي في شرحه (3/398) قال:" ولله دره حيث أوردها بسند صحيح، وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه" اهـ

أما شهرتها فيكفي ما نقله الحافظ عبد الباقي الزرقاني حيث قال رادا على ابن تيمية:
" فإن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلًا له مستدبر القبلة, ومِمَّنْ نَصَّ على ذلك أبو الحسن القابسي, وأبو بكر بن عبد الرحمن, والعلامة خليل في مناسكه، ونقله في الشفاء عن ابن وهب عن مالك، قال: إذا سلَّم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا, يقف وجهه إلى القبر لا إلى القبلة, ويدنو ويسلِّم, ولا يمسَّ القبر بيده. انتهى.
وإلى هذا ذهب الشافعي والجمهور، ونقل عن أبي حنيفة، قال ابن الهمام، وما نُقِلَ عنه أنه يستقبل القبلة مردود بما روي عن ابن عمر: من السُّنَّة أن يستقبل القبر المكرَّم, ويجعل ظهره للقبلة, وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة. وقول الكرماني: مذهبه خلافه ليس بشيء؛ لأنه حيّ، ومن يأتي لحيٍّ إنما يتوجَّه إليه. انتهى.
ولكن هذا الرجل ابتدع له مذهبًا وهو عدم تعظيم القبور، وإنها إنما تزار للترحّم والاعتبار, بشرط ألَّا يشد إليها رحل، فصار كل ما خالفه عنده كالصائل لا يبالي بما يدفعه، فإذا لم يجد له شبهة واهية يدفعه بها بزعمه, انتقل إلى دعوى أنه كذب على من نُسِبَ إليه مجازفة وعدم نصفة، وقد أنصف من قال فيه: علمه أكبر من عقله... إلى أن قال: ومقتضى كلام العلامة خليل في مناسكه، أنَّ المعتمد رواية ابن وهب ولو للعامّة، لكن يعلمون وينهون عمَّا لا ينبغي الدعاء به ... إلى أن قال: وأمَّا الدعاء فإن الجمهور ومنهم الشافعية والمالكية والحنفية على الأصح, عندهم كما قال العلامة الكمال ابن الهمَّام على استحباب استقبال القبر الشريف, واستدبار القبلة لمن أراد الدعاء,[وأما قول ابن تيمية] "ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك" يقال له: في أي كتاب نصَّ على كراهته، فإنه نصَّ في رواية ابن وهب عنه وهو من أجلّ أصحابه على أنه يقف للدعاء, وأقل مراتب الطلب الاستحباب.
وجزم به الحافظ أبو الحسن القابسي وأبو بكر بن عبد الرحمن, وغيرهما من أئمة مذهب مالك, وجزم به العلامة خليل بن إسحاق في مناسكه، أفما يستحيي هذا الرجل من تكذيبه بما لم يحط بعلمه, وليس في قوله في المبسوط: لا أرى أن يقف عند القبر للدعاء تصريح بالكراهة، لجواز أنه أراد خلاف الأولى, مع أنا إذا سلكنا الترجيح على طريقة أصحاب الحديث، فرواية ابن وهب مقدَّمة لاتصالها على رواية إسماعيل؛ لأنه لم يدرك مالكًا, فهي منقطعة, [قال ابن تيمية]:"والحكاية المروية عنه أنه أمر المنصور أن يستقبل القبر وقت الدعاء كذب على مالك" اهـ، كذا قال والله أعلم" تبرأ منه؛ لأن الحكاية رواها أبو الحسن علي بن فهر في كتابه: فضائل مالك, ومن طريقه الحافظ أبو الفضل عياض في الشفاء بإسنادٍ لا بأس به، بل قيل: إنه صحيح، فمن أين أنها كذب, وليس في رواتها كذّاب ولا وضَّاع، ... إلخ (المواهب اللدنية (12/ 194).
وذكر النووي أيضا في شرح مسلم أن القصة مشهورة، على أن الرواية قد عضدت بجريان العمل وبالأحاديث الصحيحة الصريحة في جواز التوسل التي يعضد بعضها بعضا.
قال مفتي المالكية في مكة المكرمة محمد بن علي بن حسين:
بل مما يعين حمل رواية زروق المذكورة على ما ذكروا وبطلانها رأسا أن زروقا نفسه في شرحه لحزب البحر قال بعد ذكر كثير من الأخيار اللهم إنا نتوسل إليك بهم فإنهم أحبوك وما أحبوك حتى أحببتهم فيك إياهم وصلوا إلى حبك ونحن لم نصل إلى حبهم فيك فتمم لنا ذلك مع العافية الكاملة الشاملة حتى نلقاك يا أرحم الراحمين وله في التوسل قصيدة مشهورة فمن هنا قال العلامة الزرقاني على المواهب وقول ابن تيمية: ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك خطأ قبيح فإن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا للقبلة ... إلخ .اهـ (أنوار البروق في أنواء الفروق (3/ 52).

فالرواية صحيحة عندنا لا مطعن فيها، ولله الحمد، قد استدل بها ابن القيم في نونيته فقال:

أو لم يقل من قبلكم للرافعي الأ ... صوات حول القبر بالنكران
لا ترفعوا الأصوات حرمة عبده ... ميتا كحرمته لدى الحيوان

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.
الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 42
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ثبوت حكاية مناظرة أبي جعفر لمالك Empty رد: ثبوت حكاية مناظرة أبي جعفر لمالك

مُساهمة من طرف الشيخ جلال الدين أصياد الإثنين أكتوبر 15, 2012 3:21 pm

تنبيه :
اعترض علينا بعضهم في "محمد بن عبيد بن حميد", بقول ابن حجر فيه: "مقبول", أنه يلزم أن من ذلك أن يتابع حتى تقبل روايته.
والجواب عليه كالتالي:
قول ابن حجر:"مقبول" في راوٍ لا يعني دائما لزوم متابعته، وإلا فهو لين الحديث، وهذا مصطلح جديد لم يسبق إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ومن ثم فقد أوقع من جاء بعده بحيرة شديدة ، وغموض !
وقد احتار من جاء بعده ماذا يقصد بهذه المرتبة التي أسرف في استعمالها وعدد الرواة الذين وصفهم بهذا الوصف يزيد على (1588) راوياً .
ولكن بما أنه قد بين مقصوده بهذا الاصطلاح فلا مشاحة في اصطلاح لا محذور فيه، غير أنه تكلف ينبغي تركه، إن مقصود الحافظ ابن حجر أنهم مقبولون استوفوا الشروط التي وضعها في التعريف بهم ، ومن ثم فتضعيف الحديث الذي يرد من طريقهم عند عدم التابعة فيه نظر .
وهذا مثال من بين أمثلة عديدة يدل على تصحيح حديث المقبول أحيانا عند الحافظ ابن حجر ، وغيره ، وهو حديث من طريق نبهان مولى أم سلمة رضي الله عنها، الذي قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: " مقبول من الثالثة " اهـ، وقد تفرد به ولم يتابع . وهو في سنن أبى داود(4114 ) حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهرى قال حدثنى نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - « احتجبا منه ». فقلنا يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - « أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه ». قال أبو داود هذا لأزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - خاصة ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم قد قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس « اعتدى عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ».(1)
قال النووي :" وهذا الحديث حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما قال الترمذي هو حديث حسن ولا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بغير حجة معتمدة.اهـ
قال الحافظ ابن حجر نفسه: "وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي،وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة،فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته".اهـ (فتح الباري (ج 15 / ص 48).
قلت : وهذا أحد المواضع التي تبين معنى قول ابن حجر عن الراوي : " مقبول" بأنه- ثقة أو صدوق-عنده ؛ خلافا للمفهوم الخاطئ لدى المتأخرين،فليتنبه لمثله !! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر طريقه في المسند الجامع (ج 20 / ص 1061) (17622) وسنن البيهقي 7/92 والفتح 1/550 و12/37 وشرح السنة 9/24 والإتحاف 6/491 والخطيب في التاريخ 3/16 و8/339 وموارد الظمآن (1968) والإحسان(5575) والنسائي في الكبرى(9241) وإسحاق في مسنده(34) وأبو يعلى (6922) والتمهيد لابن عبد البر 19/154و156وابن سعد 8/175و178 وعشرة النساء للنسائي(341-7997 بتحقيقي) ،وقال ابن الملقن في البدر المنير (ج 7 / ص 512) هذا الحديث صحيح.
ثم إن القاعدة عندنا هي: أن الذين وثقهم [ابن حبان] ولم يرو عنهم إلا راوٍ واحد ولم يأتوا بخبر منكر ، فهؤلاء - على الراجح - مقبولون وحديثهم حسن ، ولاسيما إذا قال عنه الذهبي في الكاشف : وُثّق ، ونص عليه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول ... وما نسب إليه من أنه واسع الخطو في باب التوثيق ، يوثق كثيراً ممن يستحق الجرح ، فهذا مسلم إذا عارضه إمام بالجرح، وهذا منتف في ما نحن فيه، فيقبل قوله خصوصا وأن الحافظين أقراه ووافقاه كما بينا سابقا.

واعترض أيضا فقال:
لم يذكر أحد في كل المصادر التي وقفت عليها أن مالكا من شيوخه, وأنه لقيه وأخذ عنه! فأين دليلك على ذلك؟.
الجواب:
عدم التنصيص على ذلك في المصادر لا يدل على أنه ليس من شيوخه، خصوصا وقد ثبت أنه سمع من "ابن البَرْدُوْنِ ابراهيم الضبي المالكي" المتوفى في حدود ثمانين ومائتين، وهو من نظار فقهاء المدنيين بالقيروان.
فما احتججت به من عدم ثبوت السماع سواء من ابن حميد أو يعقوب، نرده بأنه يكفي عندنا في قبول الرواية ثبوت معاصرة الراوي المقبول الرواية للمروي عنه، وإن لم يثبت اجتماعهما، وهذا مذهب الامام مسلم كما صرح به في مقدمة صحيحه وبَالَغَ في الردِّ على من خالفه، هذا في المعنعن، فكيف بمن صرح بالتحديث كيعقوب وهو ثقة وغير مدلس؟ وكذلك يلزم من رد روايته الطعن فيه، وهو ما لم يقل به أهل الجرح والتعديل، وكذا ابن حميد فإن أحدا لم يطعن فيه، بل وثقه الذهبي وغيره، فقولك أن مالكا ليس من شيوخه، قول مردود حتى تثبت أنه ليس من شيوخه بدليل مقبول.

وقد أصر المعترض على أن ابن حميد ليس من رواة مالك ليضعف بذلك القصة، فأجبته بقولي:

لو فرضنا أن ابن حميد ليس من رواة مالك، فهو لم يرو إلا واقعة حضرها وشاهدها، فهذه تسمى حكاية وليست رواية، فلا يلزم من ذلك أن يكون من رواته حتى نقبل حكايته.
وعدم رواية أصحاب مالك لها، لا يدل على ردها إن رواها الثقات، لأن ردها يدل على جرح الثقات، وهذا ما لا نعلم أحدا قال به، بل الذين نعتمد عليهم في الجرح والتعديل، صححوا الرواية، وهم أعلم منا بالرواة، فلماذا هذه البلبة والوشوشة ؟! يكفي أن الحافظين ابن حجر وابن عساكر صححا هذه الرواية، ونصا على ذلك.
والذي اعتمدت عليه في ترجيح أن ابن حميد هو: "الحماني" هو ما قاله القاضي شهاب الدين الخفاجي في شرحه على الشفاء: أن "ابن حميد" هو: " ابن حميد بن ثعلبة" أحد رواة مالك، انظر: (نسيم الرياض (3/ 397).
وقد بالغ في الرد على ابن تيمية ونقض أقواله، وكفى أن القاضي عياض -وهو من الموثوقين عندنا - استدل بها مما يشعر بأنه ممن يصححها.

ثم اعترض كذلك أن ما فيها مخالف للكتاب والسنة.
والجواب:
أن الذي استقر عليه الكتاب والسنة، هو أن ما فيها قول الجمهور، فلو فرضنا أنها ضعيفة رغم كثرة ما يشهد على صحتها، فكل ما فيها هو قول جمهور العلماء، خلافا لما توهمه ابن تيمية في ادعائه الاجماع على خلاف ذلك.
وقال أيضا: أن القصة ليس فيها تصريح بالسماع،
الجواب:
أن القصة مبدوءة بقوله: (ناظر ...) وهذه حكاية عن واقعة مشاهدة بالعين، فكيف يتبادر إلى ذهنك، أن يقول سمعت أو حدثنا أو أخبرنا ؟ مع أنه لم يسمع ولم يرو عن أحد، بل غاية ما في ذلك أنه شاهد واقعة بالعين، فهو يحكي ما شاهد.
وقال أيضا: أن "الحماني" لم يعرف بـ "ابن حميد"
الجواب:
لم يعرف عندكم وأما المالكية فهو معروف عندهم، وارجع الى شرح الشفا للخفاجي، فقد ذكر أنه من رواة مالك، وأهل مكة أدرى بشعابها.

وقال أيضا:
"أثبت لي من أي مصدر تشاء أنه ينسب لجده, وأنت تعلم أن هذا مما يشتهر في التراجم!! فعدم وجوده دليل على وضع هذا الاسم وتركيبه حتى يصح السند".

فالجواب:
أن المالكية لهم اصطلاحات، فهم يعرفون من يروي عنهم القاضي بالنسبة الى جدهم، وارجع الى شرح الشفا للخفاجي تعلم صحة قولنا.
وقولك: " فعدم وجوده دليل على وضع هذا الاسم وتركيبه حتى يصح السند" قول فظيع، فأنت بهذا تتهم الرواة الثقات بالوضع، وهذا ما لا دليل لك عليه، بل رواة القصة كلهم ثقات من المالكية، الا يعقوب، وهو ثقة أيضا، فمن هذا الذي وضع وركب السند أيها المجتهد ؟ أيخفى هذا على ابن حجر الذي صحح الاسناد ؟ وهل بلغت درجته حتى تجرح وتحكم على الرواة والروايات بمحض الهوى، نعوذ بالله من الهوى.

بغض النظر عن الراوي هل هو:
محمد بن عبيد الحماني، أوخالد بن حميد أبي ثعلبة، أو محمد بن حميد بن عبد الرحيم بن شروس، أو قرعوس بن العباس بن قرعوس بن حميد، أو يعقوب بن حميد بن كاسب، أو يعقوب بن عيسى بن عبد الملك بن حميد، أو عبد الرحمن بن دبيس بن حميد، محمد بن حميد أبو سفيان المعمري، أو عبد الله بن محمد بن حميد بن الأسود أبو بكر البصري، أو غيرهم من رواة مالك الكثيرين.
فقد صحح هذا الاسناد عدة حفاظ، وهم أدرى منا في هذا المجال، فلا يسعنا إلا أن نقبل تصحيحهم، لعدم بلوغنا لمرتبتهم، فكما نقلدهم في الحكم على الرواة، فكذلك في التصحيح والتضعيف، إلا أن يتبين لنا خطأهم بدليل واضح، وهو غير موجود هنا، فما قاله المخالفون من كونه ابن حميد الرازي، لا دليل عليه، بل تخمين وافتراء واتباع للهوى لعدم موافقة القصة لما يذهبون إليه، وقد ذكرت أعلاه ستة حفاظ ممن صححوا هذه الرواية فارجع الى ما نقلناه عنهم هناك، وهذا ما نختم به قولنا هنا، فلا فائدة في تكرار الكلمات، وإعادة الأبحاث، والله يهدي من يشاء إلى السبيل السوي، والى الطريق العلي.
الشيخ جلال الدين أصياد
الشيخ جلال الدين أصياد
Admin

عدد المساهمات : 248
نقاط : 680
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
العمر : 42
الموقع : www.toubkal-hilala.roo7.biz

https://toubkal-hilala.roo7.biz

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى